بالصور- الصيد تحت رحمة الأزمات.. عزبة البرج "بحر من المعاناة"
كتب- فايزة أحمد:
ما إن يفرغ المُصلون من أداء صلاة فجر كل يوم، يكتظ ميناء عزبة البرج بمحافظة دمياط بالصيادين الذين تعلو صيحاتهم أثناء تهيئة مراكبهم، للانطلاق في رحلتهم الشاقة المعتادة إلى البحر الذي لم تهدأ أمواجه منذ مطلع العام الجديد؛ حيث أثر البعض منهم السلامة في بيته أيامًا عدة، ليعود الحماس يغمر قلوبهم مجددًا بتحسن الأحوال الجوية التي لها الكلمة الفصل في الخروج للصيد من أجل الظَفَر برزقهم الوحيد منه، رغم المعوقات، تلك التي يسبح في عمقها "أبو إسراء" أحد الصيادين الذي اتخذ قراره مؤخرًا "مابقتش أخرج للصيد أيام متواصلة بسبب ارتفاع أسعار السولار والبنزين".
كان لارتفاع أسعار السولار والبنزين للضعف سييا في عودة "أبو إسراء" للبيع لتجار السمك بثمنٍ بخس يكفي بالكاد احتياجات بيته وأبنائه الأربعة "البرميل 200 لتر، وأنا مركبي بتاخد 12 برميل.. البرميل الواحد بـ730جنيه"، يحسب حسبته الخاسرة كما يراها؛ في ظل قلة ما يجود به البحر خلال فصل الشتاء "بطلع في اليوم بـ4 آلاف جنيه سمك ممكن يطلع لي بعد عمولة التاجر وأجر الصنايعية والسولار والزيت 200جنيه بس".
"السمك مالوش تسعيرة موحدة زي باقي السلع"، تلك التسعيرة التي لا تتناسب مع أسعار أدوات ومستلزمات الصيد "كيلو الغزل اللي بنصنع منه شبك الصيد وصل 80جنيه بعد ما كان بـ20 و30 جنيه".
ازدادت أحوال صيادي عزبة البرج سوءًا بالتزامن مع الأوضاع في شمال سيناء؛ حيث مُنعوا من الصيد بالقرب من العريش والمناطق المُتاخمة لها، لتنحصر أماكن صيدهم "من عند مينا دمياط لحد مينا بورسعيد بس"، يقولها إبراهيم السعيد مشيرًا في اتجاه مركبه "المركب عليها 10 كليو سمك.. ده اللي طلعت به النهاردة".
كانت للكمية القليلة التي حظي بها "السعيد" الذي لم يعرف غير الصيد له مهنة، أن يتجهز مرة أخرى؛ لتعويض خسارته التي اعتاد عليها خلال الأشهر القليلة الماضية "كنا الأول بنروح ناحية العريش وغزة.. هناك السمك كتير"، وذلك بالمقارنة مع الأسماك المتواجدة في المنطقة المحددة للصيد "فيه آلاف المراكب والمنطقة ضيقة، فطبيعي السمك يقل. وبضطر أطلع البحر مرتين تلاتة في اليوم"، وهو ما قرر فعله مختار عبد الكريم الذي وقف داخل مركبه يتسلم مكعبات الثلج الخاص بالسمك، شاكيًا الغلاء الذي يعاني منه الصيادون حتى في الثلج "كنت بشتري مكعب التلج بـ4 جنيه بقى بـ8 جنيه".
وتضم عزبة البرج 1200مركب حديث للصيد في أعالي البحار، و30 سفينة من الدول المجاورة، و27 مركبًا شراعيًا درجة أولى، و86 درجة ثانية، و373 درجة ثالثة، من بينها مركب "عبد الكريم" الذي أجبره شرائها من تلك القرية لئن يترك ورائه أسرته في البرلس بكفر الشيخ قبل سبع سنوات؛ حيث كانت أسعار المراكب ومستلزمات الصيد أقل، لكن بحلول الماضي تبخرت تلك الميزة "الأسعار ارتفعت زي البرلس وأكتر.. حتى السمك بقى قليل".
يتوقف صاحب المركب الأربعيني عن الحديث، يأمر أحد الصبية الذين يساعدونه بفك وثاق المركب، يقفز باقية العمال في الداخل، يُلملمون شباك الصيد، يولون وجوهم تجاه البحر ليُعيدوا الكرة؛ آملين هذه المرة أن ينالوا مرادهم "ماعنديش بديل.. أنا صياد وماعرفش أشتغل مهنة تانية".
تلك النظرية التي يرفض الخضوع لها عادل طرابية الذي انتشل مركبه من المياه إلى البر بداية شهر يناير، لصيانتها وطلائها من جديد؛ لحين انتهاء فصل الشتاء الذي اعتاد فيه قلة حركة الصيد فضلًا عن أحوال الطقس غير المستقرة، في ظل عدم تزويدهم بأجهزة تُتيح ليهم معرفة النشرة الجوية للبحر، والتي على أساسها يحسمون أمرهم من الخروج للصيد أو عدمه "السلامة البحرية أجبرتنا نشتري لاسلكي لكل مركب وندفع بأثر رجعي، والأجهزة مفيش عليها نشرة للصيادين".
بجانب ورشة الصيانة يجلس طرابية، شاخصًا بصره لمركب والده وجَده اللذين ولدا في البحر، وكانا سببًا في عدم قبوله بكلية "اقتصاد وعلوم سياسية"عام 2010، فلم تحتويه سوى مهنة أجداده التي لم تسلم من روتين الدولة وتسويفها "المفروض الصيانة بيعملها صندوق التأمينات بتاع الصيادين"، غير أن المسئولين عن هذا الصندوق قرروا ذات صباح "قالولنا الصيانة مش هتم إلاّ لو المركب اتحرقت أو غرقت"، وذلك رغم أن هذه التأمينات التي تبلغ (1200جنيه) يدفعها الصيادون سنويًا، من أموالهم الخاصة.
لكن حالة غرق أو حرق المركب تتطلب هي أيضًا شروطًا يحددها صندوق التأمينات، عن طريق لجنة مُعاينة تقر بدفع تعويضات من عدمه "اللجنة بتقعد شهرين تلاتة لما تنزل، ولو وافقت يبقى كمان شهرين لما ناخد الفلوس"، روتين ضاغط على أنفاس الشاب الثلاثيني أجبره على تقديم شكاوة في المحافظة ومجلس الوزراء حتى وصل به الأمر إلى رئيس الجمهورية، لكن أحدًا لم يستجب "عزبة البرج ثروة قومية وبتنهار يوم عن التاني، ومفيش حد بيتحرك غير أهلها إللي بيعافروا وسط الروتين والإهمال".
فيديو قد يعجبك: