''فاطمة'' و''روضة''.. سجن القناطر للجميع
كتبت - إشراق أحمد ودعاء الفولي:
لعلهما لم تتقابلا مسبقًا، مرت الأولى لجانب الثانية تحاول معرفة الخبر اليقين عن الامتحانات، ملتحفة بالكتب والملازم، تضمها، تضرب أذنها هتافات البنات، بينما تتجه الثانية رأسًا لتدخل جامعة الأزهر المشتعلة رغم أن اسمها غير مدرج بها، فقط للتضامن، يزداد الوضع جنونًا، بين كرّ وفرّ وتفتيش؛ لتجدا نفسيهما معتقلتان في النهاية بالسجن نفسه.
ولا كل من دخل السجن''بتاع مظاهرات''
صورة بركن قصي من الحجرة، لفتاة في التاسعة عشر من عمرها، ملامح هادئة، عينان متبسمتان، لم تعد صاحبتهما موجودة بنفس الغرفة، ذهبت إلى السجن، وبقيت الصورة، تقر بها عين الوالدة، وأحيانًا لا تعوضها عن فقدان ''فاطمة محمد لاشين'' ابنتها الصغرى، في انتظارها يقبع الأب والإخوة الثلاثة، وكتب كلية التجارة، جامعة الأزهر الخاصة بها، مُرتبة على مكتبها كما تركتها في 28/12/2013، لتذهب لأحد امتحانات الجامعة، غير أنها لم تعد بعد.
بين الحين والآخر كانت الأم ''عزيزة حسين'' تلقي نظرة على الصورة ''بنتي راحت الامتحان ومرجعتليش''، تذكر تفاصيل اليوم، عندما أيقظت طفلتها للذهاب للجامعة بعد انقطاع طويل ''هي مكنتش بتروح عشان بتراعي ولاد أخوها وبتذاكر في البيت''، وفاة زوجة أخيها منذ ثمانية أشهر أثناء الولادة؛ جعلها مسئولة عن طفليه ''عمر'' ذو الثلاث سنوات و''إياد'' الأصغر ''كانت في أولى كلية دراسات إسلامية وأنا خليتها تحول تجارة عشان متروحش كتير''، ظنت الوالدة أن ذلك سيسهل عملية الاستذكار بالمنزل، خاصة مع حالتها الصحية المتردية التي لا تسمح بخدمة الحفيدين ''عندي حساسية على الصدر وهي كانت بتربيهم''.
''لقيتها بتكلمني بتقولي عايزين ياخدوني يا ماما''، لم تفهم الأم الستينية صوت ابنتها المملوء هلعًا، فقد تلقت مكالمة منها قبل 10 دقائق تفيد بأن الامتحان التي ذهبت لأجله تم إلغاءه ''فقلتلها هاتي الجدول وارجعي طالما مفيش حاجة''، فوجئت الطالبة -حسب كلام الأم- باشتباكات على أبواب الجامعة، وجدت من يأمرها أن تصعد لميكروباص أبيض، رفضت في البداية ثم استسلمت، ظنًا أنهم سيبعدونها عن الأحداث الساخنة، وبعد رؤيتها طالبات أخريات به ''قالولها هاتي البطاقة وكانت كلمتني قبلها وقولتلها اركبي معاهم متقاوميش أكيد مش هيعملولك حاجة''.
قسم ثان مدينة نصر كان وجهة ''فاطمة'' ومن معها، ذهب الوالد والأعمام إلى هناك ''قالولهم هنخرجهم النهاردة أو بكرة بالكتير''، في الأيام التالية مكثت الطالبات بالقسم دون اتهامات واضحة ''وبعدين لما ودينا محامين عرفنا إن التهمة الموجهة لفاطمة هي إثارة شغب وملقوش معاها حاجة تتحرز''، ينتاب الوالدة طوفان غضب ''بنتي هتثير شغب إزاي، دي مكنتش بتروح جامعة غير كل فين وفين، إحنا فلاحين ومعندناش الكلام ده''.
تقطن ''لاشين'' مع أسرتها بمنطقة شبرا الخيمة ''لا ليها في سياسة ولا غيره والله، لو كنت أعرف إن الجامعة فيها حاجة كنت قلت في داهية الامتحان''، في زيارة والدتها الأولى لها، كان وضع الإقامة بالزنزانة صعبًا، مع أعداد أخريات، وعندما تم ترحيلهن لسجن القناطر؛ تفاقم الوضع ''الجنائيات بيضايقوهم وبياخدوا الأكل بتاعهم ساعات''.
تنتظر الأم والأب اللذان أصابهما المرض، الزيارة كل أحد ''والد فاطمة عامل عمليتين في المخ بالمركز الطبي العالمي''، يستقلان سيارة إلى القناطر على وعد باللقاء، ويكرر الأب مشاوير المحاكم يوميًا في انتظار خروج البنت ''قدمنا تظلمات لمحامي بمحكمة العباسية وكل شوية يقولولنا هتخرج ونتفاجيء إنه اتجددلها''، المرة الأخيرة كانت الأثنين الماضي عندما تم تجديد الحبس 45 يوم، في حين لا يتوقف ''عمر'' عن الإلحاح لرؤية العمة ''أنا نفسي أشوفها أوي يا ستي هي فين؟''، يتلجم لسان الجدة، تجيبه كذبًا أنها سافرت وستعود قريبًا.
لا تسلم الفتاة ومن معها من مضايقات سواء من الجنائيات المحبوسات معهن، أو بعض السجّانات ''بيقوموهم الساعة 4 الفجر يمسحوا السجن وينظفوا في عز البرد''، مضايقات زميلات السجن كثيرة حسب قولها ''الهدوم بتاعتها مرة روحت قالتلي إنهم حرقوهالها واشتكيت للمأمور، احنا على قد حالنا مش بنلاقي الفلوس في الشارع''.
الحالة الصحية للابنة تخضع لرقابة مستشفى السجن غير الجيدة ''فاطمة جالها غدة درقية قبل كدة، خدوها المستشفى وكانت الرعاية سيئة فلما روحتلها الزيارة قالتلي إنها أخدت برشام بس معملش مفعول''، فقامت الوالدة بشراء الدواء المناسب للحالة من حسابها الخاص، كما أنها مُصابة بكهرباء زائدة في المخ، نتج عنها حالة صرع تأتيها دون ميعاد، كما قالت الوالدة.
''أنا كان نفسي أعلم بنتي، لا بنطلب حاجة من البلد ولا احنا عالة على حد''، قررت الأم عند عودة الابنة أنها لن ترسلها إلى الجامعة مرة اخرى أبدًا ''خلاص هتذاكر من البيت ولو ينفع أخليها تمتحن من البيت هعمل كدة''.
التهمة: سلاح أبيض
في نفس اليوم الذي اُعتقلت به طالبت التجارة، اتفقت ''روضة'' و''سلمى'' على الذهاب إلى جامعة الأزهر، للتضامن مع زملائهما الطلبة، فالطالبتان بكلية رياض أطفال –جامعة القاهرة- قررا معًا التواجد أينما علا الصوت مطالبة بحق، ساعات قليلة خططا لقضاءها ومن ثم العودة لاسترجاع دروسهما من أجل الإمتحانات التي لم تبدأ بعد لديهم.
رغم صداقتهما التي لم يتجاوز ميلادها الثلاثة أشهر غير أن غياب ''روضة جمال'' أدخل في نفس ''سلمى عبد العال'' إحساس الافتقاد، أول شخص تشعر معه بذلك ''عمري ما افتقدت حد''، اتخذت منها شقيقة لم تهبها، فهي الاخت الكبرى لاخ أصغر، ما كانت تتخيل أنها تكن لها كل هذا الحب، فصار لزامًا عليها مشاطرتها الحياة بكل ما فيها.
''متهورة للحق أوي'' هكذا ''روضة'' تذهب لـ''محمد محمود'' تتقدم الصفوف، وإلى ''ماسبيرو''، تهم بالمشاركة بميدان التحرير في 30 يونيو، وقبلها تسارع بتوزيع استمارات ''تمرد'' فيمن يفعلوا، ومن ثم تقرر الذهاب إلى ''رابعة العدوية'' رغم اختلافها مع سياسة ''الإخوان'' لكنها وجدت التضامن معهم به شئ من الحق، لم تترك فاعلية إلا شاركت بها حتى لو كانت بعيدة تعبر عن رأيها، صوتها هو سبيلها، تشد عضدها بصديقتها التي كانت ''متخيلة إن لو اتقبض على روضة هيكون في حاجة متهورة''، وهو ما لم يحدث.
تأخرت ''سلمى'' على صديقتها في ذلك اليوم، قررت ''روضة'' أن تسبقها إلى جامعة الأزهر، التي لها بها العديد من الأصدقاء، على البوابة تواجد الأمن طالبها بتفتيش حقيبتها، فعلت، ومن ثم اصطحبها إلى ''البوكس''. ''حيازة سلاح أبيض، الانتماء إلى جماعة محظورة، التعدي على أمن الجامعة، أعمال شغب'' تهم توجهت لـ''روضة'' والحرز ''قطر'' كان بالحقيبة، دائمًا ما تضعه لطبيعة دراستها بالكلية التي تتطلب عمل أشياء من الورق والكارتون للأطفال نسته داخلها، حسبما قالت ''سلمى'' وكذلك زجاجة مياة غازية.
ما يقرب من ثلاثة أشهر، وابنة الثامنة عشر عامًا محتجزة بسجن القناطر، بعد قضائها ليلتها الأولى بقسم أول ''مدينة نصر'' وأخرى بمعسكر ''السلام'' للأمن المركزي.
لم تنقطع ''سلمى'' عن خليلتها، ظلت تتابعها، تشاهدها للمرة الأولى بنظرة عابرة في قاعة محكمة أثناء استئناف الحكم بتجديد 15 يوم لها، تحتضنها لدقائق، باكية رأتها أول مرة قامت بزيارتها ''أنا عايزة أخرج'' تقولها لصديقتها، ألمها تعبها باديء الأمر الذي تحكي عنه في ''جواباتها'' المرسلة لها عبر المحامي، تخبرها بالمعاملة ''المهينة''، تصف لها الأحوال، تسر ''سلمى'' الكلمات في نفسها، تلتقي والدة صديقتها ظنًا منها أنه لابد من التحلي بالقوة أمامها، فتستمد هي من السيدة الخمسينية ''الثبات'' خلاف ما توقعت، رغم أن أسرة ''روضة'' لا تنتمي لأي توجه سياسي كابنتهم، فقط جاهدت الأم لتربيتهم على الأخلاق وفعل ما يرضي ربهم حسبما قالت ''سلمى''.
''ضحكة'' تبعها هدية ''عروسة من التريكوة'' يصنعها الجنائيون داخل السجن، اشترتها ''روضة'' من أجل صديقتها، أعطتها لها في آخر زيارة لها قبل أسابيع، بعد التجديد لها 45 يوم هي و9 فتيات آخريات بينما تم الإفراج تباعًا عن 5 من الـ 14 تم القبض عليهم ذلك اليوم وتوجيه التهم ذاتها.
''أنا هتعب نفسيَا لو اتجدد لي تاني'' كلمات أرسلتها ''روضة'' لصديقتها قبل التجديد من داخل العنبر، انهارت ''سلمى'' بعد صدور القرار بذلك ''مكنتش عارفة روضة هتعمل إيه لما تعرف''، على العكس استقبلتها، متحلية بالثبات تسأل عن أحوال البلاد ودراستها التي ضاعت سنة منها عليها مع تعنت إدارة الكلية حسبما ذكرت ''سلمى'' في الانتهاء من إجراءات خوضها الإمتحانات داخل السجن، وكذلك تأجيلها، تاركة لصديقتها حلم شاطرتها إياه ''مؤسسة الأقصى للأطفال''.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: