لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

«ماكينة سنجر» لصاحبتها «نوال».. صدقة أخرجتها العائلة «ومعها ذكريات العمر»

05:16 م الإثنين 20 فبراير 2023

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتابة وتصوير- عبدالله عويس:

في شارع المنيل، بحي مصر القديمة، صخب محبب للبعض، وتاريخ ضارب في القدم، وذكريات للساكنين والزائرين، وماكينة خياطة تعود لأكثر من نصف قرن، تستقر على كرسي خشبي يشبهها في القدم. ثمة روابط تجمع الماكينة بالشارع، وبطفولة رجل عجوز وجيب زيه المدرسي، وبذكريات يقول صاحبها إنها غير قابلة للنسيان، فماكينة الخياطة تعود لأمه التي توفيت، وصار عليه أن يبحث لها عن بيت جديد، لتستقر فيه، وتصدر صخبا وتنتج أزياء وتصلح أخرى، كما أوصت الأم.

يتذكر عادل صوت الماكينة في المنزل، وقدم أمه وهي تضغط على «دواستها» ويدها وهي ترفع قطعة معدنية لأخذ «غرزة عكسية» وعينها وهي تضيق لـ«تلضم» إبرة الخياطة، وأصابعها وهي تحرك ثيابه المدرسية، لتصنع له جيبا جديدا، بعدما قطع الآخر، وهو يلعب في فناء مدرسته، حين جذبه زملاء الفصل منه. تعطيه الأم ملابسه، قبل أن توصيه بحزم «إياك ترجع قاطع ده كمان» فيعود وقد قطعه مرات، ويدها تصلح ما انقطع غير مرة.

كانت ماكينة خياطة «سنجر» منذ بداية منتصف القرن الماضي، في كثير من بيوت المصريين. تعمل عليها الأمهات لا سيما في القرى، لإصلاح ما تمزق من ملابس، أو لحياكة ثوب جديد. وكانت «نوال» واحدة ممن امتلكن ماكينة خياطة من ذلك النوع. وقبل وفاتها أوصت بأن تخرج الأسرة كل متعلقاتها، على سبيل الصدقة، وحينما فعلت الأسرة ذلك، وجد عادل يحيى، نجل السيدة المتوفاة نفسه، يبحث عن مستحق لآلة تحمل ذكريات أسرة كاملة مكونة من 8 أفراد.

«والدي اللي كان جايبلها مكنة الخياطة دي، الله يرحمه اتوفى في 2005 وهو بيعمل عمرة» يحكي عادل وهو يعدد صفات والده الذي دفن في البقيع، بالمملكة العربية السعودية، قبل أن يعود للحديث عن أمه وماكينة الخياطة: «طلعنا كل حاجتها لله، بس جيت عند ماكينة الخياطة ومكنتش عارف أديها لمين، حسيت إنها لازم تروح لبيت كويس وناسه حلوة».

يعود عادل لذكرياته مع تلك الماكينة، حين كان يتابع بشغف تفاصيلها، ويسأل أمه حول آلية عملها، وهي تشرح له بالتجربة، لكنها لا تمنحه فرصة أن يجرب بنفسه. يسكت الرجل قليلا عن الحديث قبل أن ينطق «وصيتها بقى أخرجها، وخلاص أنا هعمل بيها إيه، ذكرياتها في قلبي».

تخرج عادل في كلية التجارة، تخصص في المحاسبة، وصار يعمل ضمن أسرته في محالهم التجارية لبيع الأدوات الصحية. وحين كان يجلس أمام أحد المحال، مر عليه بائع خردة يحمل ماكينة مشابهة، فسأله عن سعرها فأخبره أنه اشتراها بـ200 جنيه لكنها لا تصلح للعمل. في تلك اللحظة كانت سيدة يعرفها الرجل تجلس لترتاح من عناء الطريق فأخبرته إن كان هناك فرصة لإصلاحها، فعرف عادل أنها تحتاج واحدة: «فقلت يبقى هي اللي تستحقها، هي مش فقيرة، بس الصدقة تجوز على راكب الخيل».

فيديو قد يعجبك: