لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

موت وفقد وتشريد| ماذا فعلت الأمطار بأهالي الزرايب؟

09:25 م الأحد 15 مارس 2020

أهالي الزرايب

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

تقرير – مارينا ميلاد:

تفترش سيدة أرض كنيسة تحاوطها المياه والطين من كل ناحية. يصعب عليها وأسرتها الدخول والخروج لحين تنتهي عمليات شفط المياه والتنظيف. خلال ذلك تنتظر المساعدات التي تأتي لها من ملابس، طعام، واحتياجات أخرى للعيش. وتبحث مع أفراد أسرتها عن ابنة خالتها المفقودة تحت المياه.

قبل يومين كانت تبحث عن ابنة خالتها وزوجها وابنتيها. وجدوا الأب والابنة الكبرى الحامل في شهرها التاسع ما زالوا أحياء، بينما الابنة الصغرى وهي في الصف الثاني الإعدادي انتشلوا جثمانها. وما زالت الأم غائبة يبحث عنها زوجها "دون أن ينطق بكلمة".

انقطع الحديث مع السيدة بسبب خروج جنازة إحدى جاراتها.

بين كل ما حدث جراء أزمة الطقس السيئ التي ضربت مصر الخميس الماضي؛ كان ذلك المشهد الذي يحدث في منطقة "الزرايب" بمدينة 15 مايو؛ هو الأسوأ. هنا أسر بأكملها فقدت كل شيء.

عشية الأربعاء، تابع أهالي الزرايب كغيرهم من المصريين تحذيرات الأرصاد الجوية من هبوب رياح وسقوط أمطار غزيرة تصل حد السيول في اليوم التالي. توقع جميعهم طقسًا سيئًا، لكن لم يبالغوا في تقديره رغم أنهم يسكنون منطقة مصنفة على أنها "غير آمنة" و"مخر سيل".

وبينما استقبل البعض الأمطار صباح الخميس مختبئين في بيوتهم بعدما أعطت الحكومة إجازات للعاملين بالقطاعين الخاص والعام، كان الأهالي هنا يعملون في جمع القمامة وفرزها؛ المهنة المعروف بها المنطقة: "إذا عطلنا يوم ومشتغلناش في الزبالة منلقاش ناكل". تقول تريزا غالي التي جاءت إلى المنطقة من أسيوط بعد زواجها منذ 3 سنوات، ولديها أربعة أطفال.

خرجت والدة زوج تريزا، سوسن خلف الله (55 عاما) لترعى الحيوانات التي تربيها في "الزريبة" خلف البيت الذي تقول إنها "عادات الصعايدة"؛ ثم عاودت إلى الداخل لتُحضر الطعام لها ولأبنائها؛ في هذا الوقت خرج أحفادها ليلعبوا؛ فطلبت منهم الدخول؛ لأن الأمطار قد اشتدت.

فوق الجبل؛ في الجزء الذي يعلو بيت سوسن، كانت نعمة سيدهم، ابنة خالتها، تستمع لبعض جيرانها الذين يقولون لها إن "السيل جي"؛ لكنها لم تكترث وقالت لهم "بطلوا إشاعات شوية مطر ويروحوا". لم يمر وقت طويل على هذا الحديث حتى وصلت الأمطار إلى ذروتها مع الثانية عشرة ظهرًا.

خلال أقل من ساعة تجمعت المياه فوق الجبل وسقط السيل لأسفل بقوة، آخذًا في طريقه كل ما كان في وجهه من بيوت بساكنيها من أناس وحيوانات.

لم يلحق أغلبهم فعل أي تصرف يحمي به نفسه ومن معه؛ فاجأهم السيل؛ ليفرق الأسر التي كانت تجلس للتو؛ لتناول طعامهم، والأطفال الذين كانوا يلعبون معًا. تشتت الجميع: مات البعض، فُقد آخرون، ومن استطاع النجاة هو من صعد الجبل.

ساعدت نعمة سيدهم – لأنها تسكن هذا المرتفع – ابنة خالتها سوسن وأسرتها في الصعود إلى أعلى. نجحت في جمعهم، إلا أن الكثير من جيرانهم وأقاربهم لم ينجحوا في ذلك؛ ففقد شقيق سوسن ابنته ولم يجدها – حتى اللحظة.

لساعات حاول الكل المساعدة وجمع كل الأحياء فوق الجبل. لم يستطع أحد من الخارج الدخول لهم لإنسداد الطريق بالكامل. ظلوا على هذا الحال - بثياب مغرقة بالمياه والطين - حتى السابعة صباحًا.

استيقظت نعمة سيدهم على قولهم بأن السيل سيأتي مرة ثانية من الجهة الأخرى. هموا للتحرك ولا يعلموا وجههتهم؛ لكنهم وجدوا عربية الشرطة جاءت؛ لتنقلهم إلى كناس قريبة فتحت أبوابها لهم، وكانت السيارة - كما وصفتها نعمة بلهجتها الصعيدية - "مصفحة زي التلاجة. اللي بيحطوا فيها الترحيلات".

شاهد ما حدث لأسرة السيدة سوسن خلف الله التي تسكن المنطقة منذ 25 عاما:

توزعت الأسر على جامع أبو عبدالله، الذي ضم نحو 200 أسرة، وثلاث كنائس "البابا شنودة" – وهي الموجودة بالداخل وتحاوطها المياه –و"القديسة هيلانة"، و"السيدة العذراء والقديس إثناسيوس"، التي استقبلت في اليوم الأول الأسر المسلمة أيضًا قبل أن يغادروا ويسافروا.

132

بدأت النيابة التحقيق معهم. نعت الكنيسة ضحاياهم. زارتهم وزيرة التضامن الاجتماعي، نيفين القباج، بتوصية من الرئيس عبدالفتاح السيسي. وعدت بتقديم كافة أنواع الدعم والحماية السريعة والاستجابة لمطالب السكان. وأوضحت أن السيناريوهات المطروحة تتمثل في البقاء في المنطقة أو الانتقال منها بكافة الخدمات الموجودة فيها كأماكن العبادة والتشغيل.

وفي اليوم التالي خرجت الجنازات من الكنائس والجامع لـ10 ضحايا بينهم سيدات وأطفال، وهو الرقم الذي يزيد كلما اكتشفوا جثة أخرى تحت المياه خلال أعمال البحث المستمرة الآن.

4

يخرج الشباب من الأماكن التي استضافتهم؛ ليدخلوا إلى وسط الزرايب؛ يساعدون أقاربهم في البحث عن مفقوديهم، ويتجهون إلى أمكان بيوتهم لعلهم يجدون أي شيء من مقتنياتهم قد ينفعهم في وقت لا يملكون فيه سوى ملابس وصلت لهم "كمساعدات".

تلك المنطقة المنكوبة، التي تمتد على مساحة 6 فدادين تقريبا، موضوعة منذ ثلاثة أعوام تقريبًا على قوائم المناطق المنتظر تطويرها ضمن العشوائيات؛ وفي 30 مارس العام الماضي زارها قيادات هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة والتقوا بأهلها وبالكاهن المسؤول عن الأسر المسيحية – التي تشكل نسبة كبرى من المنطقة.

انتهى اللقاء، الذي رحب الأهالي به – إلى الاتفاق على تطوير المنطقة؛ لتصبح بنشاط سكنى فقط، مع تخصيص منطقة؛ لتكون منطقة صناعية قائمة على نشاط المخلفات وعمليات الفرز، وإتاحة الاستثمار الصناعي مستقبلاً لشراء أراضٍ من جهاز المدينة؛ لتوفير الفرصة لأهالي المنطقة للاستثمار في هذا المجال. إلى جانب قيام وزارة الموارد المائية والري بالدراسة اللازمة لحماية المنطقة من مخاطر السيول؛ بحسب المهندس كمال بهجات، مساعد نائب رئيس الهيئة.

5

الكاهن إثناسيوس رزق، الذي كان عضوا في هذا الاجتماع العام الماضي مرحبًا به بشدة، يرفض الآن تلقي العزاء؛ لحين يأتي حقوقهم وتنفذ نتائج اجتماع مر عليه عام ولم تسبق نتائجه السيل.

فيديو قد يعجبك: