فارسات دمياط.. رحلة 10 طالبات للوصول إلى العالمية في البرمجة
كتبت-إشراق أحمد:
كسبت طالبات دمياط الرهان؛ حينما اجتمعت فرح رضا وتقى القاضي ورفيقاتهما الثمانية لاختيار اسم لفريقهن، اتفقت رغبتهن في اجتياز الصعوبات مع "حصان طروادة Trojans". الاسم الحامل للأسطورة القديمة وأحد فيروسات الكمبيوتر القوية، فضلاً عن رمزية استخدام الخيل في لعبة الشطرنج. وضعت الطالبات أملهن في شعار "نقدر نتجاوز الحواجز معًا"، وبالفعل في أواخر يونيو الماضي تجاوزن العديد من الفرق الدولية، وفزن بالمركز الرابع في المسابقة العالمية لتكنولوجيا الروبوت والبرمجيات FIRST LEGO Challenge League Open Championships التي استضافتها اليونان، وتلك خطوة لم يحظ بها فريق طلاب المدارس المصرية من قبل.
تقضي تقى إجازتها السنوية هذا العام بشعور مختلف، حققت الطالبة المقبلة على الصف الأول الإعدادي إنجازًا جديدًا. ثلاثة أعوام وتتواجد الصغيرة في محيط التدريب على البرمجة. انتبهت والدة تقى لموهبتها وإجادتها للعمل على الكمبيوتر "كنت بتفرج على برامج على اليوتيوب وأقرأ كتير واشتغل"، لذا تواصلت الأم على الفور مع الصفحة التي تعلن عن استقبالها لطلاب دمياط لتدريبهم على البرمجة وتصميم الروبوت، وبهذا أصبحت تقى أصغر عضو في فريق Trojans.
داخل مركز تعليمي في مدينة دمياط، ينتظر محمد مبروك بشغف، مطلع شهر أغسطس، لاستقبال الدفعات الجديدة المتقدمة للبرنامج التدريبي. منذ 2016 وبدأ مدرس اللغة الإنجليزية مع صديقه معلم الكمبيوتر خالد يوسف حلمهما بأجيال تنشأ على مواكبة الزمن الراهن المعتمد على الابتكار والتكنولوجيا.
هناك مسابقة تقام سنويًا منذ عام 2013 لطلاب المدارس المصرية "المسابقة الوطنية للروبوت"، تم تكليف يوسف بالإشراف على تكوين فريق أعماره ما بين 9 و16 عامًا لخوض المسابقة، استعان المعلم برفيقه المغرم بالبرمجيات وبدأت الرحلة مع التدريب "يوسف درس الروبوت، وأنا درست السوفت وير. درسنا الموضوع سنة 2016، وشاركنا في المسابقة سنة 2017". في ذلك العام الأخير تأهلوا للبطولة العربية المقامة بشرم الشيخ وحصل الفريق المشارك حينها على المركز الثاني.
رغم أن مبروك معلمًا للإنجليزية، لكنه يهوى البرمجة منذ كان طالبًا بالمدرسة "والدي كان بيوجهني للاهتمام بالتكنولوجيا. كنت باخد من صغري كورسات في الكمبيوتر البرمجة"، صاحبه هذا الشغف بعد التخرج، فحصل على دبلومة خاصة من كلية العلوم، قسم الحاسب الآلي تحمل اسم "محلل نظم ومخطط برامج"، كان فيها الأول على دفعته.
لمست مبروك فكرة تشكيل فريق كل عام وتعليمهم أساسيات البرمجة والبحث العلمي لخوض المسابقات، عززت لديه الرغبة في إعادة ما فعله أبيه معه. شيئًا فشيئًا ذاع صيت المعلمين بين الشغوفين لتعلم التكنولوجيا والبرمجة وأولياء أمورهم. عرفت إيمان الدهشان بأمر المدربين، على الفور تقدمت لمعرفتهما، وإلحاق أبنائها ببرنامجهما التدريبي.
لدى إيمان اهتمام سابق بالطرق الإبداية في التعليم. تعمل الأم مدرسة كيمياء وسافرت إلى السعودية لسبعة أعوام، عملت فيها بمؤسسة الملك عبد العزيز للإبداع، وحينما عادت لمصر عام 2014 أصرت أن يستكمل أبنائها النهج ذاته، لذا لم تكتف بمشاركة بناتها الثلاث بفرق المعلمين، حتى أصغرهم فرح رضا، بل دعمت الكيان التدريبي بتوفير مركزًا لإقامة التدريبات، وخاضت معهما المشوار حتى أصبحت مشرفة على الفريق الفائز بجائزة الدولية.
اكتمل شمل الكيان التعليمي، وأصبح عليه العمل. كل عام يعكف المعلمان على تكوين فرق للمشاركة في المسابقة الدولية. يُحصي مبروك عدد الفرق التي مرت عليهما منذ عام 2017 وحتى العام الجاري بنحو 20 فريق قوام كل منها 10 طلاب، يحصل الجميع على التدريب "بيعرفوا يعني ايه بحث علمي، إزاي تصميم الروبوت والبرمجة، إزاي يقدموا عرض لأفكارهم باللغة العربية والإنجليزية"، ثم بعدها يكون القرار بالمشاركة في المسابقات "لأن الموضوع بيبقى ليه استعداد وتضحية من ناحية الأولاد وأولياء أمورهم. في ولاد بيكملوا وتانيين لا".
يقول مبروك أن فترة الإعداد والتجهيز للمسابقة تتزامن مع الدراسة، بداية من شهر أغسطس وحتى مارس من العام التالي، وبمعدل يقدر بأربعة ساعات يوميًا تزيد مع الاقتراب من موعد العرض أمام لجنة التحكيم "مش كل ولي أمر بيستوعب أهمية الموضوع، والطلبة نفسهم بيكون عليهم مجهود للمحافظة على مستواهم الدراسي". لذلك لا تدخل كل الفرق المنافسات المحلية والدولية، لكن مَن يواصل الرحلة لا يندم.
لا تنسى فرح رضا وقع عبورها إلى بوابة جامعية وهي في الصف الثالث الإعدادي "كنا بنروح المكتبات ونقابل دكاترة جامعة عشان ندور على المعلومات اللي محتاجينها ونسألهم"، استقبلت طالبة المرحلة الثانوية حاليًا مشاعر الدهشة في البداية ثم حفاوة الدعم "بنرجع بكمية تشجيع حلوة تخلينا نعمل أي حاجة".
اعتادت فرح أجواء العمل ضمن فريق المبرمجين الصغار، انضمت الفتاة إليهم قبل ثلاثة أعوام، خاضت عدد من المسابقات، لكن هذه المرة مختلفة؛ تصادف أن تتشكل المجموعة بالكامل من الفتيات، ثمانية منهم بالمرحلة الثانوية، مما أكسبها صديقات جدد، كما فرضت ظروف تفشي كورونا نفسها على المسابقة "المطلوب من المشاركين إزاي نخلي الناس تتشجع على الرياضة اللي بقت مطلوبة بعد كورونا". انتجت الطالبات المصريات تطبيق إلكتروني مع كيفية تطبيق ذلك واقعيًا إلى جانب تصميم روبوت للفكرة ذاتها.
خاضت الطالبات تحديًا رغم أن ظروف كورونا حالت بين السفر، المشكلة الأكبر طيلة السنوات الماضية. كان على الفتيات ومدربيهن ملاحقة الزمن للمشاركة في المسابقة الدولية "ماكنش في غير 10 أيام ما بين انتهاء المسابقة في مصر والمشاركة في اليونان". تقدم ميعاد إقامة البطولة الدولية إلى 24 يونيو، لكن الخبرة السابقة للمدربين في المشاركة ذاتها بأمريكا 2018 ولبنان 2019 ساعدت في ترتيب الاستعداد.
قسم مبروك ويوسف أيام المعسكر التدريبي؛ ثلاثة لتنفيذ العرض، ومثلها للتدريب على الردود عن الأسئلة الفنية، والأخيرة لضبط الروبوت وتشغيله خلال دقيقتين من العرض الإلكتروني، على أن يكون كل ذلك باللغة الإنجليزية "كان علينا نحول كل شغلنا في المسابقة المصرية للإنجليزي والولاد يكنوا مدربين على عرضه أون لاين". لم يكن الأمر يعتمد على فرد بإمكانه تقديم المشروع، بل جميع أعضاء الفريق عليهم المشاركة والحديث أمام ثلاثة غرف تحكيم "بيشوفوا إزاي وصلوا للفكرة وبيشتغلوا مع بعض إزاي. هل الجميع شارك ولا لا".
عمل المدربون مع الفريق على أن تجيد كل طالبة تفاصيل المشروع "كل حد كان متخصص في حاجة لكن عارف الحاجات التانية تمت إزاي"، وذلك ما أسعد تقى هذا العام. طالما أجادت الطالبة مهمة البحث قبل أن يضاف لها خبرة تصميم الروبوت والبرمجة، حتى أنها تعرف الميزانية التي وضوعها لتكلفة المشروع "70 ألف جنيه بالمصري و5 آلاف بالدولار".
في التاسع والعشرين من يونيو تحقق المراد؛ جلس الفريق داخل المركز الذي قضوا فيه ليالي طويلة غير معتادة، لم تخلُ الأجواء من القلق حتى لحظة إعلان النتيجة كما تقول والدة فرح "كل لما الاسم يتأخر نقول إحنا خارج الفايزين". عايشت إيمان اللحظات بمشاعر الأم ومشرفة الفريق في الوقت ذاته، فيما لم يتوقف تفكير المدربين عما تشعر به الطالبات "يا ترى إحساسهم إيه.. يا ترى هيقدروا يكملوا السنة اللي بعدها".. تتجاوز الخواطر حدود الزمن الراهن، لا تتوقف رغبة المعلمين على الفوز بالمسابقة.
مع إعلان اسم فريق "Trojans" ومصر في المركز الرابع متفوقين على فرق شاركت ضمن 200 دولة في المسابقة، عمت الفرحة مركز دمياط التدريبي. اليوم يضع مبروك ويوسف قدمًا على الطريق بعد توالي التنافس في المسابقات المحلية والدولية، وتفخر الفتيات بما صنعن "الفوز كان على المستوى الرابع ودي مرحلة كبيرة ومهمة تعني أن الفريق بالكامل أثبت جدارته في تنفيذ المشروع" كما يقول معلم اللغة الإنجيلزية.
تفخر تقى بالفوز لكنه لا يضاهي ما اكتسبته خلال فترة التجهيز من خبرة عملية وإنسانية في عمر صغير "أيام رمضان كنا بنروح ونفطر سوا. القعدة والشغل مع صحابي حاجة ممتعة عمري ما عملتها قبل كده"، فيما باتت هي وفرح المقبلة بعد عام على المرحلة الجامعية، متمسكتان بمجال البرمجة والرغبة في الإلتحاق بكلية الذكاء الاصطناعي، في الوقت الذي لا يفارق مبروك الحلم بأن يستكمل المشوار مع فرق تلقى الدعم ولا تحرز فقط المركز الأول عالميًا بل ينتشر معها "منظومة الشخص الناجح"، إذ يوقن معلم اللغة الإنجليزية "الولاد بتعاني في كل حاجة أحنا بس بنحاول نكون منظومة بديلة أنها تنمي مهاراتهم عشان يقدروا يتأقلموا ويقتحموا العصر اللي جاي".
فيديو قد يعجبك: