الإهمال الطبي.. "كام مهند لسة في السجن؟"
كتبت-رنا الجميعي:
جاءت وفاة الشاب العشريني، مهند ايهاب، كجرس إنذار، لعلّه رنّ مرارًا قبل ذلك، لكن هذه الحالة كانت الأكثر تأثيرًا بالنسبة لعديدين، حتى دشّنوا هاشتاج "مهند مات" تصدر موقع تويتر، أصيب الشاب بمرض سرطان الدم بالسجن، وتم الإفراج عنه بأغسطس 2015 مع كثرة الضغوط التي مارستها العائلة والأصدقاء، لكن المرض ظلّ يُلاحق مهند حتى توفى، كثيرون مروا بحالات تُشابه مهند، بعضهم توفى داخل السجن أو خارجه، وآخرون بعد الإفراج عنهم أخذوا المرض كحمولة إضافية من المعاناة، عليهم أن يتعاملوا معها خارج السجن، في هذا التقرير نستعرض بعض الحالات والأرقام الصادرة عن مراكز حقوقية، عن حالات الإهمال الطبي والوفاة بسببها داخل السجون، كذلك ظروف الرعاية الطبية بالداخل.
لا صوت للمرضى داخل السجون، سوى من خلال ذويهم الذين يعكفون على نشر معاناتهم، غير أن أحد المحبوسين احتياطيًا تمكّن من نشر رسالة خاصة به، وأعلنت عنه صفحة حملة "الإهمال الطبي في السجون جريمة"، في مايو الماضي، يشكو السجين "أحمد نصر عبيد عمري" من الإهمال الذي تعرض له بعد رفض إدارة سجن طرة إجراء عملية جراحية له أكثر من مرة، يُعاني عمري من بتر في قدمه اليمين وإصبعه الإبهام والسبابة، بالإضافة لبتر في سلاميات الخنصر والبنصر والوسطى، ومصاب بأكثر من 5 كسور في الذراع، تفتيت في المفصل، كسر في الأصابع المُتبقية، التصاق في الأوتار، ضمور في العضلات، بالإضافة إلى جراح في الأذن، صديد وقصور في الدورة الدموية، قرحة في المعدة، نزيف في شبكية العين اليمنى، شظايا خرطوش في العين اليسرى وحولها في الأنف.
يقول دكتور طاهر مُختار لمصراوي، عضو حملة "الإهمال الطبي في السجون جريمة" والذي سجن سابقًا، إن الحالات التي يتم نشرها على صفحة الحملة بالفيس، تحدث عبر تواصل الأهل أو المقربون بمسئولي الصفحة، "بنتعامل مع حالات بعينها، بيوصلنا من خلال الأفراد عندها مشاكل، لكن منقدرش نطلع رقم محدد بأعدادهم"، وفي تقرير آخر عن مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، لشهر سبتمبر الماضي، يرصد 5 حالات وفاة في أماكن الاحتجاز من بينها ثلاثة بسبب الإهمال الطبي، حيث توفي عبدالله منصور عبد النعيم متأثرًا بإصابته بأزمة قلبية مفاجئة، جراء تكدس عدد من المحتجزين في غرفة واحدة بقسم شرطة مينا البصل- غرب الإسكندرية.
ترصد التنسيقية للحقوق والحريات الانتهاكات داخل السجون، وفي حصاد عام 2015 تُسجل الاهمال الطبي بالسجون المختلفة، مفندةً كل سجن على حدة، ففي حالة سجن العقرب، يذكر التقرير منع الأدوية بشكل نهائي لكافة المعتقلين، وأن أغلبهم مصاب بأمراض مزمنة، وهناك 5 حالات وفاة على الأقل لمسجونين نتيجة الحرمان من العلاج.
من بين المسجونين المرضى "هشام جعفر"، مدير مؤسسة مدى للدراسات الإعلامية، تدهورت الحالة الصحية لجعفر، فيما تذكر زوجته بعدد من وسائل الإعلام عدم إخضاعه للكشف الطبي، وعن كتابة تقرير مزور حول حالته الصحية من قبل، كما لم يتم إجراء العملية الجراحية اللازمة له منذ مارس الماضي، ومعاناته من تضخم في البروستاتا.
محمود محمد أو معتقل "التي شيرت" من بين المحبوسين احتياطيًا الذين أصيبوا بالمرض داخل السجن، استمر حبسه لمدة تزيد عن السنتين، تدهورت صحته داخل المعتقل، وحاليًا يتعافى من مرضه، ويصرح محمود لمصراوي أنه أصيب بهشاشة العظام في مفصل الحوض، وتآكل بقدمه داخل محبسه، هذا التآكل أدى إلى تقوس آخر بقدمه السليمة التي تحتاج إلى عملية بالوقت الحالي "لأن قدمي السليمة توازي التآكل في الرِجل التانية".
ثلاثة سجون مختلفة مرّ بها محمود، ويحكي عن المُعاملة الطبية المختلفة لكل سجن فيهم، أولها كان سجن أبو زعبل، حيث أصيب محمود فيها بتسمم مما أدى إلى نقص وزنه 23 كيلو، "كنا بنجيب العلاج من برة، وبياخد وقت عما يدخل السجن ودا اللي نقص وزني كدا"، بعدها ترحل محمود إلى سجن الاستئناف "كنا بندي فلوس للسجانين عشان ناخد أدوية مسكنات بسبب الألم"، وأكّد محمود على أن الأدوية كانت مسكنات فقط ولا يتاح لهم أدوية مُعالجة للمرض، أما سجن طرة الذي اتنقل إليه معتقل التي شيرت، فحسب حديثه كان الأفضل بينهم، ومع ضغط الأهل والسوشيال ميديا لعلاج محمود، بدأ خروجه للمستشفى للعلاج، مشيرًا إلى أن خروجه بعد موافقة أمن الدولة عليها، كما ذكر محمود على أن المريض حينما يصبح مرضه خطيرًا تُخلي مسئوليتها، وتحيل أمره إلى ما يسمى "ضباط المأمورية"، غير أن رحلات الخروج للمستشفى كانت تتم بأوقات مغايرة لأوقات اللازم فيها علاجهم "كانوا بيخرجونا في وقت غير المفروض نخرج فيه، عشان بس يثبتوا إننا بنتعالج".
بعض من تلك التعاملات في السجون يتحدث عنها الطبيب مختار في إحدى الحوارات بعد خروجه من السجن، عن الأوضاع بالداخل، ذكر فيها أن الظروف الخاصة بكل سجن مختلفة، حتى بين السجن الواحد، كما في طرة التي تحتوي على سبع مناطق مختلفة، وبين العنابر أيضًا، كما أشار مختار إلى التعنت في العلاج، وأنه من اللازم موافقة أمن الدولة في حالة خروج السياسيين من السجن للعلاج، ورصد مختار حالة العيادة داخل سجن طرة، الذي حُبس فيه، ولا يوجد بها امكانيات متاحة حتى المضادات الحيوية، وأضاف أن الأطباء الموجودين بالعيادة هم ضباط أطباء، ما يعني أن مُعاملتهم للمعتقل تتم على أساس التعاملات الأمنية.
في تقرير سبتمبر الماضي، رصد مركز النديم 28 حالة إهمال طبي في مكان الاحتجاز، تعدد السجون موقع الإصابة، كما تباينت إصابات المسجونين، بين قرحة في المعدة، انزلاق غضروفي، غيبوبة سكر، تآكل في العظام، وفيروس الكبد الوبائي، لا توجد أمراض مُحددة يُصاب بها السجين، غير أن أبرز الأمراض الموجودة المتعلقة بالتكدس داخل الزنانزين، كما يقول مختار عضو حملة الإهمال الطبي، إن المسجونين عُرضة أكثر للأمراض الجلدية، كذلك الأمراض المتعلقة بالجهاز التنفسي، أما كبار السن فعُرضة للأمراض المزمنة كالقلب والسكر والضغط.
بعد انتشار خبر وفاة مهند، نشر الناشط السياسي "نور خليل" على صفحته، حالة الشاب "علي خليل علي"، معتقل بقضية بولاق أبو العلا، يحكي قصته عن اصابته بالسرطان داخل السجن، ومعاناته من الإهمال الطبي، حتى صُدر قرار الإفراج الطبي عنه بشرط حضوره الجلسات، وبدأ رحلة العلاج، غير أن بآخر جلسات القضية، أصدر المستشار "شيرين فهمي"، قرار بسجنه ثانية حتى صدور الحكم في نهاية أكتوبر الحالي، ويختم حديثه "علي حالته الصحية في خطر في السجن ،ومش عارف المرة دي هنفضل ساكتين لحد ما يموت او يخرج وضعه في مرحلة اللاعودة زي مهند ولا هنصنع فرق".
فيديو قد يعجبك: