في يومهم العالمي.. حكايات 4 مسنين مع "أكل العيش" بعد الستين
كتب- محمود عبد الرحمن:
بجسدها النحيف ووجها الذي تكسوه التجاعيد، جلست "أم عيد"، وسط زحام السيارات التى تجمعت بمحيط ميدان الجيزة لنقل الركاب، تقبض بيدها على قطعة خشبية بها مجموعة من "ريش الدواجن"، تستخدمها في عملية إشعال الفحم وتسوية الذرة، التي لا تزال تبيعها رغم سنوات عمرها التي جاوزت الستين "أنا بقالي عمر في بيع الذرة، الحياة بقت صعبة ومصاريفها كتير"، تقول "أم عيد".
منذ ثلاثين عامًا، تعمل صاحبة الـ65 عامًا، بيبع الذرة، لم يمنعها كبر سنها من العمل؛ فهي تستيقظ في السابعة صباحًا، تتحرك من محل إقامتها بالقرب من مسجد عمرو بن العاص بمنطقة مصرالقديمة، للاتجاه إلي ميدان الجيزة لانتظار السيارة المحمّلة بالذرة التي تأتي من محافظة الفيوم لشراء ما يكفي يومها، ثم الذهاب إلى مكان جلوسها الذي لم تغيره على مدار تلك السنوات، لتبدأ رحلتها مع جني الرزق.
لا تعلم السيدة شيئًا عن اليوم العالمي لكبار السن الذي حددته الجمعية العامة للأمم المتحدة، في عام 1990، ليكون يوم 1 أكتوبر من كل عام، بحيث يكون احتفالًا بما أنجزه المسنين للمجتمع، ورفع نسبة الوعي بالمشكلات التي تواجهم مثل إساءة معاملتهم.
تقول السيدة الستينية، بعدما تزوج أولادها الخمسة، واستقل كل منهم ببيته، وتعرّض زوجها قبل ثلاث سنوات، لأزمة صحية أقعدته بالمستشفى لعدة أيام، تبين بعدها إصابته بسرطان الدم، ما أثقل الحمل عليها، وتحملت هي مصاريف علاج زوجها، ما أجبرها على مد فترات عملها بالشارع إلى منتصف الليل، بدلًا من العودة في الخامسة مساءً، كما اعتادت، تقول "بنحتاج أدوية غالية جدًا ولازم أشتغل علشان أقدر أوفّر المصاريف، لأن الموضوع صعب لما تتحمل مسؤولية واحد تعبان، مقدرش أبطّل شُغل".
أم عيد، واحدة من ضمن 6.5 مليون مسنّ يعيشون في مصر، تخطّت أعمارهم الستين عاماً، منهم 1.217 ملـيـون مسن ومسنة لا يزالون يعملون حتى اليوم، في العديد من القطاعات المختلفة كالزراعة والصيـد، والتجارة والنقل والتخزين، وبعض الأنشطة الأخرى، وفقا لتقرير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء الصادر في يناير الماضي.
مع دقات التاسعة صباح كل يوم، يغادر "عبد الله شعبان"، 60 عامًا، منزله بمنطقة أم المصريين، حاملا عبوة ووعاءً بلاستيكيًا مملوء بالترمس، الذى تعده له إحدى بناته، قاصدًا مستشفى الصدر بمنطقة العمرانية بالجيزة للجلوس أمامها يقول "ولادي بعد ما تعبت وقعدت في البيت قالوا نصرف عليك أنت واخوتنا البنات" إلا أنه يشعر بالعجز حال مكوثه بالمنزل، وأن يكون عبئًا على أولاده.
منذ 5 سنوات، توقّف الرجل عن العمل بإحدى شركات المقاولات الخاصة، نظرًا لتدهور حالته الصحية، ورغم ذلك لا يزال يطرق أبواب الرزق كل يوم، للمساعدة في تحمل نفقات بناته الصغار وكسرًا لروتين يومه، بينما يقول إنه لا يشغل باله كثيرًا باليوم العالمي لكبار السن أو غيره من المناسبات ما عدا "الأعياد الرسمية، عيد رمضان وعيد الأضحى معرفش غيرهم".
الأمر نفسه بالنسبة لـ"أم صلاح"، بائعة الليمون بالعتبة، فهي ترى أن طقوس الأيام واحدة، وإن اختلفت مسمّياتها أو مسمّيات المناسبات المرتبطة بها، كل ما يشغل السيدة الستينية أن تحافظ على طقسها اليومي الثابت في طلب الرزق، من ساعات الصباح الأولى، وذلك لضغط أصحاب مطاعم الفول على شراء الليمون في الصباح تقول "أكتر بيع في الصبح بتوع المطاعم بياخدو كميات مني".
في منطقة باب الشعرية تقطن أم صلاح، برفقة أولادها المتزوجين وأطفالهم، لا تجد في مكوثها بالمنزل من نفع لذا تفضل العمل بحثًا عن الرزق، لكى لا تكون عبئًا على أبنائها الذين يتحمل كل واحدًا منهم أسرته، تقضي اليوم بأكمله في الشارع، ومثلها "نعمة صادق"، بائعة خضار بمنطقة "أم المصريين"، فرغم المشاكل التي تواجهها في العمل بالشارع إلا أنها تقول أن وجود أصحاب المحلات والبائعين المجاورين يعوّضها الوحدة التي باتت تعيشها منذ وفاة والديها قبل سنوات طويلة، خاصة وأنها لم تتزوج حتى الآن.
قبل 50 عامًا، قدمت نعمة التى تخطت السبعين عامًا، من محل إقامتها بمركز ديرمواس التابع لمحافظة المنيا، لزيارة شقيقتها المتزوجة بأحد ضواحي الجيزة، أعجبتها أجواء المدينة، لذا ظلت تتردد من وقت إلى آخر لزيارتها، ومع وفاة والديها اتخذت قررها بالعيش بالقاهرة والبحث عن عمل يساعدها على ظروف الحياة الصعبة "أخدت أوضة وقعدت فيها علشان متقلش على أختي وقولت أشتغل في الخضار".
فيديو قد يعجبك: