صاحب "تقارير عن الرفاعية" : درست الإسبانية بالصدفة البحتة وأميل للكتابة الذاتية | حوار
حوار- هبة خميس:
في فترة قصيرة لفت الأنظار الكاتب والمترجم "محمد الفولي" لترجماته عن الإسبانية؛ فاحتلت رواية "أخف من الهواء" الأعلى مبيعاً في المكتبات لشهور، رغم أنها لم تكن أولى ترجماته عن الإسبانية لكنه قدم حالة مختلفة لأدب أمريكا اللاتينية، الذي نعرف عنه واقعيته السحرية والفانتازيا المرتبطة بأسماء بارزة مثل ماركيز ويوسا والليندي، ومؤخراً ترشحت مجموعته القصصية الأولى "تقارير عن الرفاعية" لجائزة ساويرس والصادرة حديثاً. تشبه المجموعة المتتالية القصصية وتدور معظمها حول حكايات الطفولة والشارع والتأريخ الشخصي للكاتب مع ميل للفانتازيا الرمزية .
كيف استقبلت ترشح "تقارير عن الرفاعية" لجائزة ساويرس، خاصة وأنها مجموعتك الأولى؟
في الحقيقة لم أتوقع الترشح. الخبر كان مفاجئًا ومُفرحًا في الوقت ذاته. لم أكن أعرف موعد الإعلان عن القائمة القصيرة على الإطلاق. أحد القراء هو من أبلغني بنبأ الترشح في وردية عمل صعبة، ما هون عليّ ساعات العمل المتبقية فيها.
معظم نصوص المجموعة تتسم بالنوستالجيا بطريقة تجعلها أقرب إلى الذاتية.. فلماذا اخترت هذه الثيمة؟
أميل للكتابة الذاتية وترجمة الأعمال التي تحمل السمة نفسها. أشعر أنها أقرب إلى قلبي كقارئ
ومترجم وكاتب وإنسان بالطبع.
وهل ترى الكتابة عملية شفاء من الحزن والتخلص من الذكريات؟
هكذا ظننت في البداية، لكن مع مرور الوقت تغير هذا الظن؛ إذ بت أرى في الكتابة طريقة لإعادة تدوير هذه الذكريات بشكل أو بآخر. ربما يكون الإنسان قادرًا على التخلص من أثر الذكريات السيئة عبر الكتابة، لكن أن يتخلص من الذكريات نفسها أمر مشكوك في صحته، لأن هذه الذكريات –سواء كانت سيئة أم جيدة- هي ركيزة شخصيته ونسخها المتنوعة في مراحله العمرية المختلفة.
لماذا اخترت الإسبانية بالتحديد كلغة دراسة؟
كانت صدفة بحتة. كنت أرغب في دراسة اللغة الإنجليزية وآدابها، لكن لم أفِ بمتطلبات التنسيق الداخلي لكلية الآداب في جامعة القاهرة، فقررت أن أشد الرحال إلى جامعة حلوان. كنت أفي هناك بمتطلبات التنسيق، إلا أنهم أرسلوني إلى قسم آخر غير اللغة الإنجليزية بحجة أنني من المُحولين ولست من أبناء الجامعة، فسحبت ملفي وعدت لجامعة القاهرة، سألت موظفة شؤون الطلبة وحينها شعرت بملل شديد من فكرة الذهاب والإياب، وبسذاجة مراهق في عامه الجامعي الأولى: "وفي أقسام لغات إيه تانية عندكم ليا مكان فيها؟" فعرضت عليّ الموجود، فاخترت قسم اللغة الإسبانية وآدابها. ظل اسمي مكتوبًا بالقلم "الجاف" في كشف طلبة القسم أسفل بقية الأسماء المطبوعة حتى نهاية العام الدراسي الأول، لكن تمكنت في النهاية من إنهاء الدراسة ثانيًا على دفعتي، بعد وقوعي في غرام اللغة الإسبانية.
من أجواء القصص يتضح تأثرك الشديد بأدب أمريكا الجنوبية الذي تسيطر عليه الرمزية والفانتازيا فهل تفضله عن الأدب العربي؟
أظن أنك تقصدين أسلوب السرد حينما تتحدثين عن التأثر وهي مسألة لا أنكرها. ثمة تأثر في أسلوبي بطريقة السرد التي يتبعها كثير من كتاب أمريكا الجنوبية، لكن الرمزية والفانتازيا حاضرة في قصتين أو ثلاثة فقط في متتالية "تقرير عن الرفاعية" القصصية أما بقية القصص فمصرية خالصة. يكفي فقط النظر لأسماء وشخصيات وحبكات مثل "ذكريات هوائية"، "عنتر عضمة".
بالنسبة للشق الثاني أنا أفُضل الأدب اللاتيني عن أي آدب آخر. هذا بالطبع لا يعني أن الأدب اللاتيني أفضل من أي أدب آخر بما فيه الأدب العربي، لكنها مسألة ترتبط بالذائقة وقد تختلف من شخص لآخر.
للمترجم ذائقة خاصة في تلقي الأعمال الأدبية، فمن هم كتابك المفضلون؟ ولماذا تفضل كتابتهم؟
الأرجنتيني إرنستو ساباتو بسبب طريقته العبقرية في شرح نفسية أبطاله وبناء شخصياتهم بصورة لم أختبرها مع أحد غيره، إداوردو ساتشيري بسبب سرده البسيط غير المتكلف، الإسباني راي لوريغا بسبب سرده اللا متناهي وحبكاته الفريدة خاصة في روايات مثل "استسلام" و"طوكيو لم تعد تحبنا". أما بالنسبة للعربية، فمن الكتاب المعاصرين أحب ياسر عبد اللطيف وتجربته القصصية التي يستخدم فيها لغة خاصة مُفتخرة، وخيال طارق إمام، ولغة عبد الله ناصر ورموزه المتنوعة.
في معظم القصص تتضح لنا أهمية المكان وهو المطرية. فما هي حدود علاقتك بالمكان وارتباط شخصياتك به؟
كانت علاقتي بالمطرية في الطفولة مُبهمة، إذ لم أشعر بالانتماء. ربما بسبب الخجل، ربما بسبب التربية. لا أدري، لكن بمرور السنين، ينظر المرء لمكان نشأته، لشخصيته، ولتجربته فيه ببعض النضج ويجد رحابًا أوسع. إنها تلك الصلة التي تحدثت عنها في الإجابة السابقة بين كينونة المرء وأثر كل هذه الشخصيات/الذكريات فيها سواء كان جيدًا أم سيئًا.
رواية "أخف من الهواء" التي ترجمتها العام الماضي للكاتب الأرجنتيني فيديريكو جانمير حظيت بقراءات كثيرة وشهرة واسعة. لماذا اخترت تلك الرواية بالتحديد للترجمة؟
حين قرأت الرواية، تحمست كثيرًا لترجمتها لعدة أسباب أذكر لكِ منها تحديدًا التجديد؛ فأن تكون هناك رواية قائمة على شخصيتين رئيسيتين، يظهر صوت الأولى ويظل صوت الأخرى مطموسًا، لكنه رغم ذلك قائم ومؤثر في الأحداث مسألة شديدة التعقيد، وأظن أن فيديريكو جانمير نجح في هذه المعادلة ببراعة.
علاوة على ذلك، ثمة طرق معينة لهضم الرواية؛ فهل هي عن الوحدة؟ أم عن السلطة وتبادلها؟ أم عن القهر؟ هل الشخصية مطموسة الصوت موجودة فعلًا؟ أم أن المرأة العجوز كانت تهذي؟ أظن أن كل هذه العوامل ساهمت في إثراء العمل والتعاطي معه بصور متنوعة.
وكيف تعاملت مع احتفاء القراء بها؟
لقد سعدت كثيرًا بتعامل القراء مع الرواية والنظريات التي طرحوها حولها، وكذلك قراءاتهم المختلفة لها، وسبب هذه السعادة هو رهاني على العمل منذ البداية، رغم بعض التخوفات من أن بعض القراء قد يملون منها نظرًا لطريقة السرد وتطوير الأحداث غير التقليدية.
ارتبط اسمك بترجمات عن أدبيات كرة القدم.. هل يعود الأمر لشعبية اللعبة؟
بداية ترجماتي لم تكن مع أدبيات كرة القدم. ربما أصبح اسمي معروفًا معها نوعًا ما بسبب تزامن صدورها مع كأس العالم 2018 في روسيا وقدوم مؤلف كتاب "أغرب الحكايات في تاريخ المونديال" لوثيانو بيرنيكي لتقديمه في مصر.
لقد كانت بدايتي في الترجمة الأدبية تحديدًا مع كتاب "الشرق يبدأ في القاهرة"، للكولومبي إكتور آباد فاسيولينسي والذي يتناول فيه رحلته إلى مصر. وقع اختياري على العمل ببساطة لأن أحدًا لم يسبق وترجم كتابًا من أدب الرحلات يعرض للقارئ العربي كيف يرانا هذا الجزء من العالم، وأقصد به بالطبع أمريكا اللاتينية، إذ أن كل الترجمات السابقة في أدب الرحلات عن مصر كانت غالبًا لمؤلفين أوروبيين.
بخصوص أدب كرة القدم، فثمة عوامل متنوعة: حبي لكرة القدم، ندرة المؤلفات أو الترجمات المنشورة في العالم العربي بخصوص اللعبة، رغم كثرتها في الخارج، لذا أردت إثراء المكتبة العربية بها وتعريف القارئ على نوع جديد من الأعمال. وحاولت في البداية تقديم عملين مختلفين يراعيان اختلاف ذائقة القراء المستهدفين واختلاف مراحلهم العمرية وهما "أغرب الحكايات في تاريخ المونديال" و"حكاية عامل غرف".
كيف أثر عملك في الصحافة على كتاباتك؟
يسرق العمل في الصحافة كثيرًا من وقتك وينهك ذهنك، لكنه في الوقت ذاته يتيح لك اطلاعًا واسعًا وشاملًا على آخر المستجدات، مما يثري ثقافتك كمترجم ومؤلف -شأنه شأن السفر- خاصة إن كنت تعمل في وكالة أجنبية، لكن إن لم ينجح المرء في الفصل بين لغتي الصحافة والأدب، قد يواجه خللا ما في كتاباته، وهي مسألة يصعب مواجهتها، لكنها في الوقت نفسه ممكنة.
حدثنا عن تأثير نشأتك وأسرتك عليك؟ وعند أي مرحلة اعتبرت نفسك كاتبا محترفا؟
كأي مواطن مصري تقليدي، كان للأسرة تأثيرات متنوعة، منها السلبي ومنها الإيجابي. ربما كانت السلبيات أكثر في حقبة الطفولة بقيود متحفظة نوعًا ما أخذت في التراخي رويدا رويداً وصولًا إلى الدعم الكامل حاليا. وجود أب راحل ترغب في رفع اسمه، أم تحنو عليك في كل الظروف وزوجة تدعمك وأبناء لا تود أن تخذلهم كلها عوامل تدفعني حاليا للتطور كمترجم وكاتب، وبالطبع كإنسان.
لا أدري متى بدأت مشوار الكتابة، ربما وأنا المرحلة الإعدادية بقصص مغامرات طفولية، تطورت إلى خواطر المراهقين التقليدية في الثانوية، وصولًا إلى محاولة فاشلة لكتابة رواية في عامي الجامعي الأول، لكن كانت هناك لحظات أعتبرها حاسمة في مجال الكتابة، لكنها كانت بلغة أخرى: الإسبانية. أومن بأن أول مشروع حقيقي لي في الكتابة كان بهذه اللغة، حين نُشرت لي مجموعة قصص كتبتها بالإسبانية في مجلة الدراسات الأدبية بجامعة "كومبلوتينسي" العريقة في مدريد. حدث هذا في عام 2009 إن لم تخني الذاكرة.
حدثنا عن تلك التجربة؟
كانت مجموعة من أربع قصص وقتها تعرفت على دكتور بتلك الجامعة و أخبرني برغبته في نشر القصص في مجلة الدراسات الأدبية بالجامعة واندهش من إتقاني للإسبانية بتلك الدرجة.
ما هو العمل الذي تعكف على ترجمته حالياً؟ وماذا عن مشروعك القادم؟
أعكف حاليا على ترجمة رواية لكاتب أرجنتيني شاب ترشح لعدة جوائز، وأظن أنها ستثير جدلًا كبيرًا إن لاقت نصيبًا معقولًا من القراءة. بالنسبة للكتابة، مشروعي القادم هو رواية. لا أعرف متى سأشرع في كتابتها، لكن النية قائمة.
فيديو قد يعجبك: