لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

فنان للوشم المسيحي في أزقة القاهرة

05:28 م الجمعة 26 يونيو 2015

فنان للوشم المسيحي في أزقة القاهرة

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

برلين (دويتشه فيله)

كإعلان عن صدق إيمانهم يَشِمُ الأقباط المسيحيون المصريون رسغهم الأيمن بصليب. كان هذا الصليب سابقاً رمزاً يجسد الصعوبات التي عاشوها، أما اليوم فقد بات رمزاً لمقاومتهم.

يجلس كيرولوس البالغ من العمر عامين في حجر أبيه رافعاً ذراعه قليلاً وهو يرقب بحذر ما يوشك أن يفعله مجدي جرجيس بآلة الوشم بذراعه. يكسر فنان الوشم، الذي يعمل على قارعة الطريق نهاية إبرة خياطة، ويغمسها في حبر أسود، ثم يشرع في عمله دون قفازه الذي نسيه في البيت.

ينفجر كيرولوس باكياً بعد الغرزة الأولى في ذراعه الغضة، ويشرع بمحاولة سحبها بعيداً عن قبضة الرجل. عبثاً يحاول الأب أن يهدئ من روع الصغير وأن يثبّت ذراعه على وضعها.

رغم بكاء الصغير وحركاته المتشنجة، يبقى جرجيس مركزاً على عمله ومستمراً فيه بدقة ورشاقة. بعد دقيقتين كان الصليب القبطي موشوماً على معصم الصغير. وضع عليه جرجيس بعض المعقمات وأنهى عمله، فتقاضى عنه 10 جنيهات مصرية ( نحو يورو واحد وعشرين سنتا).

جرجيس البالغ من العمر 38 عاماً، تغطي جسده الوشوم، ويخبرنا أنّ أول صليب وشم على رسغه حين كان في الرابعة عشرة من عمره ، ومنذ ذلك الوقت، جعل من هواية الوشم مصدراً لرزقه، بعد أن أتقن صنعته بتقادم السنين.

0,,18526651_403,00

بالنسبة لكيرولوس البالغ من العمر عامين كان الوشم صعبا.

بين حين وآخر ينجز جرجيس عمليات وشم في صالونات الحلاقة، حيث يطلب الزبائن في الغالب وشم الشفاه والجفون، لكن الرصيف يبقى ميدان عمله الأهم، حيث يشغل ناصية في زقاق قاهري، ليتقي وهج الشمس جالساً تحت مظلة وضعت قرب جدار كنيسة سانت جورج.

صبيحة يوم أحد، ما زال زبائنه المحتملون في قداس الكنيسة، وحين يبدأ الحاضرون بترتيل الترانيم الابتهالية، يُخرج جرجيس معداته: قطع الشاش والقطن، قنينة المعقم، الحبر، الإبر وآلة الوشم.

بعد مغادرتهم الكنيسة، يتجمع جزء من الجمع الخارج منها حول جرجيس، وبينهم كثيرون لبثوا في المشهد للفرجة فحسب. الأقباط من جميع المشارب، يحصلون على وشم الصليب هنا، ابتداء من رجال الأعمال الأثرياء وصولاً إلى جامعي القمامة الأميين.

"الصليب رمز للإيمان الديني، وحتى من لا يملكون ثمن الوشم يحق لهم أن يحصلوا عليه"، كما يقول جرجيس. ويشِم جرجيس مجاناً من لا يملكون دفع أجره. بالنسبة لمسيحيي مصر، هذا تقليد متبع.

رمز للمقاومة

تُعَد الكنيسة القبطية الارثذوكسية في مصر واحدة من أقدم الكنائس المسيحية في العالم. ويُعتقد أن مارك الإنجيلي هو من انشأ المجتمع القبطي الأول في الإسكندرية في القرن الأول ميلادي. وكان الأطفال يوشمون بعلامة الصليب للتعبير عن انتمائهم المسيحي، وحين غزا المسلمون مصر في عام 640 ميلادي وأخضعوها للحكم الإسلامي، تزايد تقليد وشم الصليب بشكل دراماتيكي.

كان المسيحيون يُجبرون على اعتناق الإسلام، ومن رفض الرضوخ لهذا الفرض كان يوضع وشم الصليب على رسغه، ويُجبر على دفع الجزية. كان الصليب رمزا للتمييز العنصري آنذاك، لكنه بات اليوم رمزاً إيجابيّ الدلالة.

0,,18526677_401,00

مظلة مجدي جرجيس للوشم في القاهرة

"أنا فخور بديني وأريد أن أحمل رمزاً يدل عليه"، يقول أمير جمال وهو شاب في الثامنة والعشرين من العمر يعمل في مجال علم الاجتماع، وجاء إلى مظلة جرجيس ليضع وشماً رابعاً على جسده اليوم.

على ظهر أمير يوجد وشم يمثل عملية الصلب، ووشمان لصليبين، ويريد اليوم أن يَشِم ساعده بعبارة "الله وحده يمكن أن يقاضيني" بالانكليزية. عن ذلك يقول "هذا رمز للمقاومة، ويعني أننا لا نخشى أن نعلن مسيحيتنا"، ولكن الأمر لم يسر دائما على هذا المنوال.

هجمات الإسلاميين

يشكل الأقباط المسيحيون نسبة 10 بالمائة من سكان مصر البالغ عددهم 90 مليون نسمة. ورغم أنّ الدستور يحمي حرية الأديان، فإن أقباط مصر يُستهدفون بالعنف غالباً. أشد الهجمات التي طالتهم وقعت في صيف عام 2013، بعد قيام الجيش بإزالة مخيمات الإخوان المسلمين في الميادين والساحات. وطالت الهجمات عشرات الكنائس والمدارس المسيحية، لكن الوضع هدأ بتولي السيسي مقاليد السلطة، وبات المسيحيون في وضع أكثر أمناً، إلا أنهم يبقون مع ذلك هدفاً لاضطهاد الإسلاميين.

"هذه الوشوم هي شارات مقاومتنا وإصرارنا ووحدتنا. وهذا ما يفسر إقبال الأقباط على الوشم في الوقت الحالي"، كما قال مجدي جرجيس.

0,,17171109_401,00

استهدفت الكنائس بالهجمات صيف عام 2013

ولا يقتصر الوشم اليوم على الأقباط، إذ يُقبل عليه المسلمون أيضاً في مصر بشكل متزايد رغم أن الإسلام يمنعه، ورغم أنّ المجتمع ينظر إليه بتحفظ شديد. بل إنه بات شبه ظاهرة لها صالوناتها في كل مكان، لكن جرجيس ينأى بنفسه عن هذه المظاهر ويرفض مبدئياً أن يشِم الناس خارج الإطار الديني مبرراً ذلك بالقول "أريد أن يكون لعملي هدف واضح".

وهكذا، تجلس جينا عادل البالغة من العمر 25 عاماً بين يدي جرجيس لتتلقى صليبها الأول. تسأله بقلق عن إمكانية استخدام مخدر موضعي قبل الشروع بالعمل، فيبتسم ويقول "لن يستغرق الأمر طويلاً، ولن تشعري بأي شيء" ويمضي لتشغيل آلة الوشم ليباشر عمله.

 

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك: