"شم النسيم" .. دعا إليه الصحابي عمرو بن العاص وبدَّعه المتشددون
بقلم – هاني ضوه:
نائب مستشار مفتي الجمهورية
للمصريين مناسبات خاصة واحتفالات عديدة يحتفلون بها على مدار العام منذ فجر التاريخ واستمر بعضها إلى يومنا هذا، ومن هذه الاحتفالات التي استمرت "شم النسيم" الذي يحتفل به المصريون منذ عهد الفراعنة وحتى الآن، حيث يحتفل أهل مصر بقدوم الربيع.
وفي هذه المناسبة من كل عام يظهر علينا أهل التشدد والتضييق على الناس بفتاوى عجيبة تُحَّرِم وتبَّدِع من يحتفل بـ"شم النسيم" أو مثله من المناسبات، بدعوى أنها أمور لم يفعلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيكدرون حياة الناس ويجعلونهم في حيرة من أمرهم وفي صراع دائم.
هؤلاء المتشددون قد غفلوا عن الكثير من القواعد الشرعية التي استقر عليها العلماء ومنها العمل بالعُرف ما لم يتعارض مع الشرع الشريف، وأنه ليس كل فعل لم يفعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعتبر بدعه ما دام لا يؤدي إلى إثم أو مخالفة للشرع.
وتروي لنا كتب التاريخ والسير إقرار بعض الصحابة الكرام الذين فتحوا مصر وعاشوا فيها لمثل هذه الاحتفالات ومنها الاحتفال بقدوم الربيع أو ما يسميه أهل مصر بـ"شم النسيم".
وذكر ابن عبدالحكم في كتابه: "فتوح مصر والمغرب" أن الصحابي الجليل عمرو بن العاص فاتح مصر وواليها كان يحث المصريين على الخروج للاحتفال بقدوم الربيع- وهو المعروف الآن بشم النسيم- وقال: "إن الصحابي الجليل عمرو بن العاص كان يروي أحاديث مرفوعة عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم في خُطبته الشهيرة التي خطب بها أهلَ مصر المحروسة على منبر مسجده العتيق بفسطاط مصر القديمة، وكان ذلك في نهاية فصل الشتاء وأول فصل الربيع حين يحتفل المصريون بما يُسَمَّى "شَمَّ النسيم" الموافق لأيام (حميم النصارى) أو "خميس العهد" عند المسيحيين؛ حيث كان يحض الناس في أواخر شهر مارس أو أوائل إبريل على الخروج للربيع، وكان يخطب بذلك فى كل سنة، وقد سمعها منه المصريون وحفظوها، وتداولوها جيلًا بعد جيلٍ، ودونوها في كتبهم ومصنفاتهم، وصدَّروا بها فضائل بلدهم، وذكروا رواتَها فى تواريخِ المصريين ورجالِهم كابرًا عن كابرٍ، وأطبقوا على قبولها والاحتجاج بها فى فضائل أهل مصر وجندها عبر القرون؛ لا ينكر ذلك منهم مُنكِرٌ، ولا يتسلط على القدح فيها أحد يُنسَبُ إلى علمٍ بحديثٍ أو فقهٍ؛ بل عدُّوها من مآثر خُطَب سيدنا عمرو رضى الله عنه ونفيس حديثه، ولم يطعن فيها طاعن فى قديم الدهر أو حديثه".
ومن أمثال هذه الاحتفالات الشعبية أيضًا في بعض البلدان وأقرها الصحابة الكرام ما ذكره الإمام المزي في كتابه "تهذيب الكمال" وكذلك الإمام الذهبي في كتابه "سير أعلام النبلاء"، والإمام ابن عساكر في كتابه "تاريخ بغداد" وكذلك هذا مذكور في مقدمة حاشية رد المختار لابن عابدين، وتاريخ ابن خلكان: من أن النعمان بن المرزبان أبو ثابت (جد الإمام الأعظم أبي حنيفة رضي الله عنه) كان قد أهدى لأمير المؤمنين سيدنا الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه الفالوذج -نوع من الحلوى- في يوم النيروز وهو عيد للفرس، فقال له الإمام علي كرم الله وجهه: "نورزونا كل يوم"، وقيل كان ذلك في المهرجان، فقال: "مهرجونا كل يوم". وهو ما يدل على أنه لا حرج من المشاركه في الاحتفالات المعتادة عند الناس وأكل الأطعمة ما لم يخالف الشرع أو يؤدي لحرام.
وهذا يدل على أن الأصل في الأعياد والمناسبات الشعبية التوسعة والجواز لا التقييد، كما هو مستفاد كذلك من حديث أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها مرفوعًا :" لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني أرسلت بحنيفية سمحة "، وفي لفظ : "العبوا يا بني أرفدة يعلم اليهود والنصارى أن في ديننا فسحة".
وما عليه الفتوى عندنا في دار الإفتاء المصرية أن ما اعتاد عليه المصريون منذ زمن بعيد من الاحتفال بشم النسيم بالخروج للمنتزهات، وتناول أطعمة خاصة، لا حرج فيه شرعًا، ما لم يشتمل على ضرر خاص أو عام؛ كتناول أطعمة غير مُصرَّح بها صحيًّا أو نشر الضوضاء والإزعاج، أو الخروج عن الآداب العامة وحقوق الطريق، ومثل هذه العادات تُزيد من الترابط المجتمعي والتواصل.
فيديو قد يعجبك: