معاناة الأدوية والحفاضات.. تفاصيل على هامش الحرب الأوكرانية تعيد طفلا إلى مصر
كتب ـ عبدالله عويس:
مصطلحات الحرب قاسية. دماء، ودمار، وتشريد، وفقر، وأشياء أخرى. أمور لم يعشها أحمد عروس من قبل. المصري الذي ترك محافظة سوهاج في جنوب مصر منذ 8 سنوات واستقر في أوكرانيا. على أن معايشة بضع ساعات من الحرب، أضافت لقواميس الشاب عنها أمورا أخرى، وإن بدت تافهة في عين البعض، أو غير مرئية بين الرصاص الحي وعبوات المولوتوف والرشقات الصاروخية. بعدما لمس اختفاء لـ«حفاضات» طفله ذو الـ10 أشهر واحتياجاته الأساسية في المحال التجارية. ليكون الأمر دافعا لقرار السفر والهرب.
صباح العملية العسكرية التي قادتها روسيا في أوكرانيا، كان أحمد في طريقه إلى العمل. يعمل الشاب مدربا في صالة رياضية، إضافة إلى دراسة الطب البشري هناك. تزوج فتاة أوكرانية، وأنجب منها طفله، الذي أسماه على اسم والده «عروس» حاملا الجنسية الأوكرانية. وكانت حياة الأسرة مستقرة، لا يشوبها قلق: «في هذا اليوم هاتفت مدير الصالة الرياضية، ولم أكن أعلم أن هناك تحرك عسكري، فأخبرني بالأمر، وفي طريق العودة عرفت كل شيء من حركة الناس».
كانت محطات الوقود تمتلئ بالسيارات، ولا مجال للحصول على بنزين كاف للجميع، والمتاجر تعج بالمواطنين، والمعروض من السلع، ينفد سريعا، رغم ارتفاع سعره إلى الضعفين تقريبا آنذاك، وسط انهيار كبير للعملة في مقابل الدولار. على أن ذلك كله لم يكن يقلق الشاب كثيرا. حسب أن الأمور ستنتهي سريعا على طاولة المفاوضات، أو أن تدخلا دوليا سيوقف ما يحدث: «أعيش في مدينة لفيف، وكانت المأكولات تنتهي، والأسعار تتضاعف، لكن قراري كان البقاء حتى تستقر الأوضاع، لكن أمورا غيرت ذلك».
أمران دفعا الشاب المصري للتفكير سريعا في التحرك من أوكرانيا، والاتجاه لأي دولة قريبة، فقد ضربت الطائرات الروسية قاعدة جوية عسكرية تقع على بعد 20 كيلو مترا من منزله، كما أن عبوة الحفاضات الأخيرة لابنه على وشك الانتهاء، واحتياجاته الأخرى من أدوية ومواد غذائية أيضا، وهو أمر لم يكن بمقدور الشاب التعامل معه: «كان بمقدوري التعامل مع أي شيء آخر، لكن بوجود طفل، كان الأمور سيكون أكثر صعوبة، ربما يرى البعض مسألة الحفاضات تافهة، لكنها ليست كذلك، حين تضعها إلى جانب الأدوية والألبان والتغذية، هذا مؤشر لمجاعة قادمة». وبحسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة «الفاو» فإن الأسعار العالمية للأغذية والأعلاف قد ترتفع ما بين 8 إلى 20% عالميا، ما يؤدي لقفزة كبيرة في أعداد الذين يعانون من سوء التغذية.
في اليوم الخامس للحرب، كانت مقتنيات المنزل تنتهي شيئا فشيئا، حينها قرر الشاب ذو الـ26 التحرك من لفيف، وغادرها في تاكسي حصل منه على 300 دولار، لإيصاله إلى حدود جمهورية سلوفاكيا، ومنها تحرك رفقة زوجته «تاكا فيكتوريا» إلى فيينا عاصمة النمسا، وهناك لاقى حفاوة من الجالية المصرية، التي استقبلته وأنزلته في سكن مخصص بشكل مجاني، بعدما كان قد اتفق مع صاحب عقار على السكن عنده بمبلغ محدد: «كانت هناك مجموعة للمصريين في لفيف على واتساب، نتابع سويا كافة التحركات، حتى تكون تحركاتنا سليمة، وإذا وقع أحد في مشكلة نرى كيف نقدم له المساعدة».
لم يكن الشاب قد عاد إلى مصر منذ 6 سنوات، لكن الحرب أعادته، هذه المرة رفقة صغيره «عروس» الذي التقى بجده في صعيد مصر، وحتى هذه اللحظات، لا يعرف أحمد ما يصنع خلال الفترة المقبلة، لكنه يأمل أن تنتهي الحرب قريبا، ليتمكن من العودة واستكمال دراسته وعمله: «كانت سلامة ابني الصغير أولوية، لا ذنب له فيما يحدث، ولن أتحمل أن يصيبه أذى». ووفقا للأم المتحدة فإن مليوني ونصف المليون مواطن فروا من أوكرانيا حتى مساء الجمعة الماضية.
فيديو قد يعجبك: