لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

في ذكرى وفاته.. مصراوي يحاور عائلة الطيار الأردني "معاذ الكساسبة"

03:50 م السبت 03 فبراير 2018

الطيار الأردني معاذ الكساسبة

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

حوار- فايزة أحمد:

وسط أجواء باردة تشي باقتراب موعد المطر في مدينة "الكرك" الأردنية، تجّمع أفراد أسرة الكساسبة في طقس عائلي مُعتاد، لم تكن ألفته بعد زوجة الطيار الأردني معاذ الكساسبة، الذي مر على زواجهما أربعة أشهر فقط. كان ذلك مساء الحادي والعشرين من شهر ديسمبر 2014؛ حيث تطرق حديث الجمع إلى ما أُطلق عليه "دولة الخلافة" تلك التي كانت في أوج انتشارها داخل بعض البلدان العربية، إلا أنها لم تكن تُشكل اهتمامًا كبيرًا لدى تلك الأسرة وابنها الطيار الذي تسائل ساخرًا: "يعني لو وقعت في أيد داعش شو ممكن يسوا فيّ".

لم يكن مر سوى ثلاثة أيام فقط، على ذاك السؤال الذي طرحه معاذ الكساسبة -على سبيل السخرية- حتى لاقى المصير الذي كان مستبعدًا إياه طيلة الوقت، إذ وقع في قبضة تنظيم "داعش" الذي أعد له محرقة مصورة انخلعت لها القلوب في كل بلدان العالم، لتقوم ببثها عبر فيديو في الرابع من شهر فبراير 2015، والذي لم تشاهده العائلة حتى الآن.

في الذكرى الثالثة لرحيل "الكساسبة" يحاور "مصراوي" شقيقه الأكبر، المهندس جواد الكساسبة، للوقوف على ما وصلت إليه تبعات ما جرى لـ"معاذ"، خاصة بعدما تغيرت أحوال التنظيم الذي دُحر جبروته وبات يولي الأدبار، فيما اختلفت موازين القوى على الساحة الدولية، لكنها لم تُغير أحوال ومطالب أسرة الطيار الأردني التي مازالت تبحث عمن تكون الجهة المتسببة في إسقاط طائرة ابنهم، أو خبايا تلك "المؤامرة" -كما يصفها الشقيق الأكبر.

"في لحظة وجدنا أنفسنا في قلب بؤرة داعش بعد أن كنا نتابع أخبارها من بعيد كأي شخص في أي بلد بالعالم"، يحكي جواد عن تلك اللحظة التي تلقوا فيها الصدمة عبر الشاشات التي أذاعت خبر سقوط طائرة ابنهم.

1

لم يترك جواد نفسه فريسة للحزن على شقيقه الأصغر، إذ ابتلع صدمته، ونهض على الفور لمعرفة ملابسات الحادث من القيادة العسكرية الأردنية، إلا أنها لم ترد سوى بأن "الطائرة سقطت بالقرب من مدينة الرقة السورية معقل الدواعش، وجاري البحث عن مكان معاذ".

كان لهذا الخبر أن يُعيد لذهن جواد اللقاء الذي جمعه بمعاذ عشية يوم اختطافه؛ بعدما تلقى الطيار -حينها- خبرًا بتكليفه بمهمة مفاجئة "لاحظت أخويا مرتبك على عكس عادته"، غير إنه لم يخبره بشيء سوى أنه لديه مهمة عسكرية هامة للغاية في الصباح الباكر.

في الصباح الباكر أيقظ معاذ زوجته مُذكرًا إياها بصلاة الفجر، ومن ثم انطلق في طريقه للمهمة التي كُلف بها، والتي علم بها شقيقه لاحقًا "كانت هذه المهمة من نصيب طيار آخر غير معاذ؛ نظرُا لأنها كانت مهمة جسيمة وكبيرة على طيار حديث التخرج مثل أخي".

لم يُكن الطيار الأردني يُفصح عن المهام العسكرية التي يُكلف بها، لكّنه أطلع شقيقه على القضية التي شغلته قبل وقت قريب من الواقعة المُفجعة -كما يصفها جواد- والمتعلقة بحكم الشرع في العمليات الجوية التي لم يشارك فيها سوى مرتين ضد هؤلاء الذين يتخذون من كلمات الله شعارًا لهم في سوريا "قرر إنه يذهب لرجل دين يعرف رأي الإسلام في داعش؛ لأنه كان خايف يشيل ذنب مسلمين زيه".

"تواصلنا مع ناس بسوريا والعراق؛ لأننا كنا لحد هذه اللحظة ما بنعرف مكان معاذ هل هو أسير في سوريا أم العراق"، لم تتوقف الأسرة لحظة عن البحث في كل اتجاه بكل الوسائل التي توفرت لديها آنذاك، رغم تعرضهم لعمليات ابتزاز فجة "كلهم كذبوا علينا من أجل المال".

بصوت متهدج يسترجع المهندس الأردني تلك الأيام "كدنا نخسر كل شيء.. أموالنا وشغلنا وبيوتنا"؛ نظرًا لأن الأسرة كانت على استعداد تام لدفع أي مبالغ تُطلب منهم من أجل عودة معاذ، لكن باءت جميع هذه المحاولات بالفشل، "كنا نوجه ليهم أسئلة شخصية لا يعرف إجابتها غير معاذ، لكنهم كانوا يعطونا إجابات غير صحيحة".

2

إحساس ثقيل بقلة الحيلة اعترى جواد، جعله عاجزًا عن التصرف في ظل شُح المعلومات من قِبل القيادة العسكرية الأردنية التي لم تكن هي أيضًا توصلت لأي جديد عن أخيه في تلك الأثناء، سوى أن داعش طالب بالإفراج عن العراقية ساجدة الريشاوي التي أُدينت في تفجيرات فنادق بالعاصمة الأردنية عمان عام 2005، مقابل الإفراج عن معاذ الكساسبة.

كان للتأكد من وجود الطيار الأردني على قيد الحياة، أن يُجبر الأردن على إعلان رفضه للإفراج عن السيدة العراقية، وذلك مساء التاسع والعشرين من شهر ديسمبر؛ ذاك اليوم الذي أُخبر فيه الشقيق الأكبر من قِبل أحد المصادر الذي تحفظ على الإفصاح عن هويته الخبر المُفجع "عرفت منه أن داعش قتلت أخي بهداك اليوم"، مما جعله يدرك أسباب رفض بلاده للإفراج عن الريشاوي "بظن أن القيادة الأردنية كانت على علم باستشهاد معاذ في هذا التوقيت لكنها لم تفصح لنا عن ذلك".

لم تُفصح ما أُطلق عليها "دولة الخلافة" هي أيضًا عن قتلها لمعاذ، غير إن مجلة "دابق" التابعة لها نشرت في الثلاثين من ديسمبر، حوارًا أجرته معه، كشف فيه عن ماهية مهمته التي كُلف بها والتي سقطت طائرته على إثرها "كل المعلومات اللي قالها معاذ في هذا الحوار صحيحة.. لكن أنا متأكد إنه قالها تحت تهديد السلاح"، ترسخت لدى الشقيق الأكبر قناعة بذلك؛ نظرًا لأن أخيه رجل كتوم لم يعهد عنه الحديث فيما يتعلق مهامه العسكرية "الحوار تتضمن بعض الألفاظ الصوفية غير المعهودة عن معاذ".

كان الفيديو الذي بُث في الرابع من فبراير 2015 توكيدا لا لبث فيه عن مقتل "معاذ"، وهو المقطع الذي حرصت جميع أفراد عائلة الكساسبة على عدم مشاهدته حتى الآن. يبرر جواد ذلك متنهدًا "يعني أنا لما بطّلع في صورة لمعاذ حاليًا وهو وفي أحسن حالاته ما بقدر أتمالك حالي.. فكيف أشاهده وهو في هذه الحال"، لكنه على يقين أن شقيقه كان ثابتًا ثبوت الأبطال في تلك اللحظة التي أقشعرّ لها أبدان المتابعين.

شكّل هذا الخبر على بشاعته إصرارًا لدى جواد لمعرفة كافة التفاصيل التي رافقت طائرة شقيقه، إذ توصل لمعلومات جعلته يعتقد أن طائرة معاذ أُسقطت من قِبل جهة -غير معلومة- لم تكن داعش كما أُعلن وقتها "داعش ليست لديها الإمكانيات التي تجعلها تُسقط طائرة كالتي قادها معاذ في ذلك اليوم"، مما حدا به مطالبة السلطات الأردنية بنتائج التحقيق حول تلك الطائرة، والتسجيلات التي وقعت داخلها قبل وأثناء السقوط، لاسيما وأنه كانت ثمة أبراج مراقبة تمثلت في " طائرات الأواكس الأميركية كانت تراقب عمل هذه الطائرات وبالتالي تلقت الإشارات ولديها التسجيلات".

لم تتوقف مطالب عائلة الطيار الأردني عند هذا الحد، بل طالبت كتابيًا القيادات العسكرية في الأردن بالعثور على رفات ابنهم، لكن أحدًا لم يستجب حتى الآن "لست أعلم سبب هذا الصمت المطبق.. أحيانًا أتساءل هل هذا عجز من قِبلهم؟"، لازال يتساءل شقيق الطيار الأردني، ويتنظر إجابات لفك طلاسم ما وصفها بـ"المؤامرة" التي حيكت ضد معاذ الكساسبة "تسليمنا بقضاء الله وقدره تزيد رغبتنا في معرفة الحقيقة".

فيديو قد يعجبك: