نهاد صليحة.. راهبة في محراب المسرح
كتبت-رنا الجميعي:
تعلقت عينا الفتاة الصغيرة بالمسرح، قضت سنين عُمرها تلحق به في كل مكان. لم يُوفر لها القدر تحقيق حلمها بالوقوف على خشبته، فاستبدلته بالعيش في محرابه؛ فاستحقت نهاد صليحة لقب "راهبة المسرح،" فلم تُغادره سوى مع رحيلها عن العالم، يوم الجمعة الماضي.
نشأت صليحة في حي شبرا، عام 1945. تربّت داخل مجتمع كوزموبوليتاني، متعدد الجنسيات، ما أضفى على شخصيتها ذلك التفرّد، حلُمت أن تصبح ممثلة مسرحية، والفضل في ذلك لمدرستها "ليلى"، حسب حوارها مع صحيفة الأهرام ويكلي التي تصدر باللغة الإنجليزية، في 2013، التي نمّت داخلها ذلك الحب من خلال تمثيل أعمال شيكسبير، إلا أن التقاليد منعتها من تحقيقه، لكنّ الشغف كان قد تمكّن منها. تقول في ذاك الحوار "حتى اليوم مازلت أستمتع بمشاهدة المسرح أثناء إعداده، النظر إلى الكواليس، ورؤية البروفات، كذلك التحدث مع المخرجين والممثلين".
اختارت صليحة أن تدرس الأدب الإنجليزي، لتتابع حبها للدراما، فحصلت على ليسانس الآداب من جامعة القاهرة، عام 1966، ثم درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة ساسكس الإنجليزية. تصف صليحة في حواراتها أن فترة الستينيات كانت مليئة بالزخم المسرحي، نتيجة دعم الدولة، ورغم خطورة الكلمة في ذلك الوقت، فالكلمة يُقابلها السجن في بعض الأحيان، إلا أن المسرح عبّر من خلال كُتّابه عن رؤى سياسية مُختلفة خلال عهد عبد الناصر "الجميع كان ينقل رسالة للنظام عبر الكلمة والأداء".
بعد هزيمة 67، وما جرى في بر مصر، اتجهت صليحة للدراسة في إنجلترا برفقة زوجها، المترجم محمد عناني، وعملت لفترة بمكتبة هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، ثم انتقلت للعمل أيضًا في السعودية في السبعينيات، لكنها لم تستطع الإقامة في الخارج لفترة طويلة، كما فعل كثير من المصريين في ذلك الوقت. استقرت الناقدة المسرحية بشكل نهائي في مصر منذ أواخر الثمانينيات.
تشتهر صليحة بكتابة النقد المسرحي، فقد شغلت منصب مشرفة قسم النقد المسرحي بصحيفة الأهرام ويكلي، منذ عام 1989 وحتى وفاتها. عرفت صليحة ما للكلمة من أثر، فبالصدفة أرسلت لأحد أصدقائها خطابًا تتحدث فيها عن عرض مسرحي في إنجلترا عام 1985، وله الفضل في تشجيعها على الاستمرار بالكتابة، ومنذ انضمامها للأهرام الإنجليزية، ظلّت صليحة تكتب نقد للعروض المسرحية المختلفة، تؤمن بمهمة أوسع للنقد حيث تقول "أنا لا أكتب عروضا للأداء المسرحي، بل أحاول استعراض الظرف السياسي والاجتماعي والاقتصادي للمشهد بأكمله، أنا لا أعتقد أن الفن يحدث في فراغ، بل له صلة بحياة الإنسان".
لم تفرق صليحة بين مسرح الدولة أو المسرح المستقل، تُشاهد كل ما تسمع عنه، وتُشجع الفرق المستقلة، كما كان لها دور كبير في إقامة مهرجان المسرح الحر الأول عام 1990، حماسها للأعمال المسرحية يظهر جليًا في عروضها النقدية، التي تُحاول من خلالها نقل صورة كاملة للمجتمع المصري، ويتضح من لغتها مرهفة الحس، شغفها الشديد، كما في كتابها "تأملات مسرحية" الذي يعرض مقالاتها منذ عام 1994 وحتى عام 2009، رغم عِلمها الواسع إلا أن لغتها خلت من التعالي.
بجانب كتابتها عن المسرح، فإن صليحة تقوم بتدريسه بأكاديمية الفنون، كما شغلت منصب عميدة المعهد العالي للنقد الفني منذ 2001 حتى 2003. تقول عن مهمة التدريس إنها وفرت لها بديلًا عن التمثيل "تُشبه الوقوف على المسرح، أملك خشبة المسرح، وأُعلم الدراما، أستطيع تمثيل كل الأدوار التي أحبها، كما أن لديّ الجمهور الخاص بي".
أُحيطت صليحة بهالة من المحبة والتكريم، فالناقدة التي ألفت العديد من الكتب بين النقد المسرحي والترجمة الأدبية، والأدب الإنجليزي، كُرّمت من الدولة عدة مرات؛ كان أهمها الحصول على جائزة الدولة التقديرية في الآداب للنقد الفني، عام 2013، كما حصلت على تكريم من مهرجانات عربية منها الشارقة وقرطاج.
فيديو قد يعجبك: