لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"مصراوي" يتتبع رحلة زكي مبارك: هرب من حماس للموت في سجون تركيا.. ومصر تحقق

11:49 م الثلاثاء 21 مايو 2019

كتب - رمضان حسن:

المكان: فندق ويت هاوس ـ إسطنبول ـ تركيا.

التوقيت: 9:30 مساء 3 أبريل 2019

هدوء يسود محيط الفندق الذي يقع على بعد 53 كيلومترًا من مطار إسطنبول الدولي.

3 سيارات سوداء اللون، تقف على بعد أمتار من بوابة الفندق المصنف بـ 4 نجوم، يهبط منها 15 مسلحًا يرتدون زيًا مدنيًا، يراقبون الخارجون من الفندق. دقائق تمر، ويخرج رجلان ذوا ملامح عربية، يقطع طريقهما المسلحون، ويلقون القبض عليهما دون أي تفسيرات.

يحاول الرجلان اللذان يحملان الجنسية الفلسطينية، معرفه هوية المسلحين أو لماذا يلقون القبض عليهما، ليأتي الرد لأحدهم "زكي مبارك" بالضرب بقبضة السلاح فوق رأسه، فيسقط فاقد الوعي، بينما يستسلم الآخر "سامر شعبان" للمسلحين، ويكتشف الثنائي بعدها أنهما داخل سجن "سيليفري" الواقع في إحدى ضواحي محافظة إسطنبول.

كانت الواقعة بداية اختفاء زكي مبارك، المواطن الفلسطيني الذي زعمت السلطات التركية بعد ذلك أنه انتحر داخل حمام السجن يوم 28 أبريل الماضي، وفق ما حكاه شقيقه الدكتور زكريا مبارك، وأكده أحد أصدقائه الذين تواصل معهم زكي عبر الهاتف.

يقول زكريا مبارك الشقيق الأصغر للمتوفي: "أخويا لم ينتحر ولم تكن له علاقة بدولة الإمارات، كما ادعت تركيا في تقريرها عن سبب اعتقاله"، واصفًا هذه الرواية بـ"الكاذبة"، ومضيفًا: "تركيا تسعى إلى تبرئة نفسها من التعذيب الوحشي الذي تعرض له زكي".

صباح اليوم، صدر قرار من النائب العام المستشار نبيل صادق بإعادة تشريح جثة زكي مبارك، لبيان السبب الحقيقي لوفاته، بناءً على الطلب الذي تقدمت به أسرة "مبارك" لمعرفة حقيقة ماحدث له.

"مصراوي" يرصد محطات في حياة "زكي مبارك" منذ مغادرته فلسطين وتفاصيل 5 سنوات عاشها في مصر، قبل أن يستقر به الحال في بلغاريا، ومقتله داخل تركيا.

صباح يوم 30 مارس الماضي، استقل زكي سيارته واتخذ الطريق البري الواصل بين مدينة صوفيا البلغارية ومدينة إسطنبول التركية، لمقابلة صديقه "سامر"، الذي اتفق معه على اللقاء في تركيا، لأنه يرغب في مشاركته في مجال الاستيراد والتصدير الذي يعمل به زكي.

وصل الرجل ولم يكن "سامر" قد وصل بعد إلى إسطنبول، فوجدها فرصة جيدة للاستمتاع بهذا البلد الذي طالما حكى لأخيه عن رغبته في العيش به "قال لي بفكر افتح فرع لشركتنا في إسطنبول، وكان دايمًا يحدثني عن حبه للمساجد وصوت الأذان في تركيا على عكس بلغاريا"؛ يقول زكريا.

الصورة رقم (2)

تعود العلاقة بين زكي وصديقه سامر شعبان إلى أواخر عام 2006، حين كان سامر أحد مساعديه في موقع هندسة المتفجرات بقطاع غزة. وقت أن كان زكي يحمل رتبة نقيب ومسؤول عن قوة تنفيذية لهندسة المتفجرات بالقطاع، قبل أن يتوقفا عن العمل بعدما سيطرت حماس على قطاع غزة صيف 2007، غادر بعدها زكي إلى القاهرة، وسافر سامر إلى الإمارات، حيث كان يعمل ضابط أمن في السفارة الفلسطينية في دبي، وظل الصديقان على تواصل من حين إلى آخر وفق "زكريا".

"آخر مكالمة كانت بيننا قبل ما يتقبض عليه بحوالي ساعة، كان بيكلمني فيديو وهو في المطعم وصور لي فيديو لراقصي الدراويش في المطعم"؛ يقول شريف غنيم، محام زكي مبارك وأحد أصدقائه المقربين. لم يكن يعلم شريف أن هذه المكالمة ستكون الأخيرة بينهما.

في اليوم التالي، تلقى شريف اتصالاً من زكريا مبارك يقول له: "زكي اختفي من امبارح، وتليفوناته مقفولة، ومش عارف أوصله"، على الفور أرسل له شريف الفيديوهات التى صورها زكي أثناء وجوده في المطعم، ليساعده في التعرف على اسم الفندق الذي قابل فيه سامر، ولكنه فشل في الوصول لأية معلومات عن الفندق، بعدها توجه زكريا إلى السفارة الفلسطينية في إسطنبول لمساعدته في التعرف على مكان شقيقه.

الصورة رقم (3)

يؤكد المحامي أن زكي قضي 16 يومًا في زنزانة انفرادية داخل سجن سيليفري بإسطنبول في مخالفة واضحة للقانون التركي، دون علم أحد من أهله، أو حتى حضور محام معه أثناء التحقيق "الغريب أن السلطات التركية لم تعلن أنها أجرت أي تحقيق مع زكي، ولكنها اكتفت بإرسال تقرير أمني عنه تتهمه فيه بالتجسس لصالح دولة الإمارات بمساعدة سامر شعبان"، كما يقول "شريف".

في صباح 19 أبريل، أعلنت السلطات التركية أنها اعتقلت المواطن الفلسطيني زكي مبارك لاتهامه في قضية تجسس، الأمر الذي دفع زكريا لسرعة التحرك وتوكيل محام تركي لحضور التحقيقات مع شقيقه.

في اليوم التالي، تلقى زكريا اتصالاً هاتفيًا من شقيقه زكي، عن طريق الهاتف النقال للمحامي التركي: "وفقًا للقانون التركي، يحق للمتهم إجراء مكالمة تليفونية مع أهله من هاتف المحامي الخاص به"، حسبما يقول "شريف".

حاول زكي أن يٌطمئن شقيقه خلال المكالمة القصيرة، وأكد المحامي التركي لشريف أن زكي سيفرج عنه يوم 30 أبريل، بعد انتهاء جلسة الاعتراض على الحبس الاحتياطي، وذلك بعدما تأكد من عدم وجود دلائل أو قرائن تثبت تورطه في التهمة المنسوبة إليه.

الصورة رقم (4)

الصورة رقم (5)

مساء يوم 28 أبريل، فوجئ شريف أثناء متابعته عدد من القنوات الإخبارية التركية، بخبر يقول إن المواطن الفلسطيني زكي مبارك شنق نفسه داخل حمام سجن "سيليفري" بواسطة حزام بنطاله "لما شوفت الخبر اتجننت، وماكنتش مصدق، ولكن اتأكدت بعد ما كلمت زكريا".

وأوضح شريف: "السلطات التركية وضعت جثمان زكي داخل مشرحة تسمى (مشرحة الأمير) قرب سجن سيليفري لمدة أسبوعين، ورفضت تسليم الجثة لشقيقه بحجة إنهاء التحقيقات"، وهو ما اعتبره زكريا "ممالطة مقصودة حتى تتحلل الجثة".

لجأ زكريا إلى منظمات حقوقية للضغط على السلطات التركية لتسريع تسليم جثمان شقيقه، إلى أن استلمه في الأسبوع الثاني من مايو الجاري، بعدها نقل الجثمان على متن الرحلة رقم 736 القادمة من تركيا على خطوط مصر الطيران في تمام الساعة التاسعة ونص من مساء يوم الـ13 من مايو، ثم خرج الجثمان بعد منتصف الليل من قرية البضائع بمطار القاهرة إلى ثلاجة الموتى بمستشفى فلسطين بشارع الثورة بمصر الجديدة.

كان الشك يتسلل إلى قلب زكريا وشريف عن واقعة وفاة زكي في تركيا، الأمر الذي دفعهم إلى تقديم طلب رسمي إلى السفارة الفلسطينية في مصر لتشريح جثمانه لمعرفة سبب الوفاة. تأكدت شكوكهما عندما شاهدا جثة زكي، حيث لم يتمكن شقيقه من التعرف عليه، وكانت الجثة بحالة تعفن رمي، فضلاً عن أنها كانت مشوهة تمامًا، وبها تجمع دموي خلف الرأس، وقطع في الحاجب والصدر والبطن، بالإضافة لآثار كسور واضحة في اليدين، إلى جانب عدم وجود "لسان" والذي انتزع من الجسد بدقة، وآثار ضرب وسحجات في كل أنحاء الجثمان، حسبما يصف زكريا.

الصورة رقم (6)

التضارب بين ما ذكرته السلطات التركية عن سبب الوفاة، والتقرير الذي أرسلته مع جثمان المقتول والمكتوب في ثلاث نسخ باللغة العربية والإنجليزية والتركية، دفع السفارة الفلسطينية بالقاهرة للموافقة على إعداد تقرير طبي عن حالة الجثة بمعرفة الدكتور حسام طوكان المستشار الطبي للسفارة بالقاهرة، خاصة بعد تشكيك أسرة "زكي" فى الرواية التركية.

وذكر تقرير السفارة أن جثمان المتوفي تم تشريحه طبيًا من قبل السلطات التركية، وتبين وجود آثار كدمات في مختلف أنحاء الجسد والرأس.

وأشار التقرير إلى وجود جرح من أول الصدر وحتى منطقة العانة، وجرح آخر بمحيط الرقبة، وكذلك جروح في الساعدين والفخذين والساقين، مع وجود ثقب مباشر 2 سم بالقدم اليمين.

كما أوضح التقرير الممهور بخاتم السفارة الفلسطينية بالقاهرة أن اللجنة لم تستطع تحديد وجود اللسان أو أي جزء منه، بسبب طول المدة وتعفن الجثمان.

التقرير الذي أعده طاقم طبي مكون من الدكتور حسام طوكان المستشار الطبي للسفارة بالقاهرة، والدكتور أحمد النحلاوي إخصائي الجراحة، والدكتور أسامة محمد أخصائي الباطنة، والدكتورة هيام الأكحل المدير المناوب لمستشفى فلسطين بمصر الجديدة، يوم الأربعاء الماضي، أغضب أسرة مبارك، حيث أكد محام زكي مبارك أن التقرير يتسم بالغموض الشديد، لطمس الحقيقة، على حد وصفه.

ولد زكي مبارك في بلدة جباليا بقطاع غزة 1963، وهاجر مع أسرته إلى القاهرة أوائل عام 1970، وكانت المراحل التعليمية الأولى له في القاهرة، حيث ظل في مصر حتي حصل على الثانوية، ثم اضطر للسفر مع أسرته إلى لبنان لظروف عائلية 1980.

صورة 13

وبعد ثلاثة أعوام عاد إلى مصر مرة أخرى، وعمل فرد أمن بمستشفى فلسطين بمصر الجديدة، والتحق بمعهد الخدمة اجتماعية لمدة عامين، ثم سافر عام 1985 إلى اليمن ليلتحق بالكلية الحربية في اليمن، وتخرج منها بتقدير امتياز، وفي عام 1994 عاد إلى فلسطين، وانضم إلى قوات الجيش الفلسطيني، وحمل رتبة ضابط بالجيش الوطني الفلسطيني.

"زكي" أحد أهم رجال العمل الأمني في فلسطين وكان ضمن من التحقوا بدورات تدريبية خاصة بهندسة المتفجرات في الولايات المتحدة الأمريكية، ليلتحق بعدها بجهاز المخابرات الفلسطينية آنذاك، حيث كان الشهيد أبوعمار يحاول تطوير إمكانيات الضباط عسكريًا وتدريبيًا"، وفق ما يقول شقيقه زكريا.

لفت "زكي" أنظار القائمين على الجانب الأمني في فسلطين بعدما أظهر كفاءة عالية في التعامل مع العمليات الأمنية في القطاع "أصبح مسؤولاً عن المتفجرات في الشرطة المدنية بفلسطين لمدة عام، ثم طلبوه مرة أخرى في جهاز المخابرات العامة وأصبح مديراً لقوة تنفيذية فى قطاع غزة عام 2005، وكان دوره مواجهة الجماعات الإسلامية المتطرفة فى غزة"، يحكي زكريا.

كان ذكي مبارك صاحب الـ55 عاما أبا لـ9 أولاد، يعيش 6 أبناء مع زوجته السابقة في غزة، و3 من زوجته البلغارية.

يضيف زكريا مبارك، أن شقيقه "زكي" سبق أن حُكم عليه بالإعدام من قبل حركة حماس، حيث حاول التدخل فى إحدى الوقائع بسبب ضبط حماس مجموعة من المجندين، الأمر الذي جعل حماس تأمر بضبطه والحكم عليه، لكنه تمكن من الهرب".

بينما يقول أبو خالد (اسم مستعار)، وهو أحد أصدقاء القتيل: "زكي صديق عمري قبل ما أكون مساعد له والاحتلال الإسرائيلي حاول اغتياله واستهدفه أكثر من 3 مرات ولكنه نجا"، مشيرًا إلى أنه كان أحد من شاركوا في تصنيع متفجرات للمقاومة الفلسطينية.

صورة-7

لم يعلم زكي أن مستشفي فلسطين، والتى كان يعمل بها فرد أمن قبل أن يلتحق بالكلية الحربية في اليمن ضمن قوات الجيش الفلسطيني، ستستضيف جثمانه، "زكي اشتغل فرد أمن في مستشفي فلسطين قبل ما يسافر اليمن"، يقول صديقه" أبو خالد".

مستشفى فلسطين

يقول صديقة أبو خالد: أنه عاد لمصر بأمر من القيادة الفلسطينية بعد الانقسام الذي حدث في قطاع غزة 2007، ودرس العلوم السياسية وحصل على الدكتوراه فيها بإمتياز مع مرتبة الشرف من مصر، كانت الدكتوراة التي حصل عليها عام 2012 من معهد البحوث للدراسات العربية عن "تأثير الأقليات الروسية اليهودية فى المجتمع الإسرائيلي".

صورة 12

وكان الدكتور عماد جاد هو المشرف على الدكتوراه، قبل أن يقرر مغادرة مصر ويتوجه لبلغاريا ليلتحق بشقيقه الأصغر زكريا المقيم هناك منذ نحو 7 سنوات والمتزوج من بلغارية الجنسية، وهي من ساعدت في إعادة جثمانه من تركيا إلى مصر بعد ممالطة السلطات التركية.

صورة 10

"كان متدين ومتزن نفسيا إلى أبعد الحدود"، هذا ما أكده الدكتور عماد جاد، عضو مجلس النواب ونائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، والمشرف على رسالة الدكتوراة التي حصل عليها زكي مبارك في أواخر عام 2015 من معهد البحوث للدراسات العربية بالقاهرة لـ"مصراوي"، مؤكدًا أنه يستبعد رواية الانتحار التى زعمتها السلطات التركية.

صورة 9

وقال جاد إن زكي مبارك "كان رجل أمن ذكي جدًا، وخدم في المخابرات الفلسطينية لحد ما طلع برتبة عميد". ويحكي عن علاقة الصداقة التى نشأت بينمها أثناء فترة إشرافه على رسالة الدكتوراة "صارت بينا صداقة بعد حصوله على الدكتوراة، بدرجة امتياز مع مرتبة الشرفة، "كان دايما يقولي أنت صاحب فضل"، ولكن انقطعت أخباره بعدما غادر القاهرة، حسبما يقول جاد.

يضيف جاد، أن زكي كان يحب العلوم السياسية، حيث كانت تسيطر على أغلب قراءته،" كان شخصا نابغا ودؤوبا على المعرفة"، فضلا عن أنه كان دقيقا إلى حد كبير.

يتذكر جاد، حديث زكي مبارك عن أيام عمله في قطاع غزة، قبل أن ترصده حماس، وتحاول استهدافه: "كان بيحكي لي عن طريقة حماس في استهداف رجال الأمن في الوقت دا"، الأمر الذي دفعه للعودة إلى مصر.

صورة-11

بداية عام 2013، كان زكي يجهز نفسه للسفر إلى بلغاريا للعمل مع شقيقه الأصغر "زكريا" هناك، حيث استطاع "زكي" تأسيس شركة باسم "ZMH" بأحد ضواحي مدينة صوفيا، لاستيراد وتصدير المنتجات الغذائية، حيث فضل أن يكون رفقة بناته الثلاثة اللاتي فضلن العيش بجواره في المدينة ذاتها حتي نهاية مارس الماضي.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان