لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

هديل تحقق حلمها بتركيب مسار آمن للمكفوفين في الأردن

03:46 م الثلاثاء 25 سبتمبر 2018

المسار الآمن للمكفوفين في الجامعة الأردنية

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-إشراق أحمد:

وقفت بكرسيها المتحرك أمام بلاطات صفراء، بعضها ذات بروز. امتد بصر هديل أبو صوفة على طول الطريق، بينما يسير بعض طلاب الجامعة الأردنية بعصيهم البيضاء، يتحسسون المشي على ذلك المسار الجديد، وقتها تذكرت زميلها حمزة، تَمثل أمامها ما لاقاه حين كان يسير بلا مرافق، رنت في أذنيها كلمات وقعت على سمع الشاب الكفيف "أنت ما بتشوف؟"، وتجاوز الرد أحيانًا إلى رمي عصاه أرضًا. دمعت عينا الشابة العشرينية؛ فاليوم يمكن لمن مِثل حمزة أن يسير وحيدًا بعدما أقيم أول مسار آمن في الأردن داخل الصرح الجامعي.

كان إقامة طريقًا مهيأ للمكفوفين، جزءًا من حلم كبير لهديل، بأن يحظى ذوي الاحتياجات الخاصة بحقهم في بيئة ملائمة داخل الصروح التعليمية، يتساوون فيها مع زملائهم. لمست الشابة ما يواجهون من صعوبات، منذ كانت في الحادية عشر من عمرها "كنت بمشي ووقع لي حادث وصرت من الأشخاص اللي بتستخدم كرسي متحرك".

1

"كنا نصوم لتاني يوم ما ناكل ولا نشرب عشان ما في دورات مياه مهيأة، ونُحمل حوالي 20 درجة –على السلم- لأن ما في مصاعد ولا منحدرات" تتذكر الشابة ما واجهت حين التحقت بالجامعة الأردنية عام 2010، لذلك قررت مع رفاق لها في مثل الظروف أن يطلقوا مبادرة اسموها "صار وقتها" عام 2012، لكتابة مطالب الطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة وتقديمها للجامعة والعمل على تنفيذها.

تخرجت هديل في كلية التغذية بالجامعة الأردنية عام 2015، إلى هذا التاريخ عايشت الشابة فرحة إنجاز عدة مطالب بالنسبة لها ورفاقها أحلام تحتاج لسنوات؛ أصبح هناك نحو 21 دورة مياه ومصاعد مهيأة، ومكتبة تسجيل صوتي للمكفوفين، وتوفر مترجمين إشارة للصم والبكم، مما مكنهم من الالتحاق بـ13 تخصصًا بدلاً من أربعة ظلوا لا يحيدون عنها لأعوام طوال، أما المسار الأمن فظل فكرة "كنا بنفكر فيه لكن قلنا هذا شيء مستحيل وحلم فما كتبناه في المطالب. قلنا يمكن ننجزه الفترة القادمة".

أكلمت هديل مسيرة المبادرة بعد مغادرتها الحياة الجامعية، حصلت على العديد من الدورات المتعلقة بحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، عملت بإحدى المنظمات الدولية، ولم تدر أنه لن يفصلها عن تحقيق حلم المسار الآمن سوى خطوات؛ تقدمت الجامعة الأردنية للمنظمة التي تعمل بها الشابة بمشروع لإقامة طريق للمكفوفين داخل الحرم الجامعي.

2

لم يحمل المشروع أي تفاصيل واضحة تُشجع المنظمة الدولية على تمويله، لكن هديل تمسكت بحمل المهمة، باعتبارها المنسقة والمتابعة للمقترح، وبدأت الرحلة من الصفر كما تقول، أخذت تبحث عن خبراء خارج الأردن، إذ أنه أول مشروع يخدم ذوي الإعاقة في المملكة الهاشمية، لكن المشوار ما كان يسيرًا "كانوا يقولوا لي هاي الأشي صعب يصير عندكم لأن التحديات كتير كبيرة مفيش خبراء يركبوا هاي البلاط ولا مكان يتصنع فيه".

ثلاث أعوام من النقاشات حول إعطاء الجامعة المنحة، وما بين الكلمات الداعمة حينًا والمحبطة حين آخر "رفقاتي أكتر من مرة يقولوا لي خلاص خلينا نسحب المشروع مش هنكمل هاي الشيء مش راح يظبط"، لكن هديل عكفت على السفر إلى أمريكا والدراسة الجيدة إلى جانب المهندس الجامعي المشرف، سعيد عياصرة الذي زار اليابان.

أقيمت الورش التعريفية بالمسار الآمن للمكفوفين، وكيف يمكن أن يحقق الاستقلالية لهم، واصلت العمل حتى تقدم عدد من المصانع للتعاون في خوض التجربة، وتم طرح العطاء لتثبت خطوات تحقيق الحلم على أرض الواقع، بتمويل المنظمة الدولية وإشراف الجامعة.

3

في العاشرة صباح يوم الثلاثاء، 18 سبتمبر الجاري، افتتحت المرحلة الأولى للمسار الآمن، البالغ طوله 600 مترًا، وتوضح هديل فكرة المسار بأنها تركيب لمؤشرات أرضية، وتشمل نوعين من البلاط، إحداها توضع طولية وبذلك تعطي إشارة لعصا الكفيف أن الطريق مستمر، فيما الأخرى تحوى بروز تحذره من وجود عائق أمامه ليتفاداه، أما اللون فأصفر فاقع، ليتمكن ضعاف البصر من السير عليه بأريحية.

ما بين 180 إلى 200 طالبًا داخل الجامعة الأردنية من ذوي الإعاقة البصرية مُقدر لهم أن يستخدموا المرحلة الأولى للمسار. بداية من البوابة الرئيسية، مرورًا بنقاط حيوية داخل المكان من مقر رئاسة الجامعة، شؤون الطلبة، ماكينة الصرف، المصلى، والمطاعم المتواجدة في منتصف الجامعة، سيتمكن المكفوفون من الوصول وحدهم إلى هذه الأماكن دون انتظار مرافق يأخذ بأيدهم كما تقول هديل.

4

دمعت عينا هديل عقب التجريب الأول للمسار الأمن، وانتابتها الحالة ذاتها يوم الافتتاح، بعدما رأت الطلاب يسيرون على الطريق الأصفر، حدثت نفسها "معقول هاي الحلم اللي كنت بشوفه بالصور في اليابان صار حقيقة"، وفاقت من شرودها على كلمات رنت في أذنيها لأحدهم يمسك عصاه البيضاء وينظر للمسار قائلاً "أنا وياك صرنا صحاب.. خلاص راح أمشي واتدرب عليك أكثر.. مش راح يكون في عائق ولا مساعدة من حدا". حينها شعرت هديل بالفخر، وأنه بإمكان ذوي الإعاقة الحياة باستقلالية، إذا ما وُفرت البيئة المهيأة.

تنتظر هديل بشوق تنفيذ المرحلة الثانية للمشروع، والذي يبلغ طوله كيلو متر كامل، بتنفيذها يمتد الطريق ليشمل كافة أرجاء الجامعة. تمتن الشابة للفرصة التي مكنتها من الحلم طالبة واستكماله ناشطة ومدربة عن حقوق ذوي الإعاقة.

تطمح الشابة العشرينية في المزيد، تُحصي عدد طلاب الجامعة الأردنية من أصحاب الاحتياجات الخاصة بـ400 شخص، فيما يبلغ تعدادهم بشكل عام قرابة مليون من كامل إحصاء سكان الأردن البالغ 9 مليون نسمة، لا تتوقف هديل عن العمل والحلم بأن تواصل دفاعها عن ذوي الإعاقة، وتصبح المملكة الهاشمية كلها مهيأة لهم.

فيديو قد يعجبك: