أجيال "الشرق الأوسط" يسردون لـ"مصراوي" حكاياتهم مع "الأسطى" آمال فهمي
كتبت- فايزة أحمد:
في العام الذي سبق 1964، كان بعض المذيعين بدأوا لتوهم تجارب قليلة لإنتاج وإذاعة برامج "تقليدية" -كما تصفها الإذاعية سناء منصور، عبر أثير الإذاعة الوليدة آنذاك "الشرق الأوسط"، إلى أن قَدَمت آمال فهمي إليها، مُحدثة طفرة كبيرة أساسها الإيقاع السريع والأفكار الجديدة، جعلت الآذان والعيون تتوجه صوب ما يُذاع داخل تلك الإذاعة التي حققت شهرة ونجاحات واسعة تستند عليها حتى اليوم الأخير من عُمر آمال فهمي، التي وافتها المنية أمس الأحد، عقب صراع مع المرض عن عمر ناهز 92 عامًا.
إجراءات عدة، وأفكار لا حصر لها، طرحتها آمال فهمي على زملائها وتلاميذها في الإذاعة، من أجل الخروج بشكل جديد للإذاعة التي كانت ماتزال وليدة، رافضة أن تعتمد على اسم برنامجها الذي وصلت شهرته عنان السماء وقتذاك "على الناصية" والذي كان يُذاع عبر أثير "البرنامج العام"، فتوصلت إلى "لما حبت تعمل برنامج عن اللغة العربية أبجد هوز" أصرت تروح لطه حسين بيته وتخليه يسجل المقدمة بتاعته بصوته وألفاظه الرصينة". تحكي سناء منصور لـ"مصراوي"، عن ذكرياتها مع "الأسطى" آمال فهمي في "الشرق الأوسط".
تحديات كبيرة وضعتها آمال فهمي نصب عينيها كأول رئيس إذاعة للشرق الأوسط، سرعان ما حققتها بلباقتها وثقافتها حينًا، وخبرتها وعشقها للإذاعة حينًا آخر، تجلى ذلك تحديدًا حين كشفت عن رغبتها في إقناع الكاتب إحسان عبد القدوس بتقديم برنامج داخل إذاعتها، في وقت كان يرفض فيه الأخير الإدلاء للإعلام ولو بتصريح واحد "قدرت تخليه يعمل برنامج يومي في الشرق الأوسط، كان يقول قصه من قصصه ويختم فقرات الإذاعة في أخر اليوم بجملته الشهيرة: تصبحوا على حب".
كان لكل هذه المهام التي نجحت "آمال فهمي" في تحقيقها، أن تجعل من "سناء" وجيلها بأكمله يقفون مشدوهين أمام ما تفعله الإذاعية الراحلة، حتى تشربوا منها المهنة والمهنية في آن معًا "كان عندها نظرة سابقة عصرها للإعلام.. غير كل الإعلاميين اللي الساحة حاليًا"، آمنوا جميعًا بذلك حتى صاروا أصدقاءً لا تنقطع علاقاتهم ببعض حتى في اللحظات الأخيرة التي رفضت أن يرفقها أحدًا فيها "قالت لي كلميني تليفون بس، كلمتها أخر مرة في عيد الأم، بس مكنتش موجودة.. كنت متعودة أكلمها ونقعد نضحك ونفتكر عملنا إيه السنة اللي فاتت".
سار مطلب الإذاعية الراحلة على جميع زملائها وتلاميذها، عدا الإذاعية حكمت الشربيني، التي حرصت على زيارتها في مستشفى القوات المسلحة في أيامها الأخيرة، للعلاقة الوطيدة التي ربطتهما إبّان تواجدهما في "الشرق الأوسط" "علاقتي بآمال فهمي زي أم وبنتها"، بحسب ما قالته لـ"مصراوي".
بصوت متهدج، تسرد حكمت الشربيني حكايتها مع آمال فهمي المُعلمة التي احتضنت الجيل الصغير الوافد على إذاعتها حينذاك، حتى خلقت منهم نجومًا لمعت أسمائهم وأصواتهم في سماء الإذاعة "وصل بينا الحل إننا ننافس عمالقة صوت العرب والبرنامج العام"، وذلك باتباع القواعد التي ظلت فهمي تسير عليها حتى أخر مرة تحدثت فيها أمام الميكرفون "ماكنتش تحب الصوت العالي للمذيع، كانت دايمًا تقول الضيف يقول كل اللي عاوزه بدون مقاطعة.. ذاكروا كويس قبل ما تطلعوا هوا".
ترفض "حكمت" اختصار سيرة "الأستاذة آمال" في برنامجها "على الناصية" التي ظلت تقدمه على مدار (47عامًا) دون كلل أو ملل "طبعا كان نجاحه كبير بس ده بجانب برامج كتير لها نجحت سواء سياسة ولا ترفيه"، لكنها لا تنكر بأنها تعرفت على آمال فهمي عن طريق "على الناصية" حين كانت في العاشرة من عمرها، غير أنها لديها قناعة ترددها باستمرار "آمال فهمي كانت جامعة إعلامية وثقافية كاملة".
مواقف إنسانية عدة جمعت الإذاعية الستينية بالإذاعية الراحلة تلك التي بذلت مجهودًا كبيرًا من أجل إنشاء مستشفى "سرطان الأطفال" لإيمانها بحق كل طفل في العلاج؛ لطالما رأت فيهم المستقبل "لما كان فيه حد عاوز يتعالج في المستشفى نعرفه كنا نجري عليها عشان تدخله ويتعالج"، حتى وصل بها الأمر إلى أنها "كانت بتجمع مننا ومن كل اللي تعرفهم الزكاة للمستشفى".
داخل مستشفى القوات المسلحة، لم يشغل المرض "فهمي" عن أبنائها وتلاميذها في الإذاعة، إذ كانت تصر على معرفة أخبارهم عن كثب، إلاّ أن حكمت الشربيني بلباقة معتادة كانت تمرر لها الأخبار الجيدة فقط "كنت بخاف عليها لأنها كانت بتزعل وتتأثر لو عرفت أن حد منهم تعبان أو لا حالته مش كويسة"، لكن ذلك لم يفلح مع الإذاعية التي اعتادت التنقيب والبحث عن المعلومة حتى في علاقاتها الإنسانية "لما أروحلها تاني تقولي أنت خبيتي عليا يا حكمت أن فلان مات".
أحاديث عدة دارت بينهما في المستشفى، ذكرياتهما ومواقفهما الطريفة، وحال الدنيا بوجه عام، حتى كلماتها الأخيرة التي باحت بها لحكمت الشربيني "قالت لي أنا تعبت يا حكمت مابقتش قادرة أتحمل"، يهتز صوتها "الحمد الله أنها ارتاحت".
رحيل آمال فهمي عن دنيا الإذاعة وعن الحياة، لن ينه سيرة ومسيرة إعلامية حفرتها بمخالبها وعقلها الذي لم يتوقف عن الإبداع والبحث عما هو جديد، تركة لازالت أجيال "الشرق الأوسط" يسلمونه لبعضهم بعضَا، حتى الجيل الأخير التي تتزعمه رئيس إذاعة الشرق الأوسط حاليًا، الإذاعية دلال الشاطر، تلك التي تربت على صوت آمال فهمي وبرامجها خاصة الفوازير التي ابتدعتها في الإذاعة للمرة الأولى "كلنا اتربينا على صوتها".
حتى الآن، تسير "دلال" في عملها على قواعد "الأستاذة" التي رسمتها للشرق الأوسط منذ يومها الأول بداخلها "كان هدفها توصيل المعلومة بشكل سريع"، وهي الطريقة التي مازالت متبعة "الشرق الأوسط يعني آمال فهمي اللي دخلت فكرة البرامج السريعة لينا".
لم تجمع رئيس الشرق الأوسط الحالية مواقف كثير بأول رئيس للإذاعة نفسها، لكنها كانت تحرص على خلق بعض الأحاديث القليلة بينهما أثناء تواجدها بالإذاعة.
تختلف دلال الشاطر وحكمت الشربيني وسناء منصور في فتراتهم داخل "الشرق الأوسط" كما تخلف أجيالهم وتجاربهم، لكنهم يتفقون حول شيء واحد وحقيقة واحدة لا لبث فيها "آمال فهمي قامة إذاعية لن تتكرر مرة أخرى".
فيديو قد يعجبك: