إعلان

هل يتعارض حديث تخفيف الصلوات المفروضة مع قوله تعالى (ما يبدل القول لديّ)؟

11:29 م الأحد 26 يناير 2025

ذكرى الإسراء والمعراج

كتب - علي شبل:

في 27 من شهر رجب كل عام، تحل ذكرى حادث الإسراء والمعراج وهي رحلة إلهية ومعجزة نبوية لا تقاس بمقاييس البشر وقوانينهم المحدودة بالزمان والمكان، بل تقاس على قدرة من أراد لها أن تكون وهو الخالق جل جلاله، ورغم أن تلك الرحلة المباركة قد ثبتت بالقرآن الكريم وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إلا أنها تواجه شبهات وأقاويل كثير من المشككين في صدقيتها وحدوثها.

وفي التقرير التالي، يرصد مصراوي أبرز ردود العلماء على شبهة مراجعة النبي صلى الله عليه وسلم لربه في تخفيف عدد الصلوات المفروضة، وهل تتعارض مع قول الله تعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [قّ:٢٩]

(1)

ورد في الأحاديث الصحيحة أنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلَاةً، فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ، حَتَّى آتِيَ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ مُوسَى: مَاذَا افْتَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: فَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً، قَالَ: فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَاجَعْتُ رَبِّي، فَوَضَعَ عَنِّي شَطْرَهَا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَاجَعْتُ رَبِّي، فَقَالَ: هِيَ خَمْسٌ وَهِيَ خَمْسُونَ، لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَقُلْتُ: قَدِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي.

(2)

يقول الشيخ ابن عثيمين إنه لا تعارض بين قوله تعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [قّ:٢٩] وبين مراجعة عدد الصلوات، لأنه لم يقل الله سبحانه وتعالى: ما نبدل القول؟، إنما قال: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} [ق:٢٩] فإنه: {لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} [يونس:٦٤] فلا أحد يستطيع أن يبدل كلمات الله.
ويوضح ابن عثيمين: الآية مبنية لما لم يسمَّ فاعله، وأنه هو نفسه لا يبدل ما قال عز وجل؛ فنقول: إن ما حدث من مراجعته عليه الصلاة والسلام ربه في الصلاة كان لإتمام القول الذي ارتضاه أولاً أنها خمس، لكنه عز وجل شرع لنبيه خمسين لحكمة، وهي ظهور مدى تقبل الرسول صلى الله عليه وسلم ما يفرضه الله عليه هذا من وجه.
والوجه الثاني، في رد الشيخ ابن عثيمين عبر موقعه الرسمي: أن يكتب لهذه الأمة أجر خمسين صلاة؛ لأننا الآن نصلي خمساً لكننا كالذي يصلي خمسين، ليس من باب أن الحسنة بعشر أمثالها، فكل عمل صالح الحسنة فيه بعشر أمثالها، لكن من باب أن الصلاة الواحدة تكتب لنا عشر صلوات، وهذه نعمة كبيرة، وهي من حكمة الله عز وجل ورحمته.
فيكون الأصل هو القول الأول الذي ارتضاه الله عز وجل وقضى بأنها ستكون خمس صلوات، لكنه فرضها خمسين لهذه الحكمة؛ أولاً: ليظهر مدى تقبل الرسول صلى الله عليه وسلم لفرائض الله تعالى، وإن كانت في صورة شاقة، ولا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أشد الناس قبولاً لما ألزمه به ربه تبارك وتعالى.
وثانياً: من أجل أن يكتب للأمة أجر خمسين صلاة مع أن الأمة تؤديها خمساً بالفعل، وهذا من رحمة الله تعالى بهذه الأمة.

(3)

يقول الإمام القرطبي في "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم": [وأما تخصيص موسى بأمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمراجعة الله تعالى في الحط من الصلوات، فلعله إنما كان لأنَّ أمة موسى كانت قد كُلِّفت من الصلوات ما لم يُكلّف غيرها من الأمم، فثقلت عليهم، فخاف موسى على أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم من مثل ذلك، ويشير إلى ذلك قوله: "إنِّي قَد جَرَّبتُ النَّاسَ قَبلَكَ"].

(4)

ويقول الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهوريه السابق، إنَّ رجوع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى موسى عليه السلام وكونه طلب منه صلى الله عليه وآله وسلم أن يسأل ربه التخفيف، ثم خفّف العدد إلى خمس صلوات، كل هذا قبل إقرار الفرض، وكل هذا مكتوب عند الله في الأزل.
وكونه تعالى جعلها خمساً في العبادة وخمسين في الأجر - يقول علام عبر بوابة الدار الرسمية- فهذا إظهار لرحمته بعباده الصالحين، كما أنَّ الرجوع لا ينقص من قدر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان يريد أن يمدّ زمن الصحبة مع الله بالرجوع إليه كما فعل موسى من قبل في قوله: ﴿قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾ [طه: 18].
ويؤكد علام أن ما كان بين النبي محمد وبين موسى عليهما الصلاة والسلام كان من باب التناصح، لا الوصاية.

(5)

وفي حادث تخفيف الصلوات حكم كثيرة، اجمعها العلماء في نقاط مهمة، منها:
- إظهار رحمة الله وفضله على هذه الأمة، أن خفف عنها وأعطاها ثواب الخمسين.
- إظهار كرامة رسول الله ومنزلته عنده ربه، وأن الله خفف الفريضة عن أمته بسؤاله وشفاعته.
- إكرامه بالكلام والمناجاة، فقد راجع ربع تسع مرات، يحط عنه في كل مرة خمسا.
- إظهار أهمية السؤال وتكراره، فالله يحب أن يُسأل.
- إظهار فضل موسى عليه السلام وشفقته على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وفيه بيان وحدة أهل الإيمان وولاء بعضهم لبعض.
ويقول النبراوي في "حاشيته على الإقناع": "وحكمة فرضها خمسين ثم نسخها إلى الخمس، مع علمه تعالى أزلا أنها خمس؛ إظهارا لشرف نبيه صلى الله عليه وسلم بقبول شفاعته في التخفيف".

اقرأ أيضًا:

بالفيديو| أمين الفتوى: كسر خواطر الناس ولو بالمِزاح حرام شرعًا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان