بعد احتراق أحد مبانيها.. "مصراوي" يرصد ساعات الفزع بين طلاب مدينة البعوث
كتبت- علياء رفعت:
في محيط مدينة البعوث الإسلامية بالدراسة؛ بدا الوضع هادئًا. طُلابٌ يدخلون إلى المدينة وآخرون يخرجون منها مهرولين وهم يحملون الكتب مُتجهين لمحضراتهم بجامعة الأزهر، أو لأداء امتحاناتهم المُرتقبة.
هكذا قضى الجميع يومهم، غير أن اليوم السابق - الثانية ظهرًا - كان الوضع مُختلفًا تمامًا حين علت أصوات الطلاب بضجيجٍ غير معهود، فانتشر رجال الأمن الإداري، بينما دب الرعب والهلع في نفوس الجميع إثر نشوب حريقٍ هائل بالمدينة.
"اتفاجئنا بأصوات صريخ واحنا ع البوابة" قالها وائل الثلاثيني، أحد عمال الأمن بالمدينة، وهو يصف أحداث ذلك اليوم الذي انقضى بعد أن بث الخوف في قلوب كل من يسكن المدينة أو يحرسها.
كانت ألسنة اللهب تتطاير من الدور الأرضي بأحد المباني حين وصل "وائل" إلى مكان الحادث، بينما تدافع الطلاب في موجاتٍ متتالية وهم يشقون طريقهم إلى خارج المبني الذي توقعوا انهياره.
"كان كُل همنا نحاول نطفي النار اللي مسكت في المخزن عشان متطولش الأدوار اللي فوق" كان ذلك هو ما عمل عليه رجال الأمن الإداري للمدينة قبل وصول الحماية المدنية والسيطرة على الحريقِ بشكلٍ كامل.
في تلك الأثناء كان "محمد" يجلس في غرفته بعد أن قرر الغياب من الجامعة في ذلك اليوم رغبةً في مذاكرة قدرًا كبيرًا من منهج الشريعة الذي سيؤدي فيه امتحانًا هامًا بعد عِدة أيام.
ضجيجٌ متصاعد أفزع الطالب الباكستاني من مكانه، لينطلق إلى الخارج ليرى ما يحدث، ولكن كثافة الدخان حالت بينه وبين ذلك ليجد نفسه بين مجموعة كبيرة من الطلاب الذين يتسابقون على الخروج من المبني.
"كانوا بيلحموا شوية شبابيك عشان بيجددوا المدينة بس شرار كهربي تطاير من الدور الأول ع الأرضي ومسك في كُهنِة المخزن" هكذا نشب الحريق حسبما وضح "وائل"، فمخزن المدينة بالدور الأرضي كان يحتوى على أشياءٍ عديدة قوامها الخشب والذي ساعد على اشتعال الحريق وتصاعد الأدخنة بقوة إثر وصول النيران إليه.
أمام مدينة البعوث وقفت مجموعة من الطلاب الأفارقة وهم يتحدثون عن الحريق الذي التهم المبنى الذي كان يقيم به صديقهم "محمود عُمر".
يسترجعون لحظات الرعب المؤلمة التي عايشوها أمس، ففور سماعهم باندلاع الحريق في المبنى توجهوا إليه على الفور للاطمئنان على صديقهم، غير أن بحثهم طال دون أى جدوى تُذكر، فالدخان الكثيف يمنعهم من الرؤية.
يهرولون يمينًا ويسارًا وهم يسألون الواقفين من الذين استطاعوا الخروج إن كانوا قد رأوا محمود، يسألون عن حاله جميع الطلاب الآخرين، ولكنهم لا يجدون جوابًا وكأن الأرض انشقت وابتلعته.
بعد مرور نحو ساعتين، وبعد السيطرة على الحريق تمامًا؛ علم أصدقاء محمود بأنه قد تم نقله ضمن إحدى عشر طالبًا آخريين ممن أصيبوا أثناء محاولتهم الخروج من المبني بعد نشوب الحريق. ليقرر الأصدقاء على الفور التوجه لمستشفى "الحسين" الجامعي -حيثت تم نقله- للأطمئنان عليه وبقية زملائهم.
وكلف فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، قيادات الأزهر الشريف بالتوجه الفورى لمدينة البعوث الإسلامية للاطمئنان على الطلاب.
وبينما أشار وكيل طب الأزهر، إلى أنه سيتم إجراء من 3 إلى 4 عمليات للطلاب المصابين في الحريق، وسيتم تحديد ذلك بعد الانتهاء من الأشعة وعمل اللازم انتقل فريق من النيابة العامة إلى مبنى المدينة، لمعاينة مكان الحريق الذي شب في الطابق الأرضي.
وتم انتداب المعمل الجنائي لمعرفة أسباب الحريق، وكذا طلبت النيابة تحريات المباحث حول الواقعة.
بين أروقة مستشفى الحُسين، كان رفاق "محمود" يتسائلون عن رقم غرفته وبقية زملائهم. "الدور التالت مبنى الجراحة (ا)" هكذا أجابهم أحد العاملين بالاستقبال، ليتوجهوا نحو الدور الثالث وبرفقتهم محررة مصراوي، مُتسائلين عن رقم غرفة الطلاب المصابين.
في غرفةٍ واسعة بآخر طُرقة الطابق الثالث، كان يجلس حوالي خمسة عشر طالبًا على أسرة مختلفة، جميعهم مصابون بكدمات وسحجات بالإضافة إلى بعض الكسور في أماكن متفرقة.
الجميع ليس لديه حديث سوى ما حدث في اليوم السابق؛ الدخان، الحريق، التدافع، حالة الذعر والهلع؛ هذا هو ما سيطر على الأحاديث بين الطلاب وهم يتلقون علاجهم، بينما حاول الأصحاء منهم طمأنة المصابين، والسؤال عمن ستُجرى لهم العمليات اليوم.
خارج مبنى الجراحة كان "أحمد" الصومالي يقف بالقرب من أتوبيس يتسع لنحو عشرين فردًا كُتب على جانبيه بخطٍ واضح وعريض "مدينة البعوث الإسلامية".
في انتظار إنهاء الاجراءات الطبية والورقية وقف أحمد ينتظر رفاقه ممن سيسمح لهم بالخروج اليوم عقب الاطمئنان على حالتهم الصحية ليعود بصحبتهم إلى المدينة، بينما يدعو أن يطمئن على من سيقوم منهم بإجراء العمليات المرتقبة.
وبرغم الراحة التي دبت في نفسه عقب رؤيته لأغلبهم بحالة جيدة ومستقرة، لكن أحداث الأمس لم تغيب عن باله قط "ربنا كرم والكل بخير.. بس اللي حصل امبارح صعب أى حد فينا ينساه بسهولة مهما عدى الوقت".
فيديو قد يعجبك: