لنموت سويًا.. حكاية أسرة تجلس في غرفة واحدة وقت القصف على غزة
كتبت - شروق غنيم:
رسوم - سحر عيسى:
انفوجراف- مايكل عادل:
اعتادت الأم على أصوات القصف في غزة كل شهر، عايشت المشهد حين انهار المنزل فوق رأسها، ومع كل مجزرة جديدة تحل على عائلة فلسطينية يتوجّع قلبها، تترحّم على الشهداء بينما تتمنى السكينة للناجين، صار لزامًا عليهم تحمل ألم الإصابة وفراق الأحباب، لذا بات لها وصية واحدة لأبنائها "خلينا في غرفة وحدة عشان لو انقصفنا نموت كلنا سوا".
لم تغادر الكلمة أذن الابن يوسف زقوت، صاحب الـ22 ربيعًا، تردد صداها بقوة بينما تابع القصف الذي استهدف منزل عائلة السواركة صباح الخميس الماضي الموافق 14 نوفمبر 2019، امتلأت منصات وسائل التواصل الاجتماعي بصور الأطفال الذين نجوا من القصف، يتألمون من الإصابة التي لحقت بهم، بينما تدور أعينهم بحثًا عن الأم أو الأب لتخفيف الوجع، لكن لا أحد من الكبار قد نجا.
الخميس الماضي؛ كان القصف لا يرحم، الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل، الأطفال نائمين في وداعة، والمنزل يخيم عليه الهدوء، لكن 4 صواريخ اخترقت صفيح منزلين لـ آل السواركة في منطقة البركة بدير البلح -بوسط قطاع غزة- غيرت من الوضع؛ استشهد رسمي السواركة وزوجته وثلاثة من أطفالهما، بينما أصيب شقيقه محمد بجروح بالغة واستشهدت زوجته واثنان من أطفالهما، إلى جانب إصابة 13 آخرين، من بينهم 11 طفلاً، بجراح بالغة، بحسب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان.
طيلة يومين استمر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ألفت أسرة زقوت أصوات الصواريخ "لأنه شهريًا بنعيش الموال ده"، لكن مع كل قصف يتجدد الرعب في قلوبهم "هالمرة مفيش هدنة، الساعة 5 صباحًا فزعنا كلنا من صوت القصف"، حين تصل دوى الصواريخ إلى مسامع الأسرة، يقفزون من أسرّتهم، يهرعون إلى غرفة واحدة، تخفف "اللمّة" من حدة التوتر، تمنحهم بعض السكينة وسط أصوات القذائف، تهوّن من الموقف لكنهم يعلمون "إنه بأي لحظة الواحد يتوقع الاستشهاد".
كان ذلك الشعور قريبًا من الشاب العشريني في شهر مايو الماضي، ظن أن روحه قد غادرت جسده وصعدت لبارئها، غير أنه بعد لحظات استيقظ ووجد نفسه في مشفى محلي في غزة.
لا زال لليوم رهبة في نفس أسرة زقوت، كانت الأم تستمتع بالطقوس الرمضانية بينما يوجد معها في المنزل ابنها يوسف فقط "كنا قاعدين في أمان، لأن في العادة لما بيحصل قصف بيكون قبله صاروخ تحذيري، معناه إنه هالمكان راح نقصفه ومعكم 5 دقايق بس لحتى تغادروه بعيدًا عن الظروف حتى لو كنت نايم وما سمعت راحت تتقصف برضو"، تلك الإشارة التي تُمهد للأسرة "إن ممكن نلحق نفسنا وننجو من القصف".
لكن ما حدث في تلك الليلة كان مختلفًا، قصف عشوائي دون أي سابق إنذار استهدف بناية آل زقوت المكونة من خمس طوابق و10 منازل، فجأة اخترق صوت قوي أذن يوسف، كانت صواريخ الاحتلال قد استهدفت الطابق الخامس من بنايته، هرول الشاب الفلسطيني سريعًا نحو والدته، كان المشهد يمشي ببطء في ثوانٍ قليلة "أمي كانت في حالة هلع من الصوت العالي والقصف والدخان والغاز وأغمى عليها سريعًا"، حاول حملها لنقلها خارج المنزل لكن تهاوت قوته "كان الغاز قوي ما دريت بحالي أنا كمان".
لم يعلم يوسف ووالدته كم من الوقت مضى عليهم وهم غارقين في غبار منزلهم "استيقظنا في المشفى، الجيران من حولنا دخلوا المنزل لمساعدتنا ونقلنا المسعفين"، لم يمس الضرر أجسادهم لكن تأذت نفسية الأم كثيرًا "أصوات القصف تسبب لها هلع كبير"، فيما اضطرت الأسرة للبحث عن منزل جديد "كانت رحلة صعبة خصوصًا الوضع الاقتصادي مش جيد، واضطرينا نجلس في منزل إيجار بـ200 دولار شهريًا" لكن تمتن الأسرة المكونة من خمسة أفراد "إننا لسة عايشين".
خلال 48 ساعة استشهد 34 فلسطينيًا في قطاع غزة، مع كل إعلان جديد عن اسماء الشهداء يئن آل زقوت "ممكن نبقى محلهم في أي وقت"، لكن ذلك لا يغير من طقوسهم اليومية، تنهمك الأم في أعمالها المنزلية بينما يخرج أولادها الثلاث للعمل "بالحرب بنحكي اللي كاتبه ربنا حيصير، لإنو مدراس وبيوت وجوامع بينقصفوا"، لكن تظل أمنية وحيدة للأسرة "إنو لو إجا موعدنا، نستشهد سويًا مشان ما حدا يتحسر على التاني".
فيديو قد يعجبك: