لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

''المسجد الأقصى''.. قريب من قلوب المُحبين رغم الاعتداء

01:47 م الأربعاء 29 أكتوبر 2014

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-دعاء الفولي:

لو أن للسكينة أن تتخذ شكل أحد المباني؛ لكان ذلك هو المسجد الأقصى، كان من حظ ''عبير زياد'' السعيد أنها فلسطينية عاشت قبالته، وعملت فيه بعد ذلك ولازالت، وكذلك ''عبير صنصور''، غير أن الأخيرة فرقها عنه رحيلها إلى مصر لتمكث فيها؛ لا تعبر كلمات العالم عما يدور بقلبيهما عندما يتعرض الأقصى لاعتداء، الغضب أكبر من مجرد تجريم تعنت القوات الإسرائيلية، واعتداء المستوطنين على المرابطين بداخله يبغون الحفاظ على ما تبقى من كرامة، الاعتداءات تتكرر بين عام وآخر، تبدأ الحكاية بدخول المستوطنين إلى باحة المسجد من خلال باب المغاربة، ثم تحدث الاشتباكات مع المصلين، يبدو الأمر مكررا حد الملل؛ غير أنه في كل مرة تندلع الاشتباكات، شيء ما يتآكل في أنفس الفلسطينيين، تُصبح ''زياد'' أكثر غضبا لقربها من الحدث، وتُصاب ''صنصور'' بالعجز لبُعدها.

في الثالث عشر من أكتوبر قام بعض المصلين في المسجد عقب صلاة الفجر، بإلقاء الحجارة على الأمن الإسرائيلي، لسماحهم لبعض اليهود المتطرفين الدخول إلى باحته مع أحد أعضاء حزب الليكود الإسرائيلي، للاحتفاء بعيد المظلة اليهودي، حالة التوتر لا تموت، تظهر وتختفي مع أصغر شرارة، لا سيما مع تصاعد الاستفزاز من جانب قوات الاحتلال التي فرضت قيودا في الأيام الأخيرة على المصلين؛ كمنع دخول الرجال البالغين من العمر أقل من 40 عاما، بالإضافة لعدم تدخل القوات الإسرائيلية حال اعتداء المستوطنين على مرابطي المسجد.

تعمل ''زياد'' بمكتبة المسجد الأقصى منذ أربع أعوام، قبلهم عملت بداخله بحكم دراستها للآثار، لم يكن منزل أهلها يبعد سوى مترات عن أولى القبلتين ''وبعدما تزوجت لم أبتعد عنه، فحباني الله وزوجي بمنزل يطل عليه''، ساحة المسجد يتم فتحها للزيارات من الديانات المختلفة لأنها منطقة أثرية، إلا أن المستوطنين يلقون بالحجارة أحيانا على الدالفين إلى المسجد من أهل القدس لمنعهم من الصلاة، فيرد الفلسطينيون على الإهانة بإلقاء الحجارة او بالهتافات وترتفع وتيرة الاشتباكات، على حد قول ''زياد''.

من بيتها المؤقت في القاهرة تتابع ''صنصور'' ما يجري، تعلم أنها ستعود يوما إلى بيت لحم حيث وُلدت، فتمر أمام المسجد في طريقها إلى رام الله، لا يعنيها الإهانات التي ربما تتلقاها من الجنود الإسرائيليين كي تدخل إلى المسجد ''تعودنا على الوضع.. كنا نعلم أن الدخول متسللين احيانا إلى المسجد قد يعرضنا إلى السجن.. لكن ذلك لا يهم''، أكثر ما يُرهقها هو ما يقوله البعض عن الفلسطينيين؛ أنهم باعوا أرضهم للمحتل وتنازلوا عن المسجد، تدافع بغضب قائلة ''كنا نتعرض يوميا أثناء مرورنا بجانبه أو محاولة دخوله لكل ما يمر بالذهن.. اعتقال أو ضرب أو إهانة لفظية.. مع ذلك لم نحاول تركه لهم''.

الحرم القدسي الشريف يقع في الجهة الجنوبية الشرقية من مدينة القدس القديمة، يضم عدة مساجد؛ أكثرها شهرة مسجد قبة الصخرة، والمسجد الأقصى، الحرم أشبه بمجمع ثقافي كبير، يضم تفاصيل معمارية مختلفة، له تسعة أبواب تغير اسمها مع الزمن، لا يعلم الكثيرون أن المسجد ذو القبة الذهبية الذي يروج له الإعلام ليس سوى مسجد قبة الصخرة ''هذا ما تريده إسرائيل ويفعله البعض دون قصد.. ألا يعرف الناس شكل المسجد الأقصى لأنه عندما تُجري به تغييرات أو تهدم جزء منه لن يلاحظ أحد''، قالت ''صنصور''، موضحة أن بعض القنوات الفلسطينية تنبهت لذلك منذ فترة فنوهت عنه.

على أمل أن تصلي بالمسجد ذهبت ''زياد'' إليه في عيد الأضحى الماضي، لم تُمهل فرصة لذلك، مشادات مع جنود الاحتلال انتهت بنزع حجابها عنها وسحلها وضربها ''وتم اعتقالي في النهاية''، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض فيها للعنف بحكم ترددها على المكان، كما أنها ليست السيدة الوحيدة التي تم التعامل معها بوحشية ''لوحظ خلال الفترة الاخيرة تكرر الاعتداءات على النساء ونزع ملابسهن وقص شعر إحداهن''، لذا تصنف ''زياد'' الاشتباكات الأخيرة بمحيط المسجد أنها الأسوأ منذ فترة طويلة.

قبل أن ترحل ''صنصور'' عن مسكنها ببيت لحم، كانت ومن تعرفهم يفعلون ما يستطيعون لمنع استحواذ المستوطنين على الأراضي المحيطة بالمسجد، تذكر عندما أرادوا الحصول على مبنى مهجور يقع على بُعد دقائق من الأقصى ''وقتها قرر أكثر من شخص الاشتراك وأخذ المبنى لعمله مركز لحقوق المرأة''، وقد كان؛ تلك الطريقة هي أفضل ما يستطيع الفلسطينيون فعله أمام الاستيطان المتفشي، أما ''صنصور'' فكانت ولم تزل تحارب العدو بالغناء على جميع المسارح التي تفتح لها ذراعيها، حياتها في محيط المسجد واشتباكاته أثرت على تعاملها مع أي حدث آخر ''هذه الأشياء رغم الألم هي ما تصنع الشخصية''.

21 أغسطس 1969  يتسلل ''دينس مايكل'' إلى باحة المسجد بزعم أنه سائح، حيث أشعل النيران في الجناح الشرقي للجامع القبْلي الموجود في الجهة الجنوبية للمسجد الأقصى، أتى الحريق على أجزاء مهمة من الجامع؛ منها منبر القائد نور الدين زنكي الذي صنعه ليوضع في المسجد بعد تحريره من يد الصليبيين، لكن الموت لم يمهله؛ فوضعه صلاح الدين الأيوبي بالمسجد عقب استرداده، استطاع الفلسطينيون إخماد النيران، رحّلت إسرائيل مرتكب الواقعة بزعم جنونه إلى أستراليا ولم يدلف إلى السجن، في هذا اليوم تأخرت سيارات الإطفاء الموجودة في المنطقة في القدوم لمكان الحريق، يعتقد الكثيرون أن السلطات الإسرائيلية تعمدت فعل ذلك، لأنها كانت تسيطر على نقاط الإطفاء القريبة.

المرابطون بالمسجد الأقصى هم الورقة الأهم التي تعرفها ''زياد'' في النضال، لا ينتمي جميعهم إلى تيار بعينه؛ بل هم من أهل المناطق المحيطة بالحرم القدسي ''لكن الحل ليس فلسطيني فقط فالحل دولي ويقع على عاتق كل العرب والمسلمين''، ذلك الدور في حماية المقدسات لن يتم إلا بالوعي الكامل من قبل الجميع؛ فالاعتداءات والاشتباكات لا تأخذ حظها من المعرفة كالأخبار الأخرى.

صفحة على موقع فيسبوك هو ما تقدمه ''زياد'' حاليا للعالم، لعل أحدهم يلم بما يجري، ففي صفحة ''القدس أولا'' تحاول رصد أشكال الاعتداءات شبه الدائمة على المصلين، من خلال متطوعين بصور ومقاطع مصورة، فيما عدا ذلك فهي ممنوعة من دخول المسجد لمدة أسبوعين وهي وبعض الذين يعملون به، كعقاب لهم، على حد قولها.

تلك الاشتباكات التي بدأت هذا الشهر، ليست الأولى خلال السنوات الماضية، حيث تكررت في 2013، إلا أن الوضع اتخذ منحى جديد هذا العام بعد أن قُتل الطفل ''محمد أبو خضير'' من بلدة ''شعفاط'' بالقدس على يد مستوطنين في يوليو الماضي، ثم حرب غزة الأخيرة التي راح ضحيتها الكثيرون من أهل القطاع، وأخيرا إلقاء القبض على أكثر من فلسطيني مع كل اشتباك بينهم والمستوطنين، وزاد من توتر الأحداث استشهاد الصبي ''عروة حماد'' 14 عاما، على يد الجنود الإسرائيليين أثناء الكر والفر بينهم والمحتجين الفلسطينيين في الجمعة الماضية، بالإضافة لمقتل الطفلة ''إيناس شوكت'' 4 أعوام؛ التي دُهست على يد مستوطن إسرائيلي، غير أنه لم يُحاسب، بينما قبل ذلك بساعات صدم فلسطيني مشاه إسرائيليين ولاقت من ضمنهم رضيعة إسرائيلية حتفها، ليتم إعدام السائق الفلسطيني بالرصاص بعد اتهامه من قبل شرطة الاحتلال أنه متعمد.

تتوقف الاشتباكات عادة لأمرين إما إصدار أوامر مباشرة من جيش الاحتلال بانسحاب المستوطنين، أو قلة عدد المرابطين، فيتم اعتقال بعضهم، على حد تعبير ''زياد''.

بين ذلك المقطع وهذه الصورة تتابع ''صنصور'' تطورات ما يحدث في محيط المسجد، بخوف أحيانا، وفخر مرة أخرى لأن ''هناك من يصمدون ضد الظلم''، يباغتها عقلها بسؤال عن الدور العربي لوقف الاعتداءات بين الحين والآخر، لا تتمالك نفسها من الضحك، رغم مأساوية الموقف على حد قولها ''أذكر جملة جولدمائير عن حريق المسجد الأقصى.. انها لم تنم تلك الليلة اعتقادا منها أن العرب سيأتون من كل مكان للدفاع عن المسجد.. غير أن شيئا لم يحدث''، تشعر الفلسطينية المغتربة ببعض الابتذال عقب كل اعتداء ''لأن التعامل مع قضايانا أصبح مقتصر على الدعاء والبكاء فقط''.

لازال المسجد الأقصى له نصيب من اسمه، هو البعيد القريب، لا يختلف حال ''زياد'' القاطنة جواره كثيرا عن ''صنصور'' المغتربة، لا يملك محبوه سوى السعي الدائم لدخوله بأنفس هادئة، لا تنتظر إهانة من جندي، اعتداء من مستوطن، ولا شفقة من أحد الجالسين على مقاعد المنظمات الدولية يدينون الوضع دون تدخل حقيقي.

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك: