إعلان

''نعمات'' و''عدوية''.. على خطى ''لقمة العيش''

02:10 م السبت 08 مارس 2014

''نعمات'' و''عدوية''.. على خطى ''لقمة العيش''

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت - إشراق أحمد:

تلفحها شمس الظهيرة تزيدها سُمرة عن طبيعتها، بجلباب ريفي مزكرش أو زي خاص ''يونيفورم'' تجلس، قرب الرصيف، في منأى عن طريق عبور السيارات والمارة، تحمل ملامحها هم، تخففه النفس بإيمانها، تحيده عنها بابتسامة مع اقتراب ''زبون''، طيب الكلمات وسيلتها، البكاء راحة لها علنًا أحيانًا، لكن القوة والثبات عمادها الدائم لمواصلة رحلتها ومسؤوليتها تجاه أهل بيتها، مضطرة هى أن ترافق الطريق من أجل ''لقمة العيش''.

لم تلتق ''نعمات محمود'' يومًا بـ''عدوية السيد'' لكن كل منهما تحمل عبء أسرة، اختلف من أجلها سبب توجها للعمل بالشارع، وكذلك مهنة كل منهما، الأولى ''سايس''، والثانية بائعة ''نعناع''.

''نعمات''.. الشغل للجدعان

قبل 12 عامًا مرض زوج ''نعمات''، اضطر للمكوث بالبيت فترة، قرر الأطباء إجراء عملية جراحية ''كبيرة'' له، لم تتردد ''أم تامر'' كما يطلق عليها في الاطمئنان على شريك حياتها، ثم ذهبت مكانه للعمل، بموقف السيارات المجاور لدار القضاء العالي، فمنذ ذلك الوقت ما برحت المكان.

السيدة الوحيدة بين 14 عامل يتبادلون ''الورديات''، استهجنوا في البداية فكرة تواجدها بينهم ''لو جوزك تعبان يجي يقعد على كرسي لكن أنت ما تقفيش''، تمسكت السيدة الخمسينية بموقفها ''أنا هقف مكان جوزي''، لا تنسى صعوبة أول يوم لها بالعمل''المباحث خدتني لأني مكنش معايا لسه الرخصة''، ولا أنها للمرة الأولى تعمل، فضلًا عن كونها مهنة يتخذها في الغالب رجال لطول فترة تواجدها بالشارع لكن الخوف على ''آكل العيش'' ويقينها أن ''الحياة كلها تعب'' دفعها للاستمرار.

من الثالثة عصرًا حتى مشارف منتصف الليل، تعمل ''نعمات، تتحرك من بيتها بمنطقة الدراسة في الحسين بالواحدة والنصف ظهرًا، لتصل بالثانية، ترتدي سترة العمل برتقالية اللون فوق عبائتها السوداء، حاملة حقيبة صغيرة بها هويتها ورخصة تواجدها بالمكان وسبحتها التي تلجأ إليها وقت يهدأ فيه أرباب السيارات، تجلس على كرسي بلاستيكي، لا تهدأ عينيها عن مراقبة المكان ''باخد بالي من العربيات لا تتسرق دي مسؤولية''.

''في الأول كانوا مكسوفين''، أبناء السيدة الأربعة لم تكن مرحبة بعمل والدتهم محل أبيهم، لكن حسمها للأمر ''اللي عايز مايعرفنيش هو حر أنا مش بعمل حاجة غلط''، لا تتمنى ''نعمات'' تلك المهنة لأي من أبنائها لكنها الحال اضطرها لذلك حتى تعينهم بحياتهم وعلاج زوجها ''لو عندي معاش من الحكومة مش هنزل الشارع خاصة إن السن مش سامح''، لا يوجد راتب محدد رغم تسجيل العاملين بالموقف بسجلات مرور الأزبكية لكن الأمر لا يزيد عن ''اللي ربنا بيرزقنا به''.

في بداية الأشياء تكمن الصعوبة، ثم ما تلبث أن تثير الضحكات مع توالي الأيام، هذا ما حدث بالفعل مع السيدة الخمسينية ''الناس الأول كانت بتستغرب دلوقتي بقوا عارفيني وبيجيبوا ولادهم يسلموا عليا''، فـ''أم تامر'' كبيرة عاملي الموقف كما يعتبرونها تتصدر لهم في الجمعيات، الفرح والحزن تشارك الجميع، أم ترعى أبنائها بالمساء وامرأة كالرجال في تعاملها تحل الأمور، تستعين بكلمات زوجها تدفعها إن خارقت قواها وهى تؤرجح السبحة بين يديها ''الحمد لله أنت واقفة بتسدي مكاني لولاكي كان الموقف اتاخد''.

موقع عملها في قلب وسط البلد، والقرب من مبنى دار القضاء العالي، مع الأحداث الجارية في البلاد أقسى ما تواجه السيدة ذات الغطاء الأسود ''كنت بقف لغاية لما ألاقي ضرب نار أمشي''، خلاف الإشاعات التي تأتيها ''ورا العربية قنبلة''، قلق يلازمها تلك الفترة، أما ''تناكة الناس'' من بعض راكبي السيارات الراغبة في إيجاد مكان ''للركن'' أكثر ما يضيقها لكن ''حب الناس'' الذي تلقاه والود المانحة إياه يعزيها عما تلاقيه سواء من إرهاق تشعر به أو كلمة تهمها.

مع آخر سيارة تنطلق مع صاحبها الذي تحرص على معرفته منذ وقوفه، ويخلو الموقف من السيارات، ينتهي عمل ''نعمات''، وتتوجه الخطى إلى منزلها لتعد الغذاء لليوم التالي.

عدوية

''عدوية''.. ''المعافرة'' مع الزمن

من وسط القاهرة إلى أكتوبر، برصيف المحلات المصطفة جوار مسجد الحصري، رفيقة ''نعمات'' في ''المعافرة'' من أجل ''آكل العيش''، حزينة تجلس، تستعير ابتسامة ود لا يُعلم مصدرها مع اقتراب أي شخص منها، تتأسف بين الحين والآخر لصاحب ''بقالة التسالي'' المواجهة لجلوسها، مع كل مرة يلعب فيها ''ناصر'' حفيدها ابن الثلاثة أعوام على سلم المحل.

''عدوية السيد'' آثرت قطع مسافة طويلة من الجيزة حيث تسكن إلى أكتوبر لبيع حزم النعناع ''بخاف رجالة بناتي أو حد من الجيران يشوفني يعاير بناتي''، فأولادها هم الشيء الذي يفرحها إذا خانتها دموعها آلما بمجرد دعواها أن ''ربنا يسدد عني''، ديون وقعت بها والدة الأبناء الست، بسبب تجهيز بناتها، لم تغن عنها عشرين عامًا من العمل، بل اضطرت لإخراج أبنائها الأصغر سنًا من المدرسة لعدم قدرتها على سداد مصاريفها.

400 جنية تنتظر كل شهر السيدة لتكفي الدين، مقابل حزم تشتريها بـ40 جنية على أكثر تقدير تبيع نصفها في أفضل الأحوال خاصة وأن ''حال البلد واقف''، مرض السيدة الخمسينية بالقلب والربو يمنعها من تغيير مهنتها رغم مشقتها ليس في قليل عائدها لكن في الكلمات التي تأتيها من البعض تتهمها بالتسول ''اللي يقول لي روحي اشتغلي''، لا تتطلب ''عدوية'' شيئًا من المارة، تلتزم الصمت، فقط تحدث حفيدها الذي تركته ابنتها بعد تزوجها مرة ثانية لكي تربيه ''عايز دي حاضر هجيبها لك بس ربنا يفرجها''، تقولها للصغير كلما آتاها بعلبة حلوى فارغة.

''عايزة أكل الحلال'' لذلك ''بعافر عشان الرزق''، ما دفع ذلك عن السيدة الخمسينية ''ظلم الحكومة'' قبل خمس سنوات ''خدوني وعملوا لي محضر تسول'' رغم بيعها لحزم النعناع المتواجدة بالجوال الموضوع على علبة من الكارتون، قضت 20 يوم بالحجز ''كنت هموت'' مرضت بعدها من قلة الغذاء والحزن.

بالصباح تأتي بالنعناع، تصل لأكتوبر بالظهيرة، مع العشاء تعاود أدراجها بما زرقت في هذا اليوم ''ساعات بروح على فيض الكريم''، تتذكر والد أبنائها الذي هجرها قبل تسعة أعوام ''ما نعرفش عنه حاجة''، تبكي لقسوة النظرات حينًا التي تأتيها دون معرفة لسبب لجوئها إلى الشارع خاصة مع تواجدها بين محلات كثيرة لا حاجة لهم ببضاعتها، وكذلك العزوف عن الشراء مدركة أن ''الناس تعبت.. ولازم التعب يحل على الكل''.

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان