لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

(صوت وفيديو) الزيني ورفاقه.. 10 شباب يحفظون تراث "عباقرة التلاوة"

05:55 م الإثنين 03 يونيو 2019

فريق شبكة عباقرة التلاوة

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-إشراق أحمد:

نما سمع مصطفى الزيني على الذكر الحكيم مبكراً؛ يُدار الراديو على مؤشر إذاعة القرآن الكريم في منزلهم طوال الساعة، ينصت الصغير لتلاوات وابتهالات الكبار. خشوع المنشاوي، سكينة محمد رفعت ومصطفى إسماعيل، "سلطنة" محمد عمران، وسلاسة عبد الباسط عبد الصمد وغيرهم. تعلق قلب الزيني بالتلاوة حتى بلغ أشده، وجد أنه يهوى السمع حد الرغبة في تسجيل ما تُسر له أذناه، فكان مشروعه القائم منذ 9 سنوات "عباقرة التلاوة".

"عباقرة التلاوة" موقع إلكتروني يضم نحو 1500 مقطع صوتي ومصور للقراء والمبتهلين، منهم المشهور وكثير أصوات نُسيت عبر الزمن، يعمل الزيني ورفاق له على جمعها وإحيائها والحفاظ عليها.

كان الزيني في المرحلة الثانوية حين ولدت به رغبة تسجيل ما يُسمع في الإذاعة ومشاركته مع الآخرين من محبي الاستماع للقرآن الكريم والابتهالات. أخبر شقيقه الأكبر إبراهيم، وأنشئا صفحة على فيسبوك عام 2011 في وقت لم يكن فيه هذا السبيل قد حظي بالانتشار. حملت الصفحة في بدايتها طابعًا بسيطًا يقول الشاب "كنا نسجل التلاوات من الراديو والحاجات اللي موجودة على النت وبيذيعها التليفزيون من التراث وننشرها". لم يكن الزيني حدد بعد ما يريد، إلى أن وقع في يده ما وضع قدماه على طريق "عباقرة التلاوة" بشكله الحالي.

بالصدفة عثر الزيني على شريط قديم سجله والده لأحد القراء يدعى عبد الرؤوف شلبي، سمعه ابن مدينة طنطا وانتابه الاندهاش "صوته كان مختلف عن الأصوات اللي اتربيت عليها زي الشيخ رفعت والمنشاوي ومصطفى إسماعيل". هدم صوت القارئ المجهول -بالنسبة للشاب- اعتقاده "كنت متخيل أن عشان تقرأ قرآن لازم صوتك يكون زي الناس المعروفة وإلا متقراش"، ومع تأكد الزيني أنه لا يوجد تسجيلات كثيرة متوفرة لذلك الشيخ، بدأ يتساءل "يعني لقيت عندنا شريط فممكن ألاقي عند جيراني وأصحابي أصوات محدش يعرف عنها حاجة".

منذ ذلك الوقت في عام 2013 عرف الشاب وجهته "أدور على تسجيلات نادرة لقراء ومبتهلين محدش يعرفهم"، وأما المشاهير فلهم نصيب من البحث عن تلاواتهم ومتعلقاتهم الصوتية النادرة.

محمد سلامة، أحمد سليمان السعدني، علي حزين، محمود محمد رمضان، حمدي الزامل، إسماعيل السمكري وأسماء أخرى من مشايخ بزغ صيتهم في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، منهم مَن عاصر محمد رفعت وتتلمذ على يديه ومن زامل مصطفى إسماعيل، رحلوا جميعًا وبقيت أصواتهم مفرقة على أشرطة حديثة واسطوانات قديمة، توارثها المحبين عبر الزمن حتى آلت إلى الزيني.

التحق الزيني بكلية الطب ولم يفارقه السعي، شيئا فشيئا أخذت دائرة الشاب تتسع، تسوقه خطاه لمن يملك مقاطع من تراث التلاوة والابتهال، يتواصل معهم ويحصل على ما لديهم من شرائط، ويطبعها بنسخة إلكترونية، ومن صفحة على فيسبوك إلى مدونة ثم منتدى وأخيرًا موقعًا متكاملاً "بدل ما كنت أعرف شخص بقيت أعرف 100 وكل يوم يظهر قدامي حد جديد عنده تلاوات أو شرايط بكر أو فيديو"، والثقة وحدها هي ما تجعل الزيني يظفر بما يضمه لمكتبة التراث.

يَذكر الشاب العشريني حين نشروا تسجيلات للشيخ هاشم هيبة، أحد عمالقة دولة التلاوة منذ الأربعينيات وحتى وفاته في الثمانينيات، فرآها حفيده في وقت لم يكن فيه للشيخ الراحل سوى تلاوات معدودة على أصابع اليد الواحدة، فيما كان لدى الحفيد العديد من الشرائط "لكن مكنش بيديها لحد لأنه مكنش عارف اللي هياخد الشرايط هيعمل بيها إيه"، لكنه تواصل مع الزيني وأعطاه ما لديه من تسجيلات، نشر منها نحو 30 تلاوة إلى الآن.

حتى 2014 تشارك الزيني اهتمامه مع شقيقه إبراهيم، لكن مع وفاة الأخ الكبير أصبح الشاب بمفرده في الطريق غير أنه لم ييأس؛ أخذ يبحث قرابة العام عمن يُكمل السعي معه حتى بدأ يكون الفريق. اليوم يشكل عباقرة التلاوة 10 أشخاص بينهم الزيني.

إلى محافظات عدة ينتمي فريق عباقرة التلاوة، يمتهنون مجالات مختلفة، أقدمهم إمام جامع ومحفظ قرآن أحمد يوسف علام، ومهندس للصوت، حسن البنا، ومغرمين بجمع التراث تامر بدر وسعيد عبد الغفار، وإسلام حمودة، ومحمود كرم صاحب معرض أنتيكات، وطلاب طب وهندسة، محمد هشام وعامر سامي. جميعهم التقوا على حب القرآن و"أصوات السماء".

1

وأما رحلة نشر مقطع نادر فتبدأ بمعلومة أن ثمة شخص لديه تسجيلات "في أي مكان في الجمهورية بيروح حد مننا ويجيب الشرايط الكويسة بعد ما يتفق مع صاحبها على ميعاد نرجع فيه الحاجة بعد نسخها"، وعقب التحويل تبدأ خطوة المونتاج، ويصفها الزيني بأنها مرحلة مهمة "ممكن نحول تسجيل لكن تطلع جودته سيئة أو التلاوة مقطوعة أو الشيخ غلط فيها ومش عارفين نصلحها فمش هينفع ننشره".

لا يقتصر المونتاج لدى "عباقرة التلاوة" على تحسين الصوت وغيرها من فنيات، بل له قسم آخر صوتي، إذ يمر على أكثر أعضاء الفريق معرفة بأحكام التجويد والتلاوة، يراجعه جيدًا ويتحرى المشاكل، فقد اجتمعوا على أن ما ينشر "حاجة إن شاء الله هتعيش للعمر فمينفعش يكون فيها مشكلة"، وإن وجدت الأغلاط سعوا بقدر استطاعتهم إلى حلها مثلما حدث قبل عامين.

حصل الفريق على تلاوة بجودة عالية للقارئ محمد سلامة، أحد رواد دولة التلاوة- يتلو فيها من سور الصف والجمعة لكن بها قطع في البدية والمنتصف والنهاية، ولا يوجد تلاوات ممثالة للشيخ ذاته يمكن الاستعانة بها، فماذا عسى على "عباقرة التلاوة" أن يفعلوا؟

بالطريقة التي عرفها حافظوا التراث القرآني. ذهب الزيني ورفاقه إلى مقيم شعائر مسجد الحسين صلاح سلامة "قارئ قديم وصوته قريب من نفس أداء الشيخ محمد سلامة اللي سمعناه"، أسمعوه القراءة وعرضوا عليه اقتراحهم بتكملة الأجزاء المقطوعة بصوته، فاستجاب الشيخ الذي يتشابه اسمه والقارئ الراحل وخرجت التلاومة مكتملة.

يلعب الزيني دور المُخرج، يصل إليه المقطع ثانية قبل أن يُنشر على الموقع، فإليه يرجع توقيت الإذاعة، يعتمد في ذلك على كم التلاوات المتوفرة وملائمة موعدها، وكذلك يضع اللمسة النهائية لشكل النشر بإضافة صورة تحمل اسم الموقع وإلحاق كلمة البداية في التسجيلات النادرة والتي تكون بصوته قائلا "شبكة عباقرة التلاوة تقدم".

عبر الموقع الإلكتروني واليوتيوب والساوند كلاود تنتنشر أصوات المشايخ والمبتهلين بأيدي الشباب العشرة، يبتهل محمد رفعت "عمري عليك تشوقًا"، ويُسمع صوت المنشاوي لأول مرة يتحدث عن نفسه، فيما يُرى محمد عمران محييًا إحدى الأفراح بإنشاد.

لمؤسس "عباقرة التلاوة" فرحتان، الأولى حينما يحصل على مقطع نادر "أحب المبتهل لما أجيب له تلاوة قرآن وأحب القارئ لما أجيب له ابتهال ده بالنسبة لي قمة النوادر"، مثلما حدث مع ابتهال للشيخ محمد رفعت، فيما تتضاعف سعادة الشاب حينما يتحصل على تسجيل متفرد لشخص غير معروف للكثير، يذكر أول تسجيل خارجي نشروه قبل ثلاثة أشهر للشيخ علي حزين.

لحظة ثمينة يعيشها الزيني حين يضم للمكتبتهم مقاطع جديدة؛ كأنما وجد كنزًا شعر بها حين آلت إليه مكتبة "الحاج حسين فرج" أحد كبار "السميعة"، توفي في الثمانينيات، وخلف ورائه عشرات الأشرطة منذ الستينيات، حول منها إلى الآن نحو 100 شريطًاً.

تراث المشايخ ليس محفوظًا على الموقع الإلكتروني فقط، فمؤسس "عباقرة التلاوة" يحفظ كل ما تصل إليه يداه "أنا ممكن اتهبل. أقعد شهر اسمع تراك كل يوم. أدندنه صبح وبليل لغاية ما أحفظه.مبسيبش الحاجة غير لما أوصل لمرحلة أني بصدع منها خلاص" مبتسمًا يقول الزيني، فحتى تعليقات الجمهور لا يتركها "لو واحد قال أها ببقى عارف هيقولها أمتى وأقول معاه".

ليس للزيني قارئا مفضلا، يهيم بالأصوات العذبة كافة "أي حد مسك المصحف وقال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بحب اسمعه". لا يجد الشاب هواية أخرى له سوى الحفاظ على تراث التلاوات والابتهالات، ولا يجد مشقة في الجمع بين الدراسة في السنة السادسة لكلية الطب والعمل التطوعي في الموقع، فكل ما يشغله هو حلم باستكمال الطريق، وأن يجمع شمل الفريق مقرًا به أستوديو يتمكنون عبره من بلوغ مرادهم من الوصول لمزيد من أصوات أضاءت النفوس بقرائتها، فمضت وبقي أسمائها وتسجيل لها في مكتبة أحدهم.

فيديو قد يعجبك: