"شكرًا طبيبي".. حكايات مدفونة وراء حُب الأطباء للفن في "جاليري مزاج"
كتبت-رنا الجميعي:
ما الذي يمكن أن يربط بين الفن والطب؟ كان ذلك السؤال يدور في ذهن القائمين على جاليري "مزاج"، يُحاولان إيجاد علاقة بين الاثنين كتحية واجبة للأطباء في زمن الكورونا، فهم المحاربون الحقيقيون، كانت الإجابة في الوصول إلى الأطباء الذين يتخذوا الفن كهواية، وعرض أعمالهم بالجاليري، في إطار مبادرة اسمها "شكرًا طبيبي".
منذ ثلاثة أشهر جلس محمود حمدي، منسق المعارض، وسلمى رضوان، مديرة الجاليري، وبرفقتهم الطبيبة شادية عبد الرحيم، يفكر الثلاثة في "ايه اللي ممكن نعمله بشكل إنساني وفني له علاقة بالكورونا؟"، يقول حمدي، كانت الإجابة عند دكتورة شادية "فكرت إن فيه كتير جدًا من الأطباء بيمارسوا الفن كهواية أو بيحبوا اقتناء اللوحات الفنية".
بدأت مبادرة "شكرًا طبيبي" من هنا، التي تنقسم إلى شقين؛ الأول هو عمل مقابلات مع عشر أطباء "من بينهم سبعة فنانين، وتلاتة مقتنين لوحات فنية"، من بين المقتنين دكتور محمد أبو الغار، أستاذ الطب والتوليد، الذي يؤمن- كما قال في مقابلته- أن العلم والفن نتاج مجهود فردي ومواهب، لكن العلم يحتاج للمجهود الجماعي قبل الموهبة الفردية، بعكس الفن.
أما الشق الثاني فهو عرض الأعمال الفنية لسبعة أطباء، تكمن حكايتهم أنهم احترفوا الطب كمهنة، لكن اتخذوا الفن كهواية، من بينهم الطبيبة نادية الشرقاوي، أستاذ متفرغ بالقصر العيني ودكتورة تخدير، التي أحبّت فكرة المعرض كثيرًا، وشاركت بعدد من الأعمال الخاصة بها، التي يغلب عليها حبها للمراكب والبحر، كما تذكر لمصراوي.
نشأت دكتورة نادية في أسرة محبة للطب والفن، كان والدها يقيم مسابقات الرسم بينها وبين أخواتها "ومن هنا حبينا الرسم أنا وأخواتي"، سلكت نادية طريق الطب حيث تخرجت عام 1978، وخلال مسيرتها في مجال الطب "كنت برسم لكن مش بشكل احترافي"، ورغم حبها للفن لكنها لم تتمكن طيلة مسيرتها أن تعطيه حقه، وباءت محاولاتها بالفشل كما تحكي، حيث أن مهامها كطبيبة ثم كأم وزوجة ودارسة للطب أيضًا جعل وقتها محدودًا "معرفتش ألاقي وقت عشان أنضم للقسم الحر في فنون جميلة"، ثم تستطرد ضاحكة "فضلت كاتمة الفن في قلبي لحد ما أولادي وأحفادي كبروا".
بعد تلك السنوات نجحت نادية العام الماضي من سلك الطريق الاحترافي للفن، حيث انضمت لأكاديمية جاليليو لتعليم الفنون، وكان السبب الرئيسي في اتخاذ نادية تلك الخطوة هو إصابتها بالمرض "حسيت إن الوقت اللي باقيلي متناقص، ده دفعني أكتر"، لم تكن نادية في حاجة لأكثر من رؤية اسمها ممهورًا أسفل لوحاتها الفنية "دي هتبقى الإرث بتاعي".
حكاية نادية الجميلة مخفية وراء لوحاتها الموجودة في جاليري مزاج، حيث تُعرض للجمهور منذ الثامن من أغسطس الماضي، وحتى الثالث من سبتمبر القادم، بالمشاركة مع أعمال فنية متنوعة اختارها حمدي للعرض، الذي يقول إن جمهور ذلك المعرض بالتحديد مختلف عن أي معرض آخر "جمهور من الأطباء، ناس مختلفة عن الجمهور العادي بتاع الجاليريهات".
ضمن السبعة أطباء المشاركين في المعرض ثمّة آخر مختلف عنهم، فهو على العكس منهم ترك الطب وامتهن الفن كحرفته الأساسية، وتحتل أعماله قاعة كاملة داخل الجاليري، هو الفنان خالد حافظ الذي درس الطب والفن في نفس الوقت، ففي نفس العام الذي بدأ فيه دراسة الطب عام 1981، قام بتعلم الفن في القسم الحر للفنون الجميلة، قليل جدًا من يتمكن السير في مسارين بشكل متوازي مثلما فعل حافظ؛ كان يدرس الطب في الصباح والفن في محاضرات ليلية، وفي نفس السنة التي حصل فيها على بكالوريوس الطب سنة 1987 "كان معرضي الأول في المركز الثقافي الفرنسي"، يقول حافظ لمصراوي.
ظلّ الفن والطب في حياة حافظ في مسارين متوازيين، يدرس في مجال الطب الإكلينيكي ويعمل به "وعملت أكتر من ماجستير في الطب"، ويقوم بعمل المعارض الفنية، ثم ينقطع عن العمل في مجال الطب، ويسافر باريس لكي يحترف الفن "كنت فاكر إني هجيب الديب من ديله"، لكنه يُصدم بأن الفن لا يُمكّنه من عيش حياة كريمة، فيضطر للعودة للعمل في شركات الدواء، حتى يتمكن من الإنفاق على الفن، ظل حافظ هكذا حتى جاءت الفرصة بحصوله على منحة فولبرايت، حيث قام بتدريس الفن في جامعة بنسلفانيا بأمريكا "ومن هنا بدأت أحترف الفن بشكل حقيقي".
يتناول معرض شكرًا طبيبي موضوعان أساسيان؛ هما أزمة الكورونا وفكرة الهواية بجانب العمل، تقول دكتورة نادية إنها بالطبع معرضة كدكتورة تخدير للإصابة بالكورونا بسبب الاختلاط، كذلك تعرّض زوجها وابنها الطبيبان للإصابة بالكورونا، حيث يعمل ابنها كطبيب في إحدى مستشفيات العزل.
وتسعد الدكتورة لأنها وجدت الوقت للفن أخيرًا، خاصة أن الطب والفن لديها وجهان للموهبة "الطب فن هو كمان لأنه عايز مهارة في خلط الأدوية ببعضها عشان أعمل حقنة التخدير"، أما حافظ الذي يكرس وقته كله للفن، فالطب أصبح الهواية بالنسبة إليه "أحيانًا بكتب روشتات لحد دلوقت للدايرة المحيطة بيا".
فيديو قد يعجبك: