لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

بطولة في سجل "الجيش الأبيض".. حكاية طبيب تطوع لمهمة عزل مريض كورونا

02:44 م الجمعة 20 مارس 2020

طبيب الأطفال خالد حمدي أثناء استعداده لنقل المصاب

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت - إشراق أحمد:

لم يكن مساءً عاديًا؛ مستشفى بلقاس المركزي ينتفض. نتائج التحاليل لمريض تقر بإيجابية إصابته بفيروس كورونا المستجد. بينما يلزم نقل الحالة إلى العزل الصحي في الإسماعيلية. الساعة السابعة والنصف مساء الجمعة الماضية، يواصل خالد حمدي، طبيب الأطفال عمله في "النبطشية" الممتدة 24 ساعة، لكن المهمة تغيرت في النصف الثاني من اليوم؛ لم يرجع الطبيب الشاب إلى قسمه لرعاية المرضى الصغار، بل تقدم متطوعًا ليرافق المصاب بـ"كورونا".

في مدخل مستشفى بلقاس. يقف الطبيب الشاب حال الكثير متأملاً المشهد المستجد عليه؛ وصلت سيارة الإسعاف لنقل الحالة التي تم استقبالها الأربعاء 11 مارس الجاري، واشتبه في إصابتها بالفيروس التاجي حتى تأكد في ذلك اليوم. يستلقي المريض على سرير جرار "ترولي" موصولاً بجهاز تنفس صناعي، وأهله بالجوار يرثى لهم. الدقائق تمر ثقيلة وتزداد الأجواء برودة. "الموضوع بالنسبة لنا كان جديد. إحنا من أوائل المستشفيات اللي استقبلت حالة مصرية مصابة بعد مستشفى صدر المنصورة" يحكي خالد لمصراوي، مفسرا المفاجأة التي أصابت الفريق الطبي.

لم يفكر طبيب الأطفال طويلاً، حدّث نفسه "ما أنا ممكن أكون قاعد في النبطشية واتعدي من طفل من باين عليه الأعراض. هاخد احتياطاتي ومسألة العدوى دي بتاعت ربنا"، ثم تقدم سريعًا مخبرًا زملائه "أنا هطلع مع الحالة".

كأنما انكشفت الغمة، فما كان للإسعاف أن يخرج دون طبيب. تجهز خالد للمهمة؛ ارتدى بدلة الوقاية الصفراء، والقفازات ذات الطبقات المتعددة، والحذاء ذو العنق الطويل، وضع النظارة والقناع الطبي ثم ولى نحو المريض. الدقائق الأولى كانت الأصعب على نفس الطبيب "لا حالتي ولا تخصصي، لكن لما اتحطيت في الموقف خلاص اتعاملت". 4 ساعات من بلقاس حتى الوصول إلى الإسماعيلية، فاق المريض من سباته بين الحين والآخر محاولاً استيعاب ما يجري حوله، تكفل الطبيب بتهدئته حتى يبلغا قبلتهما.

زملاء الطبيب والمسؤولون في وزارتي الصحة والداخلية فقط كانوا يعلمون بشأن مرافقة خالد للمريض، فيما يستقر علم أسرته على أنه في المستشفى يقضي ورديته حتى انتهاء 24 ساعة "كنت المفروض أكمل من 8 بليل لتاني يوم الصبح وارجع بيتي في المنصورة"، لكن الوجهة تبدلت من بلقاس إلى الإسماعيلية، بوصوله فجرًا إلى مستشفى الحجر الصحي.

ما إن وصل الطبيب لمستشفى الحجر، حتى رُفع الضغط وزال الإنهاك عن نفسه "كان كل همي أني أوصل الحالة وهي عايشة". كانت لحظة النظر إلى المؤشرات الحيوية للمريض والتأكد من استقراها، كفيلة ببث الفرحة في قلب خالد بأن مهمته انتهت بسلام.

1(خالد حمديزطبيب الأطافال في مستشفى بلقاس المركزي

بعد يوم شاق، عاد طبيب الأطفال إلى منزله، استقبلته أسرته بعدما علمت بالخبر "دخلت على الحمام على طول" مبتسمًا يستعيد الشاب. لم يغادر خالد مسكنه لثلاثة أيام، عزل نفسه حتى ظهور نتيجة التحاليل، التي أجريت له "هناك في المستشفى أخدوا مني عينة ومسحة من الأنف والحلق عشان يتأكدوا أني خالي من الفيروس"، وبينما ينتظر خالد، وقبل يوم من وصول النتيجة، صدمه الخبر "المريض اللي نقلته توفى يوم الاتنين". كان الرجل الذي سجلته وزارة الصحة بأنه الحالة الثانية المصرية المتوفاة نتيجة الإصابة بـ"كورونا" المستجد.

حزن الطبيب، يعلم خالد أنه ليس له من الأمر شيئًا "حسيت أني عملت الجزء اللي يخصني لكن تأثرت إنسانياً.. حياة البني آدم غالية ". لم يصادف خالد طيلة 10 سنوات في العمل الطبي أصعب من ذلك الموقف. طالما كانت النهايات سعيدة بالنسبة له، يتذكر كم استقبل من أطفال ميئوس من حالتهم الصحية، ثم أبصرهم يركضون بعد تدخله الطبي وإيمانه في الشفاء. لمثل هذه الأوقات يمتن خالد.

احتفاء تلقاه طبيب الأطفال بعد عودته لعمله، يوم الأربعاء المنصرف، كتب زملائه عن شجاعته في التصرف، وكرمته وزارة الصحة بذكر اسمه بين من اسمتهم "جيش مصر الأبيض" في يوم الطبيب المصري الموافق 18 مارس الجاري.

لم يتملك الخوف من خالد للحظة، كما لم يتأثر بلوم البعض له بقول "دي مش حالتك.. ليه تخاطر"، يدرك المقولة المتداولة بين الأطباء "اللي يصعب عليك يتقلب عليك"، يتخيل لو أن المريض توفى أثناء نقله "ساعتها كانت الدنيا اتقلبت عليا والاحتفاء اتبدل. محدش كان هيقول دي مش حالتي"، لكنه في جميع الأحوال لا يرى أنه قدم أكثر مما تملي عليه مهنته، ولهذا عاد سريعًا لممارسة عمله فور التأكد من سلبية التحاليل. يوقن طبيب الأطفال أن ثمة مريضًا ينتظر تدخله، معتزًا بمبدأ لا ينفك عنه "أها بدل العدوى 19 جنيه والتقدير مش زي اللي مطلوب، لكن أنا ارتضيت بالشغلانة والشغلانة طبعها كده. مش هينفع أسيب مكاني".

فيديو قد يعجبك: