المجموعة 73 مؤرخين.. مقاتلون لحفظ تاريخ مصر العسكري
كتبت - إشراق أحمد:
الحرب بالنسبة لهم كانت مجرد اهتمام قبل أن تصبح رسالة، أبطالها وتفاصيل مواقعها ومعاركها، إرباك صفوف العدو والوقوف زهوًا بالانتصار، أشياء تمنوا أن يسمعوها ويروها بعين أشخاصها، فيخيب الأمل مع قدوم اليوم ذاته كل عام، ظل ينتظر أحمد زايد حال ثلاثة رفاق السادس من أكتوبر، ليبحث بين القنوات على قصة يرويها قائد شارك بالحرب، فيلم يوثق لذلك، فيمر اليوم دون اختلاف حتى كونه أجازة رسمية بات اعتياديًا، فبذل الجهد لمعرفة أوسع، وجد ضالته في المنتديات المهتمة بالتاريخ العسكري، وانفتح على عالم التوثيق، فانكشفت له محاولات التشوية التي تطوله، خاصة حرب أكتوبر، لهذا أسس المجموعة 73 مؤرخين.
بعد عام 2008 تغير حال ذلك اليوم عند المشتغل بمجال التجارة، أصبح التأريخ للحروب التي خاضتها مصر وبطولات المشاركين فيها هم يشغل بال ''زايد'' والرفاق الذين شاركوه تأسيس موقع يحمل اسم أرادوا أن يكون ذو طابع عسكري، فعلى غرار أشهر الفرق المقاتلة مجموعة الفريق إبراهيم الرفاعي 39 قتال، تم تسمية الموقع، ورقم 73 ما هو إلا ارتباط بالحرب الأخيرة والنصر الذي تحقق بها.
''بقى بالنسبة لي يوم عادي لأني عايش النصر طول السنة'' يقول ''زايد'' مؤسس الموقع عن الإحساس الذي ينتابه يوم السادس من أكتوبر، فما بين البحث عن أبطال حرب أكتوبر، وغيرهم ممن ساهموا بدور في الحروب والكتب التي تتحدث عن كل ما هو عسكري وغيرها من الأبحاث يمضي الرجل الثلاثيني وقته طوال العام، وعلى الرغم من تقبله فكرة تخصيص يوم للتذكير بالانتصار، غير أنه يستنكر اختزال الحديث عن التاريخ وشحذ الإعلام لعرض قصص أبطال الحرب فقط في ذلك اليوم.
لم يكن الأمر يسير في البداية خاصة أن كل المشاركين في الموقع يحملوا صفة المدنية لم يكن أحد منهم منتميًا للمؤسسة العسكرية، لكن مع دعم اللواء محمد عكاشة- أحد المقاتلين الطيارين في حرب أكتوبر- وبمرور الوقت أصبح لديهم من الثقة ما تيسر لهم الأمور ''الموافقات اللي حصلنا عليها محصلش عليها منتج مصري لأكتر من 30 سنة.. متوافق لنا على طيارات ودبابات وأفراد صاعقة'' بفخر يتحدث الرجل الثلايني عما وصلت إليه المجموعة التي توسع نشاطها لتنفيذ أفلام وثائقية، لدرجة طلب تعاون القوات المسلحة لإخراج 7 أفلام، الأول عن الكتيبة 418-قامت بأعمال بطولية في حرب أكتوبر ببورسعيد وأسقطت للعدو 17 طائرة- والآخرى سلسلة متصلة عن تاريخ قوات الصاعقة.
الموقع أشبه بصفحات كتاب يضاف لها الجديد، على مستوى الشكل والمضمون، الحماس ينبض منه في قصص البطولات، وعشرات الكتب الحاوية لتاريخ مصر، والمقالات الموثقة لشهادات أصحابها، ويتجلى في الموسيقى العسكرية المصاحبة للمقاطع المصورة، يحرص القائمون عليه على تأكيد عدم انتمائهم لأي جهة وأنهم لا يهدفون للتجارة أو الربح.
7 سنوات من الدأب من أجل المضى قدمًا فيما يشبه مؤسسة بحثية، أساسها 4 أشخاص وقرابة 15 شخص متطوع مختلفي المجالات غير أن الشغف بالتاريخ العسكري يجمعهم، فلم يعد هناك وسط عسكري إلا وذكر فيه اسمهم، لكنهم على يقين أن ما يقومون به وإن كان جديد في مصر غير أنه على المستوى الدولي ليس كذلك ''بره في مؤسسات مدنية بتعمل أبحاث تخدم القوات المسلحة''، ويتأثر ''زايد'' بمؤسسة ''راند'' الأمريكية ويتمنى أن يصبح مشروعهم على المستوى ذاته ''شركات السلاح بتاخد أبحاثهم وعلى أساسها بتطور الأسلحة''.
من آن لأخر تسعى المجموعة 73 مؤرخين للتطوير، فمن الاعتماد على الموقع الإلكتروني، ونشر لقاءات مع مقاتلين في حرب أكتوبر وغيرها، والحديث عن من رحلوا، مرورًا بمشاركة عسكريين من دول عربية بالكتابة عن تجاربهم مع الحروب، وإجراء الأبحاث التحليلة، كل ذلك تمنوا أن يصل بشكل أكبر للأجيال الأصغر عمرًا وليس فقط المهتمين منهم بالتاريخ العسكري، لكن ''زايد'' ورفاقه تنبهوا لرغبة الكثير في معرفة المعلومة سريعًا وبشكل مختصر ''الناس مش عايزة تقرأ''، فاتجه الأمر لإدخال إمكانية الاستماع إلى المقالات، وإعداد الأفلام المصورة في غضون عام 2010، وكان الفيلم الوثائقي الأول ''أجنحة الغضب''، ومن بعده ''أبابيل..حقيقة الضربة الجوية''.
''ينقصنا التمويل'' تلك العقبة الوحيدة التي تقف حائل أمام المجموعة 73 مؤرخين، فهم يتولون إنتاج ما يقومون به من أفلام، ''أنا بعت بعت دهب مراتي عشان نكمل فيلم أجنحة الغضب'' بأسى لا يشوبه الندم يقول ''زايد'' حيث يستنكر ضعف الاهتمام الإعلامي بمثل هذه الأفلام الوثائقية الأمر الذي قرروا تجاوزه بالاستمرار أملاً أن يأتي يوم يُدرك فيه قيمة ما يفعلون من محاولة حفظ التاريخ.
اهتمام الفريق وإن كان في أغلب محتواه يتناول حرب أكتوبر، لكنهم يحاولون قدر المستطاع استعراض تاريخ جميع الحروب، ولا يخلو الطريق من مشاهد حزن لا تزيدهم إلا تشبثًا بما يقومون؛ فلا ينسى ''زايد'' كلمات كثيرًا ما ترددت على سمعه هو ورفاقه ممن شاركوا في حرب أكتوبر ''أنتم فين محدش جه يكلمني ويسأل عني ليه طول الفترة دي''، يتأثر لحال أشخاصها الذين لاقوا الموت من أجل الوطن ثم تناسوا بمرور الوقت لغياب من يهتم بسيرتهم ويحافظ عليها.
154 ندوة، وقرابة 135 شخصية تم توثيق شهادتهم عن حرب أكتوبر والاستنزاف وفترة النكسة، كتاب ''النسور الذهبية''، واثبات إغراق مدمرتين، الأولى إيلات الشهيرة وأخرى تسمى ''يافو''؛ هو نتاج المجموعة 73 مؤرخين الذي يفخروا به حتى هذه اللحظة ساعيين لمواصلة الأمر، لوجود الكثير من التفاصيل غير الموثقة، فمع قدوم السادس من أكتوبر كل عام، يدق نذير الخطر في نفس ''زايد'' ليؤكد على وصية لا بديل لها ''انقذوا تاريخ مصر من الضياع''.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: