إعلان

اتفاق غزة: مُهمة حصر أرقام "الموت والدمار" مستمرة

06:07 م الثلاثاء 14 يناير 2025

أسامة الكحلوتاتفاق غزة: مُهمة حصر أرقام "الموت وال

-مارينا ميلاد:

أكثر من 460 ليلة من ليالي حرب غزة وثقها أسامة الكحلوت (مسؤول غرفة العمليات بالهلال الأحمر الفلسطيني) في غزة. تحول خلالها كل شيء أمامه إلى أرقام تزيد يوم بعد يوم: الضحايا والمصابين والأبنية المُدمرة، ووراء كل رقم تنقضي أو تتبدل حياة، وتختفي ملامح أكثر من المدينة.

يدب الأمل داخله مع كل أنباء تظهر عن قرب الاتفاق لإنهاء حرب غزة التي راح خلالها أكثر من 46 ألف شخص وأصيب 110 آلاف آخرين. وسرعان ما يكتشف أنه أمل زائف مع إخفاقها. لكن لا يملك سوى أن يعود إليه مرة أخرى، تحديدًا خلال هذه الأيام مع تأكيد التوصل إلى اتفاق نهائي خلال مباحثات الدوحة الأخيرة، يُرجح معه أن يسري في الأيام المقبلة.

وحتى لو توقف الحرب، ستظل مهمة "أسامة" قائمة ومعها ستتواصل وتيرة الأرقام في الصعود.

مخيم- رفح، يجلس "أسامة" (42 عاما) على مكتب بغرفته صغيرة، عليه جهاز كومبيوتر وحوله أوراق متناثرة وجهاز لاسلكي، تطلق إشاراته بين حين وآخر نداءات عاجلة تفيد بتحرك الإسعاف لمنطقة ما تم قصفها. وفي أغلب الأحيان، لا تهدأ تلك الإشارات والاتصالات، ولا يستطيع "أسامة" اللحاق بكل هذا الكم من الدمار والضحايا.

لا يعاون "أسامة" في عملية التوثيق سوى فرد آخر فقط، وهما قوام غرفة العمليات بالهلال الأحمر، التي تمد وزارة الصحة بالأرقام المحدثة والمعلنة كل يوم.

يستقبل الرجل الأرقام من 5 مراكز إسعاف، هي الموجودة في غزة، حيث يتم تسجيل الحالات في دفتر خاص بواسطة مسؤولي الإسعاف: (الاسم رباعي ورقم الهوية والعمر ومكان الاستهداف وطبيعة الإصابة وساعة الاتصال وساعة الوصول)، مرفق معها ورقة تحمل ختم المستشفى عند وصول الحالة إليها.

هذه العملية تبدأ من ضابط الإسعاف ثم ضابط الحركة في المركز، يدونون المعلومات ثم يرسلونها لـ"أسامة" مفصلة، كما يذكر، فيجمعها ويسجلها في ملفات ورقيًا وإلكترونيًا، جوار ملفات تخص المخيمات التي يشرف عليها الهلال الأحمر وبها كل بيانات النازحين.

تنهك هذه العملية اليومية "أسامة"، الذي يعمل بالهلال الأحمر منذ 12 عامًا، فيقول: "للأسف، هي عملية لابد منها وتوثيق لهذا الوقت وفيما بعد، لكن مع هذا الروتين البشع، اعتدنا المعاناة واعتدنا الفقد".

وقد تفرغ "أسامة" لهذا العمل منذ افترق عن أسرته مع أول نزوح من مدينة غزة عقب تدمير بيتهم، فأقامت زوجته وأبناؤه بالمحافظة الوسطى، وذهب هو نحو رفح الجنوبية. ومنذ ذلك الوقت، صارت الرسائل والمكالمات وسيلة التواصل الوحيدة بينهم.

يتابع "أسامة" أخبار تقدم المفاوضات والتي تبدو جلية على وجوه من حوله، والممتزج فيها علامات السعادة والحذر في آن واحد. يأمل أن تتم هذه المرة ويتوقف الحرب حتى يجتمع بأسرته مرة أخرى، الذين يبعدون عنه نحو 30 كم، فيقول بنبرة حزينة: "لك أن تتخيل، 15 شهرًا لم نجتمع بعائلتنا، لم نشعر بأي مناسبة، ولم نعش أي شكل من أشكال الحياة الطبيعية".

لقراءة قصة "أيام الموت".. عِش تجربة نزوح أسرة في غزة.. اضغط هنا

لكن عمله سيظل قائمًا كما هو حتى لو هدأت الأوضاع وتوقف القصف الذي يجري فوق رأسه، فيحكي: "سنستمر بنفس الطريقة والآلية، لأنه سيكون أمامنا انتشال مئات أو آلاف من الجثامين من تحت الأنقاض، وسيكون هناك إصابات مختلفة لأسباب متعددة".

ويواجه أفراد الدفاع المدني تحديات في انتشال الجثث ورفع الركام، لنقص المعدات والآلات الثقيلة والأفراد، فحذر من قبل أن الأمر "قد يستغرق ما يصل إلى ثلاث سنوات لانتشال الجثث باستخدام الأدوات البدائية المتوفرة الآن".

يدرك "أسامة" أن معاناة أخرى ستبدأ بعد انتهاء الحرب، فيقول: "والله شعور غريب، مختلف ومتضارب صراحة، هناك فرحة باحتمالية إنهاء الحرب ووقت القتل والإبادة، لكني أفكر أننا سنعود لبيوت مدمرة وبلد بلا بنية تحتية ولا مؤسسات ولا أي شيء، وسيحيط بنا جثث وركام وما يخفيه أسفله".

إذ يشكل الركام المكدس خطرًا إضافيا على هؤلاء الناجين بما يحويه من مخلفات الحرب وأجزاء غير متفجرة من القنابل. لقراءة قصتنا ذكريات ملغمة.. اضغط هنا

رغم كل ذلك لازال داخل "أسامة" قدر كبير من الإصرار والتفاؤل، "سنعيد بناء بيوتنا، وكل ما دُمر ونعيد الحياة لغزة مرة أخرى"، يقول ذلك بينما يقدّر تقرير صادر عن برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة (UNPD) في مايو 2024 أن "إعادة بناء البيوت التي دمرت بالكامل خلال هذه الحرب في غزة سيستغرق وقت حتى سنة 2040" وهذا باعتبار "أفضل سيناريو ممكن".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان