لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

أينما كنتم يدرككم "كورونا".. 12 يومًا في هولندا في زمن الوباء (2)

02:48 م الجمعة 10 أبريل 2020

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

رحلة - مها صلاح الدين:

في الأيام السابقة، كانت هولندا لا تزال تشبه نفسها، لكن هذا الشبه أخذ يتلاشى رويدًا رويدًا.. ورُغم ذلك، كنا نحاول أن نتمسك بما تبقى منه، نحيك الخطط، ونغزل المشاريع والمقابلات!

لكن الحال انقلب رأسًا على عقب، وجاءت الرياح بما لا تشتهي السفن..

يمكنكم قراءة الجزء الأول من هنا >> أينما كنتم يدرككم "كورونا".. 12 يوم في هولندا في زمن الوباء (1)

الخميس 12 مارس

"أمريكا تصدر قرار حظر الطيران من وإلى أوروبا"

سارت خطة الخميس كما اتفقت مع الزميلات، أنهينا دوامنا في الخامسة، وأسرعنا نحو وسط هيلفرسوم، حيث مراكز التسوق التي تظل مفتوحة حتى التاسعة مساءً، عكس بقية أيام الأسبوع.

لم نبالِ بتضاعف أعداد حالات الإصابة بفيروس "كورونا" في هولندا، خلال يومين فقط؛ لتصل إلى 614 حالة، بالضبط كما لم يبالِ رئيس الوزراء الهولندي مارك روتي بذلك أيضًا، مبررًا ذلك بانحسار الإصابات في إقليم "نورد برابانت" جنوب البلاد، وكنا نحن في الشمال.

قررنا الاستمرار في خطتنا في التسوق في هيلفرسوم، تلك المدينة الرائقة، وقرر رئيس الوزراء الهولندي أن تسير الحياة في بلاده بشكل طبيعي، مع القليل من الإجراءات الاحترازية، مثل إلغاء التجمعات التي تشمل أكثر من 100 شخص، ومد فترة العمل داخل الشركات؛ لتشمل أكثر من وردية، ما يساعد على تقليل أعداد العاملين.

وفي الوقت الذي كانت هولندا تتحسس طريقها في الإجراءات الاحترازية على استحياء، خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يقول: "لم نملك وقتًا للتشاور مع أوروبا بشأن حظر الطيران".

** تجول افتراضي في هيلفرسوم**

الجمعة 13 مارس

"منظمة الصحة العالمية تعلن أوروبا بؤرة وباء "كورونا"

استقبلنا "جوناثان" مدير برنامجنا التدريبي مازحًا كعادته، وبدأنا نثرثر معه قبل بدء التدريب حول الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها هولندا ضد "كورونا"، وحظر فكرة المطالبة بإغلاق المدارس والمؤسسات على استكمال الزمالة، فقال: "إن حدث شيء من ذلك القبيل، سنبحث إمكانية استكمال البرنامج التدريبي عبر الإنترنت".. اعتبرناه يمزح كعادته ومضينا في التدريب.

كانت تلك الجمعة أهدأ من المعتاد، اكتفينا بالسير على الأقدام نحو الفندق، ومشاهدة الغروب على أطراف الغابة الممتدة من هيلفرسوم إلى بوسوم زويد، والتقاط بعض الصور، وتحضير خطط صاخبة بيومي عطلة نهاية الأسبوع.

12 يوم في هولندا في زمن الوباء

لم نشعر باختفاء الناس تدريجيًا من المواصلات العامة، وتوقف حركة القطارات السريعة؛ لتخفيف حركة السفر. ورفع مشافي "نورد برابانت" الرمز الأحمر، الذي يعني عدم بقاء أماكن لاستقبال المصابين.

وقتها، كنت منشغلة في تنسيق بعض مقابلات العمل التي كنت أود أن أتمها أثناء تلك الرحلة، ثم تصفحت موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ووجدت ذلك الخبر منشورًا على موقع BBC "منظمة الصحة العالمية تقول إن أوروبا هي الآن بؤرة الوباء العالمي".. نشرته على صفحتي مصحوبًا بوجوه ضاحكة حد البكاء.

لم أتخذ ذلك الخبر على محمل الجد، سوى بعد أن التقيت بـ"رنا" في حجرة الراديو أثناء تناول وجبة العشاء، أخبرتني أنها ناقشت أمر عودتها إلى لبنان مع إيريكا اليوم، خوفًا من إغلاق حركة الطيران، لكن إيريكا أبعدت الفكرة عن رأسها.

وفي نفس اللحظة، تلقينا رسالة من إيريكا تقول: "إنه من الأفضل عدم مغادرة هولندا في عطلة نهاية الأسبوع.. والسفر إلى أي دولة أوروبية أخرى، وقصر التحرك داخل أمستردام وشمال هولندا فقط".

السبت 14 مارس

"رئيس وزراء بريطانيا: استعدوا لفراق أحبائكم"

لم نبالِ بكل ما يحدث في العالم، قررنا أن نقضي عطلة نهاية أسبوع صاخبة، الفريق الأكبر، قرر أن يتجه نحو "زانسي" قرية صغيرة في الريف الهولندي، تزدان بطواحين الهواء، وبها أكبر مصانع الجبن والشيكولاتة.

12 يوم في هولندا في زمن الوباء

أما أنا فتوجهت مباشرة إلى أمستردام من أجل إتمام بعض المقابلات، اختلفت أمستردام عن زيارتي الأولى، كانت شوارعها شبه خالية، مقاهيها ومتاجرها شبه فارغة، لا يوجد سوى القليل أمام ماكينات الكاشير في "premark"، أحد أشهر المتاجر في أوروبا، الذي عادة ما يكون مزدحمًا للغاية، خاصة في الفروع الرئيسية بالمدن.

اجتمعنا من جديد على الغذاء في أمستردام، وعلى عكس ما كان متوقعًا، كانت جميع طاولات المطعم الشهير خالية، سوى طاولتنا التي اجتمع حولها أكثر من 8 أفراد.

لم نكن قد سمعنا بذلك التصريح الذي هز جميع أرجاء أوروبا لرئيس الوزراء البريطاني بعد، حينما خرج يقول "استعدوا لفراق أحبائكم"، فقررنا أن نأخذ جولة بالقارب، في قنوات أمستردام، لكننا تفاجأنا بأن جميع أكشاك بيع تذاكر القوارب التي تتناثر هنا وهناك مغلقة.

وبعد سير أكثر من نصف ساعة، وجدنا كشكًا وحيدًا مفتوحًا، وعلى مدار ساعة كاملة من الدوران حول أمستردام، في قنواتها المائية التي تخترق أغلب شوارعها، شاهدنا أمستردام شبه الفارغة، سوى من مبانيها التي يحمل كل قسم منها قصة خاصة به، وبعض السائحين.

7

الأحد 15 مارس

"هولندا تغلق المدارس والمطاعم لحين إشعار آخر.."

في اتجاهين مختلفين، انقسمت المجموعة من جديد على أرصفة القطار، المجموعة الأكبر توجهوا نحو أوترخت، أما أنا وزميلتي المصرية سحر عربي، توجهنا إلى "ألمير"، مدينة صغيرة على أطراف أمستردام، عبارة عن شارع تجاري صغير، ينتهي على ضفة بحيرة وحديقة كبيرة.

وبعد انتهاء جولتنا في المدنية، قررنا أن نبحث عن مطعم لتناول وجبة الغداء، وكانت المفاجأة أن أغلب المطاعم مغلقة، -وقتها لم نكن نعلم بقرار وزارة الصحة الهولندية بغلق جميع المطاعم والنوادي، وتعليق الدراسة-.

لم نكن نعلم أن الوضع كان قد انقلب رأسًا على عقب، سوى في الليل، حينما مررنا على المطعم الذي تناولنا به العشاء لأول مرة في بوسوم زويد، ورفض استقبالنا، قائلا: "إنه يعمل فقط على خدمة توصيل الطلبات للمنازل".

وبعد أن عدنا إلى الفندق، وجدنا رنا ثائرة، بعد أن علمت أن لبنان قررت تعليق الطيران بدءًا من يوم الأربعاء، وبدأت تستقبل مكالمات هاتفية ورسائل تحثها على الرجوع فورًا، وبدأنا نتابع ارتفاع أسعار التذاكر، التي تضاعفت على الفور.

كانت رنا قد استقرت على قرار العودة بشكل نهائي، بل وتوقعت إيقاف الزمالة بأكملها غدًا، لكنني لم أكن أرغب في تصديق ذلك، لم أصدق ذلك حتى أخبرتها إيريكا في رسالة، أن تدع القلق جانبًا، فإدارة الزمالة قررت أن تعقد اجتماعا في صباح الغد لحسم أمرنا.

** تجول في ألمير**

الإثنين 16 مارس

"مصر تعلق حركة الطيران بدءًا من الخميس"

وصلنا إلى مركز تدريب راديو هولندا في موعدنا المعتاد، فوجدنا إيريكا تنتظرنا أمام البوابة، وتطلب منا الانتظار لدقائق؛ لأن ثمة اجتماعًا يعقد بالداخل، كنا شبه متأكدين من نتائج ذلك الاجتماع، لكننا كنا نكذب أنفسها.

وبعد حوالي ربع الساعة، سُمح لنا بالدخول، واجتمعت بنا إدارة الزمالة؛ ليخبرونا بقرارهم النهائي، ستتوقف الزمالة، وسيعود كل منا إلى حيث جاء، وفي اللحظة نفسها، خرجت مصر بقرار حظر حركة الطيران بعد يومين.
وقتها، تضاربت كل المشاعر، بين حزن على حلم لن يكتمل، وخوف من أن نصبح عالقين في هولندا، وألا نتمكن من العودة.

حاول مدربونا التخفيف عنا، باستغلال تلك الساعات القليلة المتبقية من الدوام في استمرار التدريب، لكن أذهاننا الشاردة حالت دون ذلك.

كانت أسعار تذاكر الطيران تتضاعف كل لحظة، وكان على إدارة الزمالة الاختيار قراران كلاهما مر، شراء التذاكر بأسعار باهظة، أو تحمل مسؤولية إقامتنا في هولندا لحين فك حظر الطيران، في الوقت الذي وصل فيه عدد المصابين بفيروس "كورونا" إلى 1423 حالة، وتصريحات رئيس الوزراء الهولندي بأنه لن يتمكن من علاج الصغار والشباب، وأن الدولة الهولندية ستكتفي بعلاج كبار السن، والحالات الأكثر خطورة.

وفي نهاية اليوم، تنفسنا الصعداء بعدما تمكنت إيريكا وزملاؤها من حجز تذاكر الطيران لأغلب الزملاء، حتى وإن كانت بأسعار مضاعفة.

8

الثلاثاء 17 مارس

"أوروبا تعزل نفسها"

رغم أن رحلاتنا كانت أغلبها في المساء، فإن أغلبنا التزم الفندق طيلة النهار، ولم يحاول الخروج، أصبح الخوف سيد الموقف، وأصبحت الرغبة الوحيدة التي تجتاحنا هي العودة بسلام.

كانت تؤرقنا فكرة الإصابة التي قد نحملها معنا، والتي إن لم تأتِ من هولندا، فقد تأتي من مرورنا على المطارات في تلك الأيام. لن يعقل أبدًا أننا لن نجاور أحدهم من حاملي الفيروس، أو على الأقل أن نلمس أي سطح لمسه مريض.

وعلى عكس جميع أنحاء هولندا الخاوية، كان مطار سخيبول يعج بالحركة، الجميع يرغب في العودة.. العودة فقط، الجميع يحركه الخوف، يجعله يرتدي الكمامة والقفازات، ويتباعدون قدر الإمكان.

زاد من ذلك عدم وجود أي إجراءات احترازية داخل مطار سخيبول للكشف عن حالات الإصابة التي قد تمر عليه، حتى أنهم أصروا على إتمام إجراءات أخذ بصمات الأصابع، رغم دورها الأساسي في نقل العدوى.

بينما حرصت أطقم الطائرة على ارتداء الكمامات والقفازات طوال مدة الرحلة، وتوزيع استمارة إضافية يوقع فيها الركاب على أنهم لا يحملون أي أعراض للمرض.

وبعد أن هبطت الطائرة، تكدس جميع الركاب في ممر تعلوه لافتة مكتوب عليها "الحجر الصحي"، بوجوه يرتسم عليها الضجر، فيهمهم أحدهم بصوت "ده لو واحد واصل سليم في الزحمة دي هيجيله "كورونا"".

كان في مقدمة الصفوف، ثلاثة موظفين من مطار القاهرة، يرتدون كمامات وقفازات، ويرفعون يدهم بأداة تشبه المسدس، تقيس درجة حرارة جبهات العائدين في عجالة، ثم يستلمون منهم إقرار الخلو من الأعراض باليد الأخرى، دون النظر لما به.

وأخيرًا، يطلبون منهم البقاء في عزل منزلي لمدة 14 يومًا، ثم يسمحون لهم بالعبور، ويتركون وفي ذهنهم ألف سؤال وسؤال، شك ينخر في أنفسهم من أنفسهم، وخوف من أيام ثقيلة قادمة ينتظرون فيها ظهور أعراض وباء الـ"كورونا" عليهم في أي لحظة، أو أن يكونوا سببا في إصابة عزيز.

9

وبعد العودة، علمنا أن أوروبا قررت وقف العمل باتفاقية شنجن، ومنعت حرية تنقل مواطنيها بين أرجائها، واكتفت بحرية نقل البضائع والمساعدات الطبية فقط.

وبعد أيام، جمعنا مدربنا "جوناثان" في محادثة بالفيديو، لاستكمال الزمالة إلكترونيًا، بدت عليه أعراض المرض جلية واضحة، لكنه قال "أخبرت المستشفى.. لكنهم قالوا لي أنك لست مريضًا للدرجة الكافية.. اعزل نفسك في المنزل وإن ساء وضعك سنأتي ونأخذك..!".

لقراءة الجزء الأول من هنا

فيديو قد يعجبك: