وقف منح الطلاب في مصر.. ما هي قصة تعليق المساعدات الأمريكية؟
-مارينا ميلاد:
في وقت خطا فيه دونالد ترامب خطوات متباهية واثقة على مسرح في قاعة بولاية فلوريدا، ليعلن فوزاً دراماتيكياً بالانتخابات الأمريكية، كانت سلمى سعيد (19 سنة) تشعر بالانتصار نفسه في مكانها بمحافظة الشرقية، بعدما تلقت رسالة باجتيازها المنحة المقدمة من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في مصر (USAID)، والتي ستدفعها نحو التعلم بالجامعة الأمريكية بالقاهرة!
كان "ترامب" يحقق إنجازًا حَلم به لأربع سنوات، وكذلك "سلمى". فهي اللحظة التي طالما سعت إليها خلال سنوات مذاكرتها بالثانوية العامة لتحقق مجموعًا عاليًا، ثم مزيدًا من الأنشطة والاختبارات والمقابلات المطلوبة للمنحة حتى يُدرج اسمها في النهاية ضمن 372 طالبا مؤهلا بعد منافسة بين 10 آلاف طالب.
ولم يتخيل أحد أن "فوز ترامب" سيؤثر على "فوز سلمى" بالمنحة ومستقبلها وحياتها بعد أقل من أربعة أشهر فقط. فقررت وزارة الخارجية الأمريكية -هذا الأسبوع- وقف جميع المساعدات الخارجية تقريبًا لمدة 90 يوماً لحين المراجعة والتأكد مع تماشيها مع سياسات الرئيس.. وعليها، علقت الوكالة برامجها ومنها تمويل منحة "سلمى" وأكثر من ألف طالبًا مصريًا.
عَلت الأصوات بشكل غير معتاد داخل سكن الطلاب الهادئ بالجامعة الأمريكية. امتزجت وازدادت حدتها تدريجيًا بعد مباغتة بريد إلكتروني لساكن كل غرفة ليبلغه رسالة مفادها "أنه تم تعليق برامج الوكالة الأمريكية وأنشطتها ومنها المنح المقدمة إليهم لمدة 90 يومًا، ما سيؤثر على رحلتهم الأكاديمية الحالية، وأن الوضع لايزال قيد المراجعة وسوف يعودون إليهم بمزيد من التوضيح في أقرب وقت ممكن".
كان وجه "سلمى"، الطالبة في المرحلة التمهيدية، واجمًا وعابسًا في تلك اللحظة، فتقول: "الجميع في حالة إنكار، نسأل بعضنا ونتواصل مع إدارة الجامعة، لكن لا أحد لديه معلومات أو يفهم ما يحدث وسيحدث".
والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تعمل في مصر لأكثر من أربعة عقود، ببرامج بلغت قيمتها 30 مليار دولار منذ عام 1978، لتساعد في "خفض معدَّلات الوفيات بين الأطفال الرضع والأمهات، تحسين المهارات المطلوبة في سوق العمل، ومجالات التعليم والصحة"، وفقا لما تذكره عبر موقعها، لكنها لم تعلق على تلك التطورات الأخيرة بوقف كل ذلك.
تسمّرت "سلمى" مكانها لعلّ شيئا يصل إليهم حتى دق بابها وأخبرها الموظف "بأن جميع طلاب المنح عليهم المغادرة خلال ساعتين والذهاب إلى بيوتهم، وإلا سيدفعون 27 دولارا مقابل الليلة الواحدة".
لم تكن "سلمى" مدركة تمامًا ما يجري أو أنه حقيقي، فتصفه بـ"الكابوس".
فاضطرت لترك السكن، فلا يمكنها تحمل نفقاته وبالتالي مصاريف الدراسة، ثم تقول وهي تسير بخطوات متثاقلة، حاملة حقيبتها: "كيف يمكن أن ينتهي حلمنا وتعبنا في لحظة بسبب قرار!".
ربما تذكرت "سلمى" حينها رحلتها الدراسية الشاقة حتى حصلت على مجموع مرتفع بالثانوية العامة يؤهلها لدخول أفضل الجامعات لتدرس علوم الحاسوب (Computer science)، وهو المجال الذي تحبه. ثم تفاجأت بالإعلان عن منحة تميز تقدمها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية للدراسة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة.
زاغت عيناها وهي تقرأ الإعلان ومعايير القبول التي وجدتها تنطبق عليها وأهمها "شهادة إتمام الثانوية العامة بمجموع لا يقل عن 85%، أن يكون الطالب خريج شعبة علمي علوم أو علمي رياضة فقط بما يخدم أهداف وغايات البرامج".
أغراها كل شيء، "فمن لا يتمنى الدراسة بالجامعة الأمريكية!؟"، هكذا تقول وهكذا كان دافعها لتسلك كل الشروط المطلوبة: "ملء استمارة تقديم قوية وذات جودة، تقديم كافة المستندات المطلوبة التي تثبت الحالة المادية لأسرتها، ومشاركتها في أنشطة مجتمعية".
تخطت "سلمى" كل ذلك، وكل الاختبارات والمقابلات اللاحقة، وفازت بالمنحة التي ستغطي لها مصاريف السكن والمصروفات الدراسية ببرامج الساعات المعتمدة، والذي يتكلف متوسطه في الجامعة الأمريكية، 667 دولارا أمريكيا لكل ساعة لطلاب البكالوريوس المصريين، ويختلف حسب كل فئة.
وقتها، لم تصدق "سلمى" أنها فعلتها. فتقول: "لم أفرح في حياتي قدر ما فرحت وقتها، أحسست أن كل جهدي لم يذهب هباء".
ربما سهل ذلك مشوارها من قريتها إلى القاهرة، فلم تشعر في أي مرة لا بوقت أو بتعب. لكن العكس تمامًا تشعر به الآن، وهي في الجانب الأخر من الطريق، عائدة من سكن الجامعة إلى قريتها بخيبة أمل كبيرة.
ظلت تتابع الرسائل التي انهالت من أصدقائها والمنشورات التي تملأ صفحتها ومجموعات الطلاب على مواقع التواصل الاجتماعي، الكل يتعجب ويتساءل عن مصيره، في ظل عدم توافر بدائل أخرى أمامهم: "ليس في استطاعتهم الدفع أو التقديم لجامعة حكومية أخرى".
فالسبيل الثاني مغلق أمام "سلمى". كما توضح: "الدراسة للترم الجديد من المفترض أن تبدأ الأسبوع المقبل، وليس هناك أي جامعة ستسقبلنا إلا في العام الدراسي الجديد، بمعنى أن ترم كامل سيضيع علينا".
ويتكلم زميل آخر إليها في رسالة "عن رفضه من قبل عروض جامعات أخرى لأجل منحة الوكالة الأمريكية، وهذا ما جرى في النهاية!".
ويصف هاني مصطفى (الأستاذ السابق في الجامعة الأمريكية) كل ذلك بـ"اليوم الحزين في الجامعة الأمريكية"، فيحكي عن طلاب كانوا يحضرون معسكرا تدريبيا بالجامعة وطلب منهم المنظمون فجأة أن يذهبوا إلى بيوتهم. وهؤلاء، حسب قوله، "طلاب خاضوا معركة طويلة من التصفيات والامتحانات والدرجات والأنشطة، غير أن منهم من تبقى له أقل من سنة ويتخرج!".
وبينما كانت "سلمى" تقرأ تلك المنشورات والأخبار، قفز أمامها إعلان وزارة التعليم العالي بعد اجتماع طارئ، "مساندة طلاب المنح والتزام الجامعات، ومنها الجامعة الأمريكية، بكافة المصروفات الدراسية التي كانت تخصصها الوكالة الأمريكية حتى انتهاء الفصل الدراسي الثاني".
لم يهوّن هذا الخبر عليها بالقدر المتوقع، فتوضح أن هذا القرار يبدو أنه لن يشمل طلاب السنة التمهيدية (110 طالب) وهي واحدة منهم.. وتكمل: "لا نملك أي كلام واضح يخصنا، فكنا على بعد خطوات من تحقيق ما بدء العام الأول وإنهاء الجزء التمهيدي!".
وحتى زملاؤها الذين سيشملهم القرار، فكل ما تحدثوا عنه تعليقا عليه هو "قلقهم إذا استمر هذا الوضع الغامض لما بعد الترم الثاني والـ90 يومًا".
فسياسة "ترامب" المحددة في نسخته الرئاسية الجديدة غير متوقعة. في حين أن الولايات المتحدة أكبر مانح للمساعدات الدولية في العالم، حيث أنفقت 68 مليار دولار في عام 2023 وفقاً لأرقام حكومية. لكن يبدو أن تلك الأرقام أو مجالاتها لا تعجب الرئيس الأمريكي حسب ما يشير في أحاديثه. ويستثني من ذلك المساعدات الغذائية الطارئة والتمويل العسكري لمصر وإسرائيل.
لكن قرار توقف بقية المساعدات -إن كان مؤقتا أو طويل الأمد-"قد يؤثر على مجموعة واسعة من مشاريع التنمية الحاسمة بما في ذلك المياه والصرف الصحي والمأوى"، بحسب ديف هاردن (المدير السابق لبعثة الوكالة الأمريكية للتنمية في الشرق الأوسط)، في تصريحات له.
لم تتخيل "سلمى" أن عليها متابعة سياسات "ترامب" والولايات المتحدة من الآن فصاعدا، لتنتظر قرارا جديدا بشأن دراستها. فعندما وصلت إلى بيتها، لم تعرف بماذا ستخبر عائلتها!.. فتقول: "لا يمكن وصف إحساسي في هذه اللحظة وإحساس الكسرة في عين كل شخص رأيته منهم.. فالحلم يضيع".
-سلمى محمد (اسم مستعار وفقا لرغبة الشخصية).
- الرسوم التوضيحية تم إنتاجها بأدوات الذكاء الاصطناعي.
فيديو قد يعجبك: