بعد حصوله على وسام "فارس الفنون" من فرنسا.. مصراوي يحاور الموسيقار هشام جبر
حوار- رنا الجميعي:
تصوير- روجيه أنيس:
في مايو الماضي منحت الدولة الفرنسية الموسيقار هشام جبر، وسام "الفنون والآداب" بدرجة فارس، يُعد الوسام من أرفع التكريمات الممنوحة لمصريين، على رأسهم كان نجيب محفوظ ويوسف شاهين، ويعتبر المايسترو جبر أصغرهم سنًا.
لم يتعدّ عمر جبر الـ 46 عام، كرّس حياته للموسيقى، عمل في محرابها كعازف ومؤلف موسيقى وقائد أوركسترا، مسّ بعصاه الموسيقية عددا من الأفلام منها "صايع بحر" و"فيلم هندي" و"الشوق"، ورغم المعروف عمن يهوى الموسيقى ابتعاده عن الروتين، لكنه لم يهاب المناصب الإدارية، فشغل لثلاثة أعوام منصب مُدير مركز الفنون بمكتبة الإسكندرية، خلالها كان مشهد اصطفاف الجمهور لسماع الموسيقى مُعتادًا، وغادره بعدما أخلص للتجربة، ليرجع لثوب الموسيقيّ الحُر.
مصراوي حاور المايسترو هشام جبر بعد فوزه بوسام الفارس، يتكلم الموسيقار عن بدايته وفضل والده عليه، يُناقش حال الموسيقى في مصر، ويتذكر أعماله المُتفرّدة، وتجاربه المختلفة، وتقييمه لتجربة الإدارة، وأعماله القادمة.
حدثنا عن تفاصيل ترشيحك لوسام "فارس الفنون والآداب"، وشعورك وقتها.
منذ عام وصلني بريد إلكتروني بترشيحي من الدولة الفرنسية للوسام، وكانت سعادتي بالغة وقتها، وفي النهاية تم قبول الترشيح وتم منحي هذا التكريم الكبير.
عدد قليل من مصر تم منحهم ذلك الوسام الرفيع، هل تعلم ما هي المعايير الخاصة بالترشيح؟
يعتمد الترشيح على أن يكون الشخص المرشح لديه واحد من ثلاث مجالات أو لديه أكثر هي؛ أن يكون صاحب إسهامات فنية، أو أدبية، أو أن يكون لديه ما قدّمه لنشر الثقافة الفرنسية، والثالث هو أن يكون ناشط بمجال الثقافة في بلده، لا أعلم تفاصيل ترشيحي حقيقة ، فأنا غير مخول بالاطلاع عليها، لكن أظنّ أن الترشيح جاء بسبب نشاطي في مجال الفنون، فأنا قائد أوركسترا ومؤلف موسيقي، كذلك شغلت منصب مدير مركز الفنون بمكتبة الإسكندرية لثلاث سنوات.
ما هي دلالة التكريم بالنسبة لك؟
مُلئت تواضعًا، كوني مُنحت وسام رفيع لم يحصل عليه سوى قليلين ممن يعدوا على الأصابع من مصر، مثل نجيب محفوظ، وأظن أني أضغرهم سنًا، جلالة التكريم جاءت أيضًا كوني لم أتلق أية تقدير داخل بلدي.
أقيم حفل التكريم داخل السفارة الفرنسية في مصر، 7 مايو الماضي، مَن مِن الشخصيات العامة حضر؟
تواجد دكتور مصطفى الفقي مدير مكتبة الإسكندرية، ولم تتمكن من القدوم دكتورة إيناس عبد الدايم في اللحظات الأخيرة.
منحت الوسام إهداءً لمجهولين في مصر، هل كنت تلمح لأسماء بعينها.
لا لم يكن مقصود أحد بعينه، مصر مليئة بقامات فنية كبيرة لم يسمع بها أحد، ويستحقون كل تكريم وتقدير، وأعتبر الوسام تكليل لمجهوداتنا جميعًا.
كيف تنظر إلى تأثير الموسيقى على الشعوب؟
أرى الموسيقى أهم جسر بين الثقافات، لا تحتاج إلى ترجمة، نتمكن جميعًا من الإحساس بها، وتعتبر الموسيقى أهم طريقة يتمكن من خلالها الناس للتعرف على ثقافات أخرى.
إذا أراد أحد التعرف على مصر من خلال الموسيقى، ماذا ترشح له؟
مصر مليئة بألوان عديدة من الموسيقى، بعيدة عن الموسيقى المعتادة، لدينا ثقافات محلية كثيرة؛ مثلًا مدن القناة لها طابع خاص، كذلك هناك موسيقى خاصة بأهل الصعيد، والبدو والواحات وسكان الحضر "اللي عايز يعرف مصر لازم يسمع كتير أوي".
وبالنسبة لك.. إذا جاءك الحنين لمقطوعات مصريّة خالصة ماذا تسمع؟
أحبّ أم كلثوم بشكل مرضي، ثم نجاة وعبد الوهاب وسيد درويش، وأرى أنه لو كان أمهله القدر لاستطاع تغيير الموسيقى في المنطقة العربية كلها، لكن بشكل عام فإن الموسيقى الشعبية أو الفلكلورية، غير المقصود بها المهرجانات، تُعرّف مصر بشكل جيد "عندنا آلات بتاعتنا زي الأرغول والربابة والسمسمية".
معروف عنك أنك مُحب للموسيقى الكلاسيكية أيضًا، قدمت مؤلفات غربية، فأين روح الشرق في أعمالك؟
بالفعل أحب الموسيقى الكلاسيكية "تركيبتي كدا"، لكني قدّمت أعمال فيها طابع شرقي "في الآخر أنا متربي هنا وعارف دوشة الشارع اللي بتنعكس على موسيقتي"، منها سميفونية "إلى عامل جديد"، هي في قالب كونشيرتو للعود والجيتار، قدمتها الأوركسترا في ألمانيا وبولندا عام 2013، وكانت السيمفونية عبارة عن حوار بين الآلتين كحوار بين الشرق والغرب.
هل هناك محاولات شرقية قادمة؟
نعم، أستعدّ لتقديم احتفال في افتتاح مهرجان بعلبك، أحد أهم المهرجانات الفنية في المنطقة العربية، تحتفي المدينة اللبنانية بمرور خمسين سنة على زيارة أم كلثوم لها، حفل الافتتاح عبارة عن أوركسترا سيمفوني مع مطربتيْن، هي تجربة جديدة تقدم فيها الأوركسترا موسيقى شرقية، الحفل في 20 يوليو القادم، أتمنى أن تكون تجربة ناجحة.
سيرة مشرفة في مجال الموسيقى، مؤكد أن بداية الطريق كانت دافعًا لذلك؟
بالتأكيد، الدافع والدي إسماعيل جبر الذي امتلك اهتمامات أدبية وفنية، كان كاتب قصة قصيرة وكاتب مقالات، ورسام ومثّال، لما كان عندي 5 سنين أدرك والدي بداية اهتمامي بالموسيقى، رافقني حين أكملت الخامسة إلى كورال الأطفال بأكاديمية الفنون، ونجحت بالاختبار وقتها، وعند السبع سنوات تقدّمت إلى معهد الكونسرفتوار حتى البكالوريوس "والدي كان مبسوط إن الفن الوحيد اللي مقدرش يتعلمه أنا اتعلمته ودا الشئ اللي حرّكني".
بالنسبة للبدايات إلى ماذا استمعت؟
في البداية انجذبت إلى الموسيقى الشرقية بحُكم العادة، وتذوّقت في المعهد الموسيقى الكلاسيكية، وفي مرحلة الشباب انجذبت إلى الأغاني الغربي، لكن مع وصولي للأربعين عُدت مرة أخرى إلى الموسيقى الشرقية "الواحد بيبقى عنده شغف للاكتشاف، وبعدين يرجع تاني للأساس".
تمزج بين ثلاث مسارات في الموسيقى، عازف ومؤلف موسيقي وقائد أوركسترا، كيف حدث ذلك؟
لم أكتفِ بكوني عازف، تعلمت قيادة الأوركسترا عام 2002، وبالتوازي بدأت أؤلف موسيقى للمسرحيات والأفلام التسجيلية، قمت بعمل موسيقى تصويرية للعديد من الأعمال منها مسلسل وحيد، كما ألفت مسرحيات "ميوزيكال"، لكن في عام 2009 تخليت عن كوني عازف "حسيت إنه صعب أبقى التلاتة في وقت واحد، وقررت أتوقف".
حدّثنا عن تجربة تأليف الموسيقى للمسرحيات ثُم تجربة "الميوزيكال".
في البداية كنت أقوم بتأليف موسيقى تصويرية لمسرحيات الجامعة، بعدها ألّفت موسيقى لمسرح الدولة، وفي 2009 قابلت المخرج نادر صلاح الدين، وهي ثاني مرة أقابله فيها بعد تعاون ثنائي لمسرحية "منديل الحلو" عن رؤية نعمان عاشور للمسرحية العالمية "عطيل"، في المرة الثانية التي تقابلنا فيها فكرنا في عمل "ميوزيكال"، اسمها براكسا، هي رؤية ممزوجة بمسرحية توفيق الحكيم والمسرحية اليونانية "برلمان النساء".
هل هناك فارق بين المسرح الغنائي والميوزيكال؟
"اه طبعًا، المسرحية الغنائية لو اتحذف منها الموسيقى مش هتفرق في الدراما، لكن في الميوزيكال هي جزء من الدراما".
في تلك الفترة هل كان من المعتاد إنتاج "ميوزيكال"؟
لا، كانت هناك محاولات سابقة لكنها لا ترقى "الميوزيكال مكلف جدًا"، على الأغلب براكسا هي أول "ميوزيكال" في مصر، "بقى بيتقال دلوقت كتير دلوقت أول ميوزيكال ومش عارف هنفضل عايشين على الجملة دي لحد امتى"، وقتها قدمنا العرض بدار الأوبرا، وحقق نجاح كبير، في 2011 تمت دعوتنا لعرضه في دار أوبرا مسقط، قدّمنا بعدها أنا ونادر ميوزيكال ثاني في الحفل الافتتاحي بالمسرح الوطني للاحتفاء بالمنامة 2013، كعاصمة للسياحة العربية، عن رحلة ابن بطوطة من المغرب للبحرين، وعرضناه ثانية في دار أوبرا مسقط وميلانو الإيطالية عام 2015.
حينما تأتيك دعوة من أحد الدول العربية، كيف تكون نظرتك لذلك؟
"مصر تاريخها الموسيقي كبير أوي"، ولدينا مدرسة كبيرة في ذلك وتقاليد واضحة، دون أي شوفينية لا تنافس القامات الفنية في مصر أحد، ودعوتنا كموسيقيين نتيجة طبيعية لذلك.
بالنسبة لمصر، هل ترى اهتمام الدولة بالموسيقيين كافي؟
لا يقدر الإنسان التنفس بغير وجود غلاف جوي، كذلك فإن الموسيقيين لا يتمكنوا من الإبداع الجيد في محيط غير مهتم بهم، ستحدث النهضة الحقيقية حينما تضعنا الدولة نصب عينيها، وعليها معرفة أن لا أحد يضيرنا في القوى الناعمة "عمرنا ما هنبقى أغنى من دول الخليج، ولا جبالنا هتكون أحلى من جبال لبنان.
خلال شهر رمضان تم اقتباس ألحان الإعلانات من مقطوعات سابقة، كيف ترى ذلك.. استسهال أم ماذا؟
أنا لا أحب ذلك؛ لكن تلك التجارب موجودة في العالم كله "السيمفونية الخامسة والتاسعة لبيتهوفن اتألف عليها ألف عمل، طبعًا لا توازي قيمة العمل نفسه"، ولكنه ليس استسهال بقدر ما يعتمد المسئولون على استثمار الأثر النفسي الموجود عند الناس لتسويق المنتج "لكن دي سُنّة الحياة، ودايما فيه عظماء بيعملوا حاجات كبيرة أوي وناس تانية بيحاولوا يستفيدوا من نجاح العظماء ده".
خُضت تجارب مُنوعة في مجال الموسيقى، بين التأليف الموسيقي البحت والموسيقى التصويرية والموسيقى الدرامية، ما الفارق بينهم؟
"كل واحد له لذته"، مثلًا الموسيقى التصويرية التي تعتمد بالأساس على وجود عمل فني كفيلم أو مسلسل ثُم يتم تركيب مقطوعة عليها "ودي فيها نوع من التحدي ومتعة كبيرة أوي لما ينجح"، إنما التأليف الموسيقى البحت أهم تجربة عند الموسيقيين "مبيكونش فيها حدود للأفكار، ومبتستخباش فيها ورا الدراما، ومينفعش فيها الموسيقى تقف".
وماذا عن علاقتك بالأعمال المقدمة للأطفال؟
هي من أقرب الأعمال لقلبي، لديّ مشكلة كبيرة في التعامل مع الأعمال الفنية للأطفال "ناس كتير بتستسهل موسيقى الأطفال"، رغم أن الثابت علميَا أن الذكاء الفطري لدى الأطفال أكبر من الكبار "كدا بحاول إني أعاملهم كناس سنهم صغير لكن مش ناس مش أذكيا".
شغلت منصب مدير مركز الفنون بمكتبة الإسكندرية بنجاح لثلاث سنوات، كيف تُقيّم تجربة الإدارة الآن؟
يوجد مثل يقول لا أعلم ما هي اسباب النجاح لكن أعرف أسباب الفشل وهي محاولة إرضاء الجميع، تلك كانت خبرة مهمة جدًا اكتسبتها من الإدارة ألا أحاول إرضاء الجميع، كذلك يجب على المرء القيام بما يراه في مصلحة المكان ولأجل الفن الذي يقدمه.
لديك مكانين قضيت فيهما أوقاتًا وأعمارًا، دار الأوبرا ومكتبة الإسكندرية، ماذا يمثلا لك؟
دار الأوبرا هي بيتي الأصلي وجنسيتي التي اكتسبتها بالميلاد، ولا يوجد مكان آخر يمكن أن يعوضه، هناك أصبحت أصغر عازف بأوركسترا القاهرة السيمفوني، كنت وقتها في السنة الثالثة بالكلية، الأوبرا تمكنت من تقديم فن يليق بتاريخنا وبالتقاليد الأوبرالية الموجودة في مصر منذ أكثر من 150 عام، كأول بلد أدخل تلك التقاليد، أما بالنسبة لمكتبة الاسكندرية هي موطني بالاختيار، وسعدت بالتجربة.
جُزء من المشهد الموسيقي الآن وقد فرض نفسه، هو وجود الفرق المستقلة، حديثًا واجهت مشكلات مع الدولة، كالإلغاء، كيف ترى ذلك؟
لا أرى أن ذلك يمكن أن يحدث في عصر الانترنت والسموات المفتوحة، عصر لا يمكن الحجر فيه على أي فكر، ولا يمكن إيقاف أي فكر بالقوة، والكلمات التي تريد إيصالها تلك الفرق ستصل في النهاية، لأن ما تقوم به الدولة يؤدي إلى إضفاء بطولة على صورتهم، لا أرى فكرة الإسكات جيدة، أنا مع حرية التعبير.
فيديو قد يعجبك: