لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"انقسمنا شرق وغرب".. كيف يتدرب المنتخب الليبي لكرة القدم؟

11:04 ص الإثنين 27 يناير 2020

صورة تعبيرية

تقرير - مارينا ميلاد:

ما بين كل لحظات الانجاز والاخفاق التي عاشها المنتخب الليبي لكرة القدم على استاد العاصمة طرابلس منذ إنشائه عام 1970؛ لم تكن هناك لحظة استثنائية وربما صعبة بقدر هذه التي يعيشها مؤخرًا. يتدرب المنتخب غير كامل؛ جزء حاضر في الغرب بذلك الاستاد، والآخر في الشرق بثاني أكبر المدن الليبية "بنغازي"، غير الباقين الذين خدمتهم الفرص ليتمرنوا في بلاد احترافهم.

"بالتأكيد يؤثر ذلك علينا بشكل سلبي. فالأهم في كرة القدم هو التجانس وأن يرى اللاعبون مدى انسجامهم وتفاهمهم. لكن للأسف ظروف الحرب أجبرتنا على هذا التقسيم". يقول عضو المجلس التنفيذي باتحاد كرة القدم الليبي، يونس الكزة، في لحظة يتوقف فيها الطيران بين طرابلس وبنغازي، ويصعب على السيارات التحرك في طرق صارت مكانًا للاشتباكات المتقطعة.

1

2

توضح الخريطة السابقة مناطق الاشتباك التي تدور حول استاد طرابلس الدولي

ذلك ما فعلته حرب ليبيا - الدائرة منذ إبريل الماضي - بأفراد فريقها الوطني؛ فالجزء الأول بطرابلس يسيطر على منطقته قوات حكومة الوفاق بقيادة فايز السراج - وهي الحكومة المعترف بها دوليًا - والثاني في بنغازي يخضع لسيطرة قوات المشير خليفة حفتر المدعوم من دول بينها مصر والإمارات.

لكن حتى قبل أن تبدأ تلك المواجهات بين الطرفين بهدف السيطرة الكاملة على ليبيا، فتشهد "بلد النفط" فوضى كبيرة، فوضى ساعدت الجماعات المسلحة في الانتشار منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي في 2011.

Libya-AFP

هذه الظروف والأحداث علقت بذاكرة اللاعب زكريا الهريش. فرغم أنه كان يبلغ من العمر 13 عامًا حينما حاصرت قوات القذافي مدينته مصراته نحو شهرين وأحدثت أزمة إنسانية بها، إلا أن صوت الانفجارات وإطلاق النار لازال يدوي في أذنه كأنه لم يمر عليه 9 سنوات كاملة. "أتذكر معاناة مدينتنا، وما لاقت من مآسي، ولا أنسى أبدًا أصدقائي الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم".

تلك المشاهد الحزينة دفعت الهريش أن يمضي قدما نحو تحقيق حلمه في لعب الكرة التي بدأها كغيره بالشارع والمدرسة. فبمجرد أن هدأت الأوضاع نسبيا في العام 2013؛ انضم للنادي الأهلي المصراتي وشارك بمنتخب الناشئين، ودعمته أسرته في ذلك، إلى أن خاض بعدها تجربة جعلته يترك مدينته ويكتفي بشهادته الثانوية.

Zakria-El-Haresh

كان العام 2016، عندما بدأ خليفة حفتر التحرك لـ"تطهير ليبيا من الإرهاب"، في الوقت نفسه حمل الهريش حقيبته، وسافر وحده إلى طرابلس لينضم إلى النادي الأهلي الذي أتاح له فيما بعد أن يلعب ضمن صفوف المنتخب الأول.

احترف اللاعب في نادي سوتيسكا المونتينيغري، الذي يقول إنه تعلم منه الكثير، ثم مر سريعا على نادي اتحاد طنجة المغربي قبل أن يستقر أخيرا في نادي شباب فسطنطينة بالجزائر، الذي يتمرن به حاليًا لحين يلحق بزملاء منتخبه عند تحديد موعد لمعسكر يجمعهم خارج ليبيا، التي لم يزرها منذ 8 أشهر.

El-Haresh

الهريش واحد من 11 لاعبا ليبيا محترفا بين عدة دول أبرزها: المغرب، وتونس، والجزائر، ومصر – بحسب المسؤول باتحاد كرة القدم، يونس الكزة، في حديثه لـ"مصراوي".

لم يقف الحظ بجوار حارس مرمى نادي الاتحاد الليبي، محمد الفرجاني، مثل هؤلاء الذين اتتهم فرصة الاحتراف والتدريب في الخارج. لأنه – كما يقول – "حارس مرمى وليس لاعبًا؛ فيجد صعوبة في العمل بأندية الدول العربية التي تعتمد على حراسها المحليين، كما أن الفرصة في الدول الأوروبية أيضا باتت صعبة لأن عمره بلغ الـ 29".

حاول الفرجاني قبل سبع سنوات أن يجعل موهبته التي صُنعت بطرابلس تبرز في مكان ربما يكون أفضل. فسعى إلى الانضمام إلى نادي درجة ثانية بالدوري السويدي أثناء زيارته السياحية لهناك، وقد قارب أن يحصل عليها، لولا رفض ناديه الليبي لالتزامه بعقد معهم.

لهذا يضطر الفرجاني، الذي ينحدر من عائلة رياضية كان فيها الوالد والعم والأخ الأكبر حراس مرمى، أن يتدرب بمفرده الآن في نادي رياضي، فالفرق "في راحة سلبية" لتوقف الدوري منذ إبريل الماضي مع بداية الحرب، كما أنه لم يُستدعى حتى الآن في المجموعة الصغيرة التي تتدرب بملعب طرابلس.

Mohamed-Elfrgany

أما في بنغازي فالوضع –حتى اللحظة - مغايرٌ وأفضل من طرابلس.

لذلك يرى اللاعب أحمد التربي، الذي يتدرب ضمن المجموعة الثانية في مدينته بنغازي، أن الظروف بطرابلس هي الأشد مقارنة بكل أحداث السنوات الماضية، وأنه – وللأسف - أغلب اللاعبين يسكنون هناك، لذلك لا يتمكنون من التدريب جيدًا.

المدافع والطبيب الذي يبلغ 26 عاما، انتقل خلال العامين الماضيين فقط من بيته ثلاث مرات: "وقت حرب الكرامة، كل ما تقترب الاشتباكات نبتعد ونأخذ مكان آخر"، ذلك الأمر المُرهق يستهلك معه أمواله ووقته وطاقته الذهنية والنفسية.

كأنها صارت معه تشبه اللعبة الافتراضية الإلكترونية. فيتعامل التربي مع الأمر بمبدأ أن تنجز قبل أن ينفد الوقت أو يقترب الخطر. فلم يتوقف هو وزملاؤه عن اللعب حتى لا يفقدون كل شيء، فاعتادوا أن يتجمعوا في أي ساحة ويتمرنوا، وكلما وجدوا الاشتباكات قريبة، فيبتعدوا عنها ويواصلون في مكان آخر.

Ahmed-ElTorbi-with-team

"هذا الوضع الذي نحن عليه لا يرضي أحدا. أن نتقسم ولا نعرف أن نتجمع كمنتخب في مكان واحد فهذا لا يساعد. لكننا لا نملك إلا أن نحاول التأقلم مع الوضع".. يقول التربي الذي لعب مع منتخبه 45 مباراة حتى الآن.

صنع أحمد التربي نفسه منذ أن بدأ يلعب وعمره 6 سنوات في نادي الهلال ببنغازي، ثم الاتحاد الليبي بطرابلس، ثم الداخلية في مصر حتى عاد مجددا إلى الاتحاد الليبي، لكنه غادر العاصمة منذ 6 أشهر عندما اشتدت الأحداث بها.

Ahmed ElTorbi

أمام المنتخب الليبي خلال الفترة المقبلة تحديات كبيرة لا تعرف ما يمر به. فبعد شهر ونصف تقريبا ستنطق مباريات تصفيات كأس الأمم الإفريقية، يلحقها بأشهر مباريات تصفيات مونديال 2022 التي أوقعته قرعتها قبل أيام في مجموعة صعبة تضم كل من مصر والجابون وأنغولا.

يستعد الجميع؛ لاعبون وأعضاء اتحاد لكل ذلك. لكن الأمر ليس تدريبا فحسب. يقول يونس الكزة، إنهم يبعدون الانتماءات السياسية التي تفرضها الظروف الحالية عن اللعب تمامًا، حتى أن تكوين الاتحاد نفسه بأعضائه الـ11 يضم أشخاصا قادمين من الشمال والجنوب والشرق والغرب.

المنتخب-الليبي-AFP

ينتظر حارس المرمى محمد الفرجاني أن يحدد مدرب المنتخب فوزي بنزرتي، تونسي الجنسية، القائمة النهائية للاعبي المنتخب. "بالتأكيد أتشرف بتمثيل منتخب بلادي إذا تم استدعائي".

يمتزج انتظاره بتمني أن تهدأ الأوضاع ويعود الدوري الليبي والفرق لما وصفه "بالتألق الكبير الذي كانوا عليه قبل 2011 ". يتفق معه اللاعب أحمد التربي: "ليس هناك أصعب من لعب دوريين فقط في 10 سنوات تقريبًا!"، لذلك ظل التربي يتمنى خلال الفترة السابقة أن يعود إلى مصر ثانية.

هذا التوقف لم يؤثر فقط على فقدان اللاعبين رتم المباريات، إنما على الدعم المالي الذي كان يعتمد عليه الاتحاد من هيئة الشباب والرياضة أحيانا أو الاتحاد الدولي والإفريقي أحيانا أخرى.

سيحدد أعضاء الاتحاد موعد ومكان المعسكر الشهر المقبل الذي سيجمع المجموعتين المحليين كالفرجاني والتربي والمحترفين كاللاعب زكريا الهريش. غالبًا ما سيتم ذلك في مصر أو تونس التي يختار الاتحاد دائمًا واحدة منها لتضم فريقه كاملا استعدادًا للمباريات، مثلما يختار واحدة منها أيضًا لتكون "الملعب الليبي" في مباريات الذهاب والإياب طيلة السنوات الماضية المحظور فيها اللعب في ليبيا.

Graphic

كان أخر معسكر حضره الهريش مع منتخبه قبل مغادرته إلى الجزائر في شهر نوفمبر السابق بتونس. "أشعر بالحزن لما نمر به، وكلي أمل أن تخرج البلاد من هذه الفوضى وأن نساعدها من ناحيتنا كلاعبين على التأهل".

قد تنسي الدقائق التي يلعب فيها الهريش وزملاؤه – خاصة إن أحدثت إنجازا غير متوقع- الليبيين معاناتهم مؤقتا، قد تشغلهم عن سريان هدنة أو عن أفعال جماعة أو عن نتاج مؤتمر يقرر ما سيحدث في بلادهم. لذا يقول مسؤول اتحاد الكرة: "نعول على كرة القدم كثيرًا في جمع الشعب الليبي. سنحاول أن نقدم شيئًا لهم".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان