دولار حرب أكتوبر عقب 43 عاما.. مكسور الجناح الذي تحول لوحش (تقرير)
كتب-محمد زكريا ودعاء الفولي:
لم تكد حرب أكتوبر 1973 تنتهي حتى حملت معها مزيدا من المفاجآت، ففيما تُزود الولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل بأسلحة، قررت الدول العربية قطع النفط عنها عقابا لها، فتركت تلك الخطوة فجوة في اقتصاد أمريكا وزاد اهتزاز الدولار الذي كان يعاني بالفعل منذ عام 1971 خلال حكم الرئيس ريتشارد نيكسون، حتى صارت العملة الخضراء وقطع البترول مسرحا لسخرية الصحف المصرية. غير أنه عقب 43 عاما وبنفس الشهر بات الدولار الأمريكي وحشا كاسرا، في ظل أزمة اقتصادية تعاني منها مصر، تظهر في التذبذب المستمر بسعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار، وتزايد الفروق بين سعره الرسمي في البنوك وسعره بشركات الصرافة "السوق السوداء". ومع لجوء الحكومة لغلق عدد من شركات الصرافة في محاولة للسيطرة على الأمر، لكن الأزمة ظلت مستمرة.
الثامن عشر من أكتوبر في عام الحرب كان موعد احتفاء الرأي العام المصري باجتماع الدول العربية بالكويت لتخفيض نسبة تصدير النفط للولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 5% شهريا، لإجبار أمريكا على تغيير موقفها من تمويل إسرائيل، إلا أن القشة التي قصمت ظهر البعير حدثت بعدما أعلن نيكسون عن طلب 2.2 مليار دولار من الكونجرس لتمويل إسرائيل، فيما قرر مجلس الشيوخ الأمريكي خفض المعونة الخارجية الأمريكية إلى 1200 مليون دولار بأغلبية 54 صوتا وكانت أقل ميزانية للمعونة الأمريكية الخارجية منذ 27 عاما، وبعد ذلك قررت كل من الجزائر، قطر، السعودية، ليبيا، العراق، الكويت، البحرين ومصر قطع تصدير النفط للولايات المتحدة، ونتيجة لتلك القرارات طالبت العراق بتأميم شركات النفط وسحب جميع الأرصدة العربية من الدولار وقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع أمريكا، لكن لم تستجب أحد الدول العربية لما طرحه البلد العربي الشقيق.
رغم انخفاض الدولار وقتها إلى ما يقرب من 83 قرشا، فلم يكن تأثير قطع النفط جللا على المستوى الحربي، حسبما يقول الكاتب الصحفي عبد الله السناوي لمصراوي "قضية قطع البترول جاءت متأخرة لحد ما وكانت الحرب توشك على النهاية.. وبالتالي فالخطوة كانت أقرب لبطولة رمزية هدفها إبراز الوحدة العربية".
في الوقت الحالي وعقب النصر بما يزيد عن أربعة عقود تفاقمت الأزمة الاقتصادية المصرية، فلجأت الحكومة لاتخاذ إجراءات عدة قبل أن تجد الاقتراض من مؤسسات النقد الدولية حلا أمثل. فجاء اتفاق مصر قبل أقل من ثلاثة أشهر مع صندوق النقد الدولي، بخصوص اقتراض الحكومة ما قيمته 12 مليار دولار على دفعات متساوية لمدة ثلاث سنوات، وهو ما صاحبه العديد من تكهنات بشأن شروط تقرها الوكالة الدولية وتلتزم بها الدولة المقترضة حال حصولها على القرض، أهمها خفض الدعم والتوسع في فرض الضرائب و"تعويم الجنيه" -أي ترك سعره ليكون قابلا للارتفاع والانخفاض حسب العرض والطلب في السوق.
محاولات مصر الحصول على قرض صندوق النقد الدولي، رفع حدة التوقعات بشأن إجراءات اقتصادية "صعبة" تُقبل عليها الحكومة المصرية خلال الأيام المقبلة. أبرزها ما جاء في مذكرة بحثية أصدرها بنك الاستثمار "بلتون" تحت عنوان "التنبيه الأخير: التعويم خلال ساعات"، وفيها يتوقع التقرير شروع البنك المركزي بتخفيض قيمة الجنيه من 8.88 إلى ما يتراوح بين 11.5 و 12.5 للدولار الواحد، وهو ما يمثل تخفيضا رسميا بنسبة 30 إلى 40% من قيمته الحالية، بجانب تكهن بنك الاستثمار بخطة تلتزم بها الحكومة المصرية لإتمام حصولها على قرض صندوق النقد الدولي في الأيام المقبلة.
ذلك هو ما يتفق عليه رشاد عبده، الخبير الاقتصادي ورئيس المنتدى المصري للدراسات السياسية والاقتصادية، موضحا أن تعويم العملة المحلية أو تخفيضها كحد أدنى، أحد اشتراطات صندوق النقد الدولي. ويربط بين حصول الحكومة المصرية على الشريحة الأولى من قيمة القرض وقدرها 4 مليارات دولار وبين الوفاء بالتزامات الوكالة المتخصصة، وعلى رأسها فيما يتعلق بسياسة سعر الصرف.
150 يوما كانت هي مدة قطع النفط عن الولايات المتحدة الأمريكية إبان الحرب، إذ تراجعت الدول العربية عن القرار في 17 مارس 1974، عدا ليبيا وسوريا اللتان رفضتا إياه. ورغم تلك التوترات إلا أن المواطنين المصريين على الأرض اهتموا فقط حينها بتفاصيل الانتصار الذي يُحرزه الجنود في سيناء، على حد قول السناوي، الذي أضاف أن تقليل النفط ثم منعه أفاد الخليج أيضا، إذ رفع سعر البترول بشكل ضخم.
على جانب آخر وفي منتصف شهر سبتمبر الماضي، اتفقت توقعات "بلتون" مع التقرير الذي نشرته شركة الأبحاث والاستشارات الاقتصادية الدولية "كابيتال إيكونوميكس"، والذي جاء فيه أن تخفيضا إضافيا لسعر العملة المحلية أمام الدولار سيحدث خلال الفترة المقبلة مما سيجعل السعر الرسمي للدولار يصل إلى 12 جنيها بنهاية عام 2017. ومع توافر تقارير دولية تتحدث عن خفض- عنيف- مُنتظر لقيمة الجنيه المصري أمام الدولار، وحتى كتابة هذه الكلمات، يسجل سعر الدولار في البنوك المصرية 8.88 بشكل رسمي ويصل سعره إلى ما يقرب من 14 جنيها بـ"السوق السوداء".
ويرجع رئيس المنتدى المصري للدراسات السياسية والاقتصادية سبب ما أسماه بـ"إخفاق السياسات المالية" إلى محافظ البنك المركزي طارق عامر، قائلا إن "مفيش مرة سعر السوق السوداء ارتفع إلا بناء على تصريحات محافظ البنك المركزي"، ويضيف لمصراوي أن مصر احتلت المركز الثالث في تصنيف أهم المؤسسات العالمية لتقييم محافظي البنوك المركزية، وتلاها فنزويلا وأزربيجان في المركز الرابع والأخير، فيما احتلت المغرب والأردن ولبنان وإسرائيل المركز الأول
منذ البداية كان للرئيس الراحل جمال عبد الناصر مشروعه فيما يخص التوجه نحو التصنيع، فكانت سياساته المالية تعبر عن ذاك الفكر "عبد الناصر عمل حاجة اسمها دولار استيرادي بـ39 قرش عشان يخفض التكاليف على الناس اللي هتستورد مكن وتعمل صناعات وتوفر فرص عمل " يقول عبده، ما جعل أقدام الجنيه المصري راسخة لحد كبير.
التناقض بين صورة الدولار والجنيه أثناء الحرب والوقت الحالي أمر طبيعي بالنسبة للسناوي، فيقول إن "تلك الأعوام تُبرز الفرق بين سياسة التعمير والبناء التي انتهجها الرئيس عبد الناصر ومن جاءوا بعده".
أقرأ أيضا:
كيف خسرت مصر 12.6 مليار دولار في عام؟
فيديو قد يعجبك: