رغيف الخبز المدعم يفقد 20 جراماً.. محاولة دعم الحكومة لأصحاب المخابز تصطدم بجيوب المواطنين
كتب - أحمد شعبان:
أمام مخبزه الواقع بمنطقة كعابيش في فيصل، جلسَ الحاج عبد المنعم سلطان يتابع سير العمل، كعادته اليومية، لكن صباح أمس، الثلاثاء، حمل جديداً للرجل الستيني؛ فمنذ بدأ توافد المواطنين لشراء حصتهم اليومية من الخُبز، منذ الصباح الباكر، وهو يتلقّى أسئلة عدة حول حجم الرغيف الذي قلّ 20 جراماً "الناس زعلانة وبتقولنا أنتم خابزين عيش صغير مينفعش"، يقول الرجل.
ظلّ الرجل يوضّح للمستهلكين أنّ وزن الرغيف الجديد لا دخل له به، وإنما جاء تنفيذاً لقرار وزارة التموين بخفض وزن رغيف الخبز المدعم من 110 جرامات ليصل إلى 90 جراماً، مع تثبيت سعر الرغيف للمواطن عند 5 قروش، كذلك سيتم زيادة عدد الأرغفة للجوال وزن 100 كيلو جرام ليصل إلى 1450 رغيفاً، كما وافقت الوزارة على رفع تكلفة أجولة الدقيق للمخابز، من 213 جنيهاً إلى 265 جنيهاً، بحيث تشمل احتساب الزيادات التي طرأت مؤخراً على تكلفة إنتاج الخبز بسبب ارتفاع أسعار الغاز والسولار وأجور العمالة والمياه.
الوزن الجديد للرغيف دفع بعض المستهلكين للعزوف عن الشراء من مخبز الحاج عبد المنعم اليوم "النسبة ملحوظة والزبون مش مقتنع بالرغيف بوزنه الجديد، ناس كتير خدت العيش ورجعته، وراحت تشتري من أفران تانية، لكن في النهاية كله زي بعضه"، على ما يذكر.
لكن الجديد لدى صاحب المخبز لم يقتصر على بيع الخبز والتعامل مع المستهلكين؛ إنما بدأ مع أول مراحل العمل والإنتاج "العيش وزنه خفيف وتعبنا في الشغل والتقطيع والخبيز، وبيطلع مش قابب والصنايعية اشتكوا"، وطالبوا كذلك زيادة أجرتهم اليومية، مع زيادة عدد الأرغفة التي ينتجها الجوال الواحد بنحو 200 "اختلفت مع الصنايعي لإني بديله 140 جنيه يومية لكن مش عاجبه، طلب زيادة ومش هقدر أقوله لا لإني محتاجه"، وفق الرجل الستيني.
والحال كذلك بالنسبة لعمرو عبد الحميد، صاحب مخبز بفيصل "العمالة كلها زادت أجرتها عند كل المخابز، بالنسبالي دفعت 100 جنيه زيادة على أجرة 5 عمال، اللي زاد 30 واللي 20 وهكذا، ولو مشيتهم وجبت عامل غريب هتحمل ضعف أجرته مواصلات وسمسار وغيره"، يقول الرجل بينما جلس على مصطبة مواجهة لباب المخبز لتسجيل بطاقات المستهلكين لدى ماكينة الصرف، لصرف حصصهم من الخبز المدعم، الذي يستفيد منه نحو 70 مليون مواطن، فيما تصل تكلفة دعم الخبز سنوياً إلى 53 مليار جنيه، علماً بأن تكلفة رغيف الخبز 62.5 قرش، يحصل عليه المواطن بـ5 قروش، بحسب تصريحات للدكتور علي المصيلحي وزير التموين والتجارة الداخلية.
ورغم أن وزارة التموين قالت إن قرار رفع تكلفة أجولة الدقيق، وتخفيض وزن الرغيف الذي سيؤدي إلى زيادة عدد الأرغفة بنحو 200 رغيف للجوال الواحد الذي يزن 100 كيلو، بحيث تصل إلى 1450 رغيفاً، يعني دعماً لأصحاب المخابز وزيادة المقابل المادي، خاصةً بعد ارتفاع تكلفة التشغيل بعد الزيادات في أسعار الكهرباء والسولار؛ إلا أن الحاج عبد المنعم سلطان، وعمرو عبد الحميد يقولان إنه لا يمكن تحديد ما إذا كان القرار في صالحهما أم لا "لما اليوم يخلص هحسب حسبتي وأشوف، كمان هستنّى لآخر الشهر وأشوف الفلوس اللي بناخدها من البنك هتبقى إزاي وهل فيه فرق ولا لأ"، وفق عبد الحميد.
فيما لا يعوّل الحاج عبد المنعم كثيراً على زيادة دخل مخبزه، الذي تصل حصته اليومية من الخبز إلى 13 جوالاً من الدقيق، ينتظر حتى آخر الشهر، حتى يحدد ما إذن كان القرار لصالحه، يعرج الرجل للحديث عن أجرة العمالة وتكاليف التشغيل المرتفعة من كهرباء ومياه، قبل أن يلخّص أول يوم في العمل طبقاً للقرار الجديد قائلاً: "أول يوم تعبانين والعيش قاعد زي ما هو، وأتمنى يفرق ويكون لصالحنا".
لكن ذلك الانتظار لا يعرفه "شعبان محمد" لتحديد تبعات قرار خفض وزن الرغيف عليه وعلى أسرته؛ لمس الرجل الستيني ذلك بدءاً من أمس، أول أيام تطبيق القرار "جبت العيش امبارح لقيته صغير جداً، واللي بياكل رغيفين بقا بياكل 3 أربعة، فاضطريت أشتري من المخبز تأني بـ 15 جنيه، وده مش بيكون متاح دايماً، فهضطر أشتري من مخبز عيش أبيض اللي الرغيف عنده بجنيه".
على حد الكفاف يعيش الرجل وأسرته، يحمل فأسه صباح كل يوم للعمل بالأراضي الزراعية مقابل أجرة يومية لا تتعدي 70 جنيهاً، يعيش حياة بسيطة، رغيف الخبز يشكّل جزءاً رئيسياً في قوت يومه، الذي يتشكل في أغلب الأيام من أطعمة بسيطة، تبدأ بالجبن وتنتهي بالفول وما شابه.
لا يملك الرجل، القاطن بإحدى قرى المنيا، أي مصدر للدخل سوى فأسه، حتى ولديه اللذان سافرا إلى العاصمة للعمل؛ أعادهما فيروس "كورونا" إلى القرية من جديد، بعد الركود الذي أصاب قطاعات عديدة، جراء تفشّي الوباء.
أما ماهر خليفة، الموظف الخمسيني، فتصل حصته من الخبز يومياً 35 رغيفاً، حسب بطاقته التموينية، كذا يشتري يومياً بشكل حر 15 رغيفاً، حتى يكفي ما يحتاجه أفراد أسرته المكونة من 7 أفراد "كنت بجيب عيش يومياً بسبعة جنيه ونص بشكل حر، غير 2 جنيه ونص بدفعهم للي باخده على البطاقة، دلوقت هشتري عيش يومياً بـ15 جنيه بشكل حر"، لذا لا يرى الرجل أن القرار الأخير في صالحه كمواطن، حتى وإن استمر سعر الرغيف ثابت عند 5 قروش، وهو ما اتفق معه "إسماعيل شعبان"، صاحب مخبز بمحافظة المنيا قائلاً "لو واحد كان بيجيب 20 رغيف نقص منهم 400 جرام، فبالتالي لازم هيشتري زيادة بسعر حر الـ3 أرغفة بجنيه.
حسب بيان لوزارة التموين والتجارة الداخلية، أمس، فإن قرار رفع تكلفة أجولة الدقيق للمخابز وخفض وزن رغيف الخبز، جاء بناءً على مطالب عديدة وردت للوزارة من الشعبة العامة للمخابز، لإعادة النظر في تكلفة إنتاج الخبز بسبب ارتفاع أسعار الغاز والسولار وأجور العمالة والمياه، أضاف البيان أن الدولة حرصت ممثلة في الوزارة على حماية الحقوق التأمينية للعاملين بالمخابز بحيث تتحمّل تكلفة التأمينات الاجتماعية نيابة عن أصحاب المخابز، تشجيعاً للاستقرار الاجتماعي وزيادة القدرة الإنتاجية للعمال، لافتةً إلى أن إعادة احتساب معدل إنتاجية چوال الدقيق الواحد لينتج كميات أكثر من الخبز لترتفع الى 1450 رغيفاً بدلاً من 1250 رغيفاً فى الچوال، سيؤدي الي زيادة التنافسية بين المخابز لإنتاج الخبز بجودة مرتفعة ولضمان بيع الحصة المسندة إليهم يومياً، وبما يضمن إنتاج رغيف خبز مدعم يليق بالمواطن المصري دون المساس بالسعر، حسب بيان الوزارة.
أمام باب مخبز الحاج عبد المنعم، كان "محمد عمر" يعطي أحد العاملين بطاقته التموينية لصرف حصته، المقدرة بـ20 رغيفاً. بالنسبة إلى الرجل الستيني فإن العشرين جراماً التي فقدها رغيف الخبز، نسبة غير ملحوظة "مش هتفرق معايا، أنا باجي المخبز بشتري العيش بعدد الأرغفة، بغض النظر عن الوزن، مش هوزن كل رغيف".
الرجل الذي يعيش رفقة زوجته يقول إن استهلاكهما للخبز قليل "لما العيش بيخلص بآجي أشتري"، على ما قال، فيما قطع حديثه صوت أحد العاملين بالمخبز ينادي على الحاج عبد المنعم غاضباً من زيادة وزن 5 أرغفة عن الوزن المحدد "الخرّاط طلعهم 500 جرام والمفروض يكونوا 450 طبقاً للوزن الجديد، هي خسارة علينا، لكن مع الوقت هيتعود يطلع الوزن المحدد"، يقول صاحب المخبز.
في أول أيام التشغيل طبقاً للقرار الجديد، لمس "محمود السلاموني"، الخبّاز بفرن الحاج عبد المنعم، صعوبة في العمل، بالنسبة إلى صنعته فإن "الرغيف الكبير سهل أخبزه على عكس الرغيف الصغير اللي محتاج جهد أكبر"، حسبما يقول، كذلك فإنه أصبح يخبز نحو 200 رغيف زيادة لكل جوال، علماً بأن أجرته اليومية، تُحسب بناءً على الجوال وليس عدد الأرغفة، ما يعني إنتاج أكثر مع ثبات يوميته "وده فيه خسارة عليّا، فلازم هطلب إن يوميتي تزيد، ومش واضح بالنسبالي إذا كان صاحب المخبز هيزودها ولا لأ، لإنه هو نفسه مش عارف الحسبة هتمشي إزاي"، وفق ما يوضح الشاب الثلاثيني.
يأمل عمرو عبد الحميد، الذي تصل حصة مخبزه اليومية من الدقيق نحو 26 جوالاً، أن يكون القرار الجديد في صالح أصحاب المخابز "الناس كده كده هتشتري العيش حتى لو الوزن قل، لا مفرّ"، ويتمنى أن يُتاح لكل صاحب مخبز شراء الدقيق من أي مطحن "المسألة في النهاية تبقى عرض وطلب".
فيديو قد يعجبك: