لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

بؤرتان لتفشي الفيروس.. "مصراوي" يتتبع مسار كورونا بـ"شنشور" أول قرية معزولة بالمنوفية

10:45 ص الخميس 14 مايو 2020

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب - رمضان حسن:

غلاف - أحمد مولا:

جرافيك - مايكل عادل:

مساء الثلاثاء 21 أبريل الماضي، أثناء عودة مقرئ القرآن المعروف بقرية شنشور بالمنوفية، إلى منزله الواقع على أطراف القرية التابعة لمركز أشمون، تلقي اتصالاً هاتفيًا من شقيقه الأصغر: "أنت فين؟.. أبوك جسمه سخن ومش قادر ياخد نفسه".

الإجراءات الاحترازية التي فُرضت على القرية كمختلف القرى والمدن المصرية لمواجهة "كورونا"، وعلى إثرها أغلق الأطباء عياداتهم بالقرية التي يسود شوارعها شبه المظلمة حالة من الهدوء غير المعتاد، دفعت الرجل لشراء دواء خافض للحرارة؛ مسكنًا لحين عرض والده على طبيب متخصص صباح اليوم التالي، شخص حالته الصحية بوجود التهاب وكتب له بعض الأدوية.

وبعد يومين اشتد المرض على الأب السبعيني، وبات يجد صعوبة بالغة في التقاط أنفاسه، وتردد بصحبة ابنه على 3 عيادات خاصة بمدينة أشمون؛ لتتأكد إصابته بالتهاب رئوي حاد، والاشتباه بإصابته بـ"كورونا"، ونصحه طبيبه بضرورة التوجه إلى مستشفى حميات أشمون في أقرب وقت.

صورة 1

وهناك أُجرى له مسحة PCR وحُجز الرجل السبعيني بالمستشفى بعد 4 أيام من ظهور أعراض المرض عليه، وعاد ابنه الذي كان يرافقه إلى منزله بالقرية، في اليوم التالي: "كلمني مدير المستشفى وأبلغني أن والدي مصاب بالفيروس وهيتنقل حالا لشبين الكوم" كما يقول الابن؛ ليسجل الرجل أول إصابة في القرية التي يتجاوز عدد سكانها 28 ألف نسمة.

وُضعت الأسرة تحت عزل صحي بالمنزل، وتم سحب عينات من أفرادها، جاءت النتيجة سلبية باستثناء الابن الأكبر قارئ القرآن بدور المناسبات التي يقام فيها العزاء؛ ليكون الحالة الثانية التي ثبت معمليًّا إصابتها بـ"كوفيد-19" بالقرية، ويتم عزله بمستشفى كفر الزيات المخصص لعزل المصابين.

احتاجت قرية "شنشور" لأسبوعين فقط من تاريخ اكتشاف أول حالة مصابة بالفيروس، ليُفرض عليها حجر صحي مع إلزام الأهالي بالعزل المنزلي، بعدما سجلت القرية 15 إصابة و3 وفيات، وسط تساؤلات عن كيفية وسرعة تفشي الفيروس بين أهالي القرية.

صورة 2

سبب الإصابة غير معروف

27 أبريل الماضي، استيقظت القرية على خبر حجز أحد الأهالي، بمستشفى شبين الكوم، لإصابته بفيروس "كورونا المستجد"، بعدها بساعات كانت سيارات التطهير والتعقيم تجوب شوارع القرية لتعقيم كافة المنشآت والمنازل، خاصة محيط منزل أسرة المصاب، لم يظهر القلق على الأهالي وقتها، وبمجرد خروج سيارات التعقيم استكمل أهالي القرية حياتهم اليومية، بحسب حسن النوبي، الذي يعمل مدرسًا للرياضيات بالقرية: "الناس كانت مطمنة علشان الحاج اللي أُصيب وأولاده ماكانوشي بيخالطوا حد كتير، هما بطبعهم في حالهم"، يقول النوبي.

ولكن كانت هناك تساؤلات عن سبب إصابة الرجل المُسن: "من الوارد يكون الابن المصاب نقل العدوى لوالده، في حالة تأكد عدم مخالطة الأب لأي شخص مصاب قبل أسبوعين من ظهور نتيجة تحاليله"، يقول الدكتور محمد عبد الفتاح، رئيس الإدارة المركزية للطب الوقائي بوزارة الصحة، فمن الممكن أن يكون الشخص حاملاً للفيروس دون أن تظهر عليه أعراضه، موضحًا أن 50% من الحالات المصابة تكون حاملة للفيروس دون ظهور أعراض، وهذا ما يؤكده الرصد الحركي لهذه الحالات وأيضًا المخالطين لهم، وفقًا للإدارة المركزية للطب الوقائي.

طبيعة عمل الابن كقارئ للقرآن في المآتم زادت من معارفه وتحركاته داخل قري مركز أشمون، الذي يتجاوز عدد الإصابات في أرجائه 100 حالة؛ ثبت معمليًّا إصابتهم بالفيروس، وربما يكون الابن أُصيب بالفيروس دون أن يعرف، ونقله لوالده الذي لا يخرج من البيت بسبب كبر سنه، بحسب راوية بعض جيران الأسرة بالقرية.

لم يستطع الابن الموجود حاليًّا بمستشفى العزل بكفر الزيات، تأكيد هذه الرواية أو نفيها: "الله أعلم، أنا ما حسيتش بأي أعراض، وكمان أستبعد أن يكون والدي سبب الإصابة؛ لأنه راجل كبير ماكنش بيخرج ولا بيقعد مع حد".

توفي الأب بعد يومين من وجوده بمستشفى العزل بشبين الكوم؛ ليسجل أول حالة وفاة داخل قرية شنشور التابعة لمركز أشمون، أخبرت الأسرة الابن الذي كان يقضي يومه الرابع من العزل مستشفى بكفر الزيات.

مساء الأحد 3 مايو الحالي، شيع عدد من أهالي القرية جثمان الأب لمثواه الأخير، واكتفى آخرون بوداعه من شرفات منازلهم وهو في طريقه لمدفنه، إلا أنهم فوجئوا بوجود ابنه الأكبر المصاب بـ"كورونا" في الجنازة، الأمر الذي أصاب بعضهم بالدهشة؛ لأنه كان محجوزًا بمستشفى العزل بكفر الزيات، تلك الراوية أكدها 4 من أهالي القرية، يقول أحدهم: "كان موجودًا بالقرب من عربية الإسعاف وكان لابس جوانتي وكمامة ولما شوفته مشيت على طول وفضلت ما أروحش العزاء".

بؤرة أخرى للفيروس

لم يكد الهدوء يعود للقرية مرة أخرى، حتى اكتشفت الحالتان الثالثة والرابعة بعد يومين من وفاة الحالة الأولى، إلا أن الحالتين الجديدتين ظهرتا في بؤرة جديدة في الجهة الأخرى من القرية، حيث ظهرت الأعراض على شاب بالقرية يعمل في مصنع "لافاش كيري"، كما يروي لبيب العمري، أحد أهالي القرية: "الأعراض ظهرت عليه هو ووالدته في نفس الوقت، ولما راحوا المستشفى اكتشفوا إنهم مصابين بكورونا"، إلا أن المرض كان قد اشتد على والدته الستينية، وتوفيت صباح الـ5 من مايو الجاري، وتم نقل الشاب لمستشفى العزل بكفر الزيات؛ لتسجل القرية خلال 5 أيام 4 حالات إصابة منهم اثنان توفوا داخل مستشفى العزل.

صورة 3

حالة من الذعر اجتاحت القرية، انتشرت شائعات بزيادة عدد الإصابات، "في الأول كان كل شويه واحد يكتب على الفيسبوك عن حالة جديدة ظهرت، الناس كانت عايشة في رعب فعلاً في الفترة دي"، يقول العمري، وتم إجراء التحليل لعدد من المخالطين للشاب ووالدته، حيث تأكد إصابة أحد المخالطين لسيدة ثلاثينية، بحسب مصدر داخل وحدة صحة قرية شنشور.

بعدها بيوم واحد من وفاة الحالة الثانية، بدأت الإصابات في الزيادة واحدًا تلو الآخر، وفي مناطق متفرقة من القرية، بحسب حسن النوبي، مدرس ثانوي بالقرية "الغريب إن الحالات كانت تظهر في أماكن بعيدة عن بعضها؛ لأن البلد مساحتها كبيرة ومفيش مكان بيجمع الحالات دي علشان العدوى تتنقلهم".

الجراف الأول

العامل المشترك بين أغلب الحالات المصابة باستثناء مقرئ القرآن ووالده، أن أبناءهم عاملون بمصانع خارج المحافظة أو نقل لهم من المخالطين لأحد العمال المصابين، الأمر الذي ساهم في زيادة عدد الحالات وصعوبة السيطرة على انتشار الفيروس بين أهالي القرية منذ البداية، "أغلب الحالات المصابة لعاملين بمصنع لافاش كيري، وكان لا بد من فرض العزل لحماية أهالي القرية من تفشي الفيروس"، مشيرًا إلى أن العزل سيساعد في وقف زيادة الحالات، "لو ظهرت حالات جديدة هتكون من المخالطين لأن أي مخالط هو مصاب محتمل".

الحالة السادسة سجلها شاب ثلاثيني يعمل بنفس المصنع، وبعد عزله بيوم واحد تأكد إصابة والدته واثنين من أصحابه، بحسب ما أكده جاره سعيد حربية، فإن خروج العاملين بالمصانع يوميًا من القرية والعودة إليها جعلها أكثر عرضة لزيادة حالات الإصابة، "عدد الحالات زاد بشكل سريع وكان لازم فرض عزل على القرية؛ لأن الشباب مش هيقدروا يقعدوا من شغلهم، أصحاب المصانع هيرفدوهم".

صورة 4

جدير بالذكر أن مصنع "لافاش كيري" بمدينة العاشر من رمضان، أغلق أبوابه في الـ19من أبريل الماضي، كإجراء احترازي بعد اكتشاف 6 حالات إصابة بين العاملين في نطاق محافظات الدلتا.

سجلت قرية شنشور 16 حالة إصابة و3 وفيات، بحسب مصدر مسؤول بمديرية صحة المنوفية، بعد اكتشاف حالة إيجابية من المخالطين مساء الاثنين الماضي، منهم 5 سيدات توفي منهم اثنان، وباقي الحالات من رجال القرية أغلبهم في مراحل الشباب، مشيرًا إلى أن المنوفية تخطت حاجز الـ600 حالة إصابة حتى الآن.

الجراف الثاني

القرية تحت العزل

تدخل قرية شنشور يومها الخامس بعد فرض العزل عليها، وتطبيق حظر التجوال بها وسط تواجد مكثف لقوات الأمن في شوارع القرية الرئيسية، وعمل كردون أمني على مداخل ومخارج القرية لمنع دخول وخروج الأهالي، يحكي الشاب محمود العجواني عن ملامح القرية بعد العزل قائلا: "الناس ملتزمة بشكل كبير من أول يوم تطبيق للعزل، والأهالي بدأت تخاف ومحدش بيخرج من بيته".

صورة 5

استخدم بعض شباب القرية صفحات وجروبات خاصة لأهل القرية على فيسبوك لمناشدتهم بضرورة الالتزام بتعليمات الأمن، ودحض الشائعات المتعلقة بزيادة الحالات، وطمأنة الأهالي أولًا بأول عن المصابين الموجودين داخل مستشفيات العزل.

وعلى أرض الواقع تحركت مجموعة أخرى لتقديم المساعدة لأهالي المصابين المعزولين داخل منازلهم وتلبية احتياجاتهم "لو احتاجوا أي حاجه من خضار أو لحمة أو مطهرات بيكلمونا وإحنا نجيبها وبنسيبها قدام الباب علشان نحافظ عليهم وبناخد كل الاحتياطات الصحية"، يقول العجواني.

صورة 6

مع بداية ظهور حالات الإصابة بالقرية، بدأت الجمعيات الخيرية داخل القرية بدورها في مساعدة المتضررين من الحجر الصحي، بحسب مجدي معوض، مدير إحدى الجمعيات، واستطاعت توفير 2500 كرتونة سلع غذائية لـ2500 أسرة، وتوفير 800 وجبة إفطار يوميًا للأسر المستحقة.

تزايد الحالات بشكل سريع داخل القرية، وعدم القدرة على معرفة مصدر العدوى، وتزايد أعداد المخالطين، جعل الأهالي يتقبلون عزل القرية وتتعاون الأجهزة التنفيذية في عملها، رغم صعوبة القرار وتبعاته عليهم.

· حفاظًا على خصوصية المصابين ورغبتهم، تم اخفاء هويتهم.

فيديو قد يعجبك: