الأطفال المُحتجزين.. قصص قصيرة من وراء القضبان
كتبت - هاجر حسني:
أن يجد الطفل عمره الذي يفترض أن يقضيه في اللهو والمرح، تحول فجأة لأيام يقضيها وسط مرتكبي الجرائم، هو أمر قاسي، لا أحد يستطيع أن يتخيل ما يحدث لهذا الطفل داخل مكان احتجازه سواه، تجربة صعبة يختبرها في سن مبكرة، ربما لم يتوقع يوما ما أنه قد يعيش هذه الأوقات، ولكن دائما ما تحمل لنا الأقدار ما لم يكن في الحسبان.
من الفضول ما ''سجن''
الساعة الثالثة فجرًا من أيام 11 مارس الماضي.. كان أحمد عبد الفتاح يجلس بين أفراد أسرته في إحدى الليالي يتبادل معهم أطراف الحديث، حينما طرقت قوات الأمن باب المنزل لينتزعوه من الحاجة ''رضية''، والدته التي أوقفتها الصدمة عاجزة عن أي ردة فعل، سوى مراقبة طفلها وهو يختفي تدريجيًا وصولا إلى سيارة الشرطة.
لم يكن الطفل ذو الخمسة عشر ربيعًا يتوقع أن يحدث له ذلك لمجرد أن غريزة الفضول لدى الأطفال دفعته للتواجد أثناء أحداث ''العدوة'' بالمنيا لمشاهدة ما يحدث ''كان واقف يتفرج زيه زي أي عيل صغير'' قالتها الحاجة رضية في يأس، ظهور صورته في إحدى الصحف وسط أحداث الشغب كانت سببا في إلقاء القبض عليه بعد ثلاثة شهور من وقوعها.
سن ''أحمد'' الصغيرة، لم تمنعه من أن يكون فردًا هامًا في أسرته، فبينما كانت تتخذ والدته موقعها بالقرب من مركز العدوة لبيع الخضروات، كان أحمد يتجول على دراجته ببعض منها في الأحياء المجاورة حتى يستطيع مشاركة الحاجة رضية في مطالب المعيشة الصعبة وتلبية احتياجات شقيقته ''دعاء''.
ثلاثة شهور قضاها المتهم الصغير في سجن وادي النطرون، قبل أن يتم نقله بعدها إلى سجن الترحيلات بالمنيا، تخلل هذه المدة عدة زيارات من والدته التي انفصلت عن والده منذ خمسة عشر عامًا ''آخر مرة شفته كانت من شهرين، هو بقاله تقريبا كده 10 شهور في السجن''، فقسوة الأيام التي قضاها الطفل داخل محبسه لم تنحصر فقط في عدم استيعابه للأسباب التي بمقتضاها قضى عام من عمره بين السجون وجلسات المحاكم ولكن تمتد إلى الأشخاص التي يُجبر على التعامل معهم وخاصة أنه تم احتجازه لفترة مع بالغين متهمين في قضايا جنائية.
من خلال ورقة صغيرة؛ وجد أحمد فيها وسيلته الوحيدة للبوح بما يُنغص عليه أيامه، كان يكتبها فيُعطيها لوالدته أوقات الزيارة: ''كان دايما بيشتكي إن عينيه بتوجعه علشان نضارته اتكسرت وهو نظره ضعيف وعنده انفصال في الشبكية في عينه اليمين، وكان بيقول انه تعبان من الأوضه اللي قاعد فيها''، تتنهد الأم الخمسينية قبل أن تُضيف: ''أنا عاوزة أوصل صوتي للقضاء اللي بيحكم والرئيس، نفسي يرحموا قلب أم اتحرق على ابنها الوحيد''، كان ذلك بعد أن أصدرت المحكمة قرارها بالإعدام على الطفل ضمن 183 آخرين بنفس التهمة في يونيو الماضي.
ثمن الرأي
ساعات مرت على عماد محمد، والد الطفلين ''صهيب'' 15 عام و''بلال'' 11 عام، داخل قسم أول المنصورة، قبل أن يتم الإفراج عن بلال بعد احتجازه هو وشقيقه، ''افرجوا عن بلال فقط وصهيب فضل محبوس 3 أيام على ذمة التحقيقات''، قالها والد ''صهيب'' الذي روى أن قوة مكونة من 30 شخص اقتحمت منزلهم مساء 11 فبراير الماضي دون إبداء أسباب، وقفت العائلة وقتها في دهشة مما يحدث، انتشرت القوة داخل المنزل وأخذوا ينبشون جميع الأغراض وعلى الرغم من أن امتلاك جهاز حاسب آلي ''لاب توب'' لا يُعد جريمة إلا أنه في حالة ''صهيب'' كان كذلك، فلم يكن يعلم أن كتابته لرأيه فيما يحدث على إحدى مواقع التواصل الاجتماعي ستكلفه حريته، في النهاية تم تحريز الجهاز والتأكد من عدم امتلاكه لأي أجهزة أخرى من هاتف خلوي وغيره، ثم اصطحبوا الطفلين للقسم بعد أن أتوا بالمنزل رأساً على عقب.
مماطلة وبطء في الإجراءات واجهها الأب منذ تيقنه من أن قضية ابنه أصبحت واقع لا مفر منه، اتهامه بالانتماء لجماعة محظورة والاعتداء على حرية المواطنين وتهديد طائفتين من الشعب المصري، كان كافيًا لتجديد حبسه 45 يوماً على ذمة التحقيقات ''مش عارف ازاي طفل في السن ده يتوجه ليه تهم كبيرة كده ويتحول للجنايات لمجرد إنه كتب رأيه على الانترنت'' باستنكار قالها عماد محمد، ولم يكن ذلك كافيًا فأثناء فترة احتجاز صهيب أصيب بحساسية في الصدر وتمزق في إحدى ركبتيه مما استدعى إجراء جراحة تمت في مستشفى جامعة المنصورة، وبعد مرور 48 ساعة على إجراء الجراحة أُعيد ''صهيب'' مرة أخرى إلى محبسه مرة أخرى ولكن هذه المرة كانت إحدى قدميه داخل ''الجبس''.
حتى الآن مازال ''صهيب'' يخضع للعلاج الطبيعي الغير منتظم بسبب الإهمال، دائمًا ما يكون هناك تأخير في موعد الجلسات، إضافة إلى طبيعة مرضه التي تتطلب وجود مرافق معه في جميع تحركاته ''إحساس المهانة اللي بيحس بيه وهو مجبر إن يدخل حد معاه الحمام علشان يسنده محدش يستحمله''، لم يستطع ''صهيب'' حتى الآن أن يتأقلم مع الأوضاع دائمًا يسيطر عليه الخوف كما يصف لوالده دائمًا ''طب ما تشوفلي حد يخرجني من هنا'' يُرددها كثيرًا لوالده في كل زيارة.
لم تفلح محاولات المحامي المسئول عن قضية ''صهيب'' بإقناع النيابة بالإفراج عنه بضمان محل اقامته بالإضافة لصغر عمره، قالها الأب، كما أن عدم السماح لوالديه بحضور جلسات المحاكمة زاد من القلق داخل نفوسهم ليضيف همًا على هم ''مش عارف هتأكد منين بيتقال إيه على ابني جوه وهعرف منين إذا كان المحامي ده يصلح للدفاع عن ابني ولا لأ''.
البدلة الحمراء
أتم حاتم أحمد عامه الثامن عشر، ولكن بدلا من الاحتفال بعيد مولده بين عائلته وأصدقاءه احتفل به وحيدًا بين أربعة جدران داخل زنزانة الحبس الانفرادي مرتديًا بدلة الإعدام الحمراء، كانت الأحداث مشتعلة بجوار مركز شرطة مطاي بالمنيا عندما قرر ''حاتم'' والذي كان متواجدًا بمنزل عمته وقتها، أن ينزل إلى قلب الحدث ليشاهد ما يجري عن قرب، ولم يمر على تواجده أسفل المبنى الذي تقيم فيه عمته كثيرًا حتى تم القبض عليه ضمن المتهمين بأحداث الشغب هذا اليوم.
إجراءات طويلة عاشها ''حاتم'' قبل أن يصدر الحكم عليه بالإعدام تركت في نفسه تساؤلات لم يستطع أي شخص الإجابة عليها حتى والده الذي أكد أن حالة حاتم النفسية تسوء يوما تلو الآخر ''كنت بزوره كل شهر وكنت بلاحظ إن نفسيته تعبانه بسبب وجوده دايمًا في الزنزانة الانفرادي''، كانت آخر زيارة لـ ''حاتم'' من عائلته في 10 ديسمبر الماضي، لم يجيب على سؤال والده له ''نفسك في حاجة؟'' وكأنه استسلم للأمر الواقع.
وعلى الرغم من أن ''حاتم'' كان يحتاج من يواسيه فيما يمر به إلا أن بكاء والدته في كل زيارة كان يجبره على مواساتها وإخفاء ما يشعر به ليظهر وكأنه في أحسن حال، والدته حاولت دائمًا أن تشعره بأن هناك أمل فكانت تأتي له بكتبه ليستذكر دروسه حتى يكون جاهزا لخوض الامتحانات فور خروجه من محبسه، وهو ما جعلها موضع سخرية من العاملين بالسجن بسبب ذلك.
مخالفة فادحة
''الحكم على أطفال بالإعدام واتهامهم بتهم جنائية مثل هذه مخالفة فادحة وانتهاك لقانون الطفل في مادته 111''، هكذا علق أحمد المصيلحي، عضو شبكة الدفاع عن أطفال مصر بنقابة المحامين، والذي أكد أن القانون حظر صدور أحكام بالإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة على أطفال، وعندما يحدث ذلك من المحكمة فإنه يستوجب الطعن على الحكم، فيكون للطعن جدوى في هذه الحالة، ففي الكثير من الأحيان تُعاد المحاكمة مرة أخرى.
توجيه تهم بهذه الضخامة لأطفال هو موضوع مرافعتي أمام المحكمة في عدة قضايا، يُضيف المصيلحي، متابعًا بقوله ''من الصعب أن يرتكب طفل أقل من 18 عام مثل هذه الجرائم، فهي تحتاج لشخص راشد وعقل مدبر يستطيع أن ينفذها، فربما يكون تم استغلال هذا الطفل للدفع به لتنفيذ هذه الخطط أو أنه لم يشارك من الأساس وتم اتهامه بالخطأ، ففلسفة قانون الطفل تم وضعها على أساس الدعم الاجتماعي لمعرفة أسباب ارتكاب الطفل للجريمة ومن ثم معالجتها''.
''اعمل اللي انت عايزة لكن الأطفال لأ'' هكذا انطلقت منه تعليقا على إحالة طفلين خلال الأيام الماضية للمحاكمة العسكرية في قضايا تظاهر طبقا للقانون الذي صدر مؤخرا والخاص بالمنشآت العسكرية وهذا انتهاك جديد للأطفال، لأن الطفل له طريقة خاصة في المحاكمة
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: