لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

مولد الدستور بين رفض ''ثوري'' ومقاطعة ''إخوانية''.. والاستقرار ''يكسب''

01:13 م الإثنين 13 يناير 2014

مولد الدستور بين رفض ''ثوري'' ومقاطعة ''إخوانية''.

كتبت: دعاء الفولي:

أمام شاشة التليفزيون جلسوا، كلٌ منهم يبحث عن مادة تصلح للمشاهدة، ممسكا بيده جهاز التحكم، متململا في جلسته، حوارات كثيرة بين ضيوف تدور داخل ذلك الصندوق الصغير، وليس فيها شيئا تبعا لهوى أحد منهم، حتى صدح صوت ذاك الرجل الرصين على محطة إخبارية، يُعلن بعد الديباجة عن استفتاء الدستور القادم، يتساقط الملل فجأة عن أجسادهم فتعتدل، يتوقف الزمن دقائق كي يستمعوا لما يُقال، تتجمد ملامح الوجه وتُحبس الأنفاس ولا تخرج حتى يُعلن المتحدث ميعاد الاستفتاء في منتصف شهر يناير.

هم لا يعرفون بعضهم، ربما مر أحدهم بجوار الآخر يوما في الشارع، أو جلسوا بجانب بعضهم في المواصلات العامة. استفتاء الدستور بالنسبة لهم أمر جلل، حتى وإن امتنع أحدهم عن الذهاب للتصويت، ولأن لكل استفتاء رد فعل، فحكاياهم عن علاقتهم به مختلفة كاختلاف اتجاهاتهم؛ فما بين الثوري والإخواني ومن لا يرى في الفصيلين السابقين ما يُرضيه.

حُكْم الثورة فرْض

لاقتناعه بأن الثورة تعني نسف الخطأ من البداية فكان إعلان موعد الاستفتاء بالنسبة له أمرا مُحبطا، راودته نفسه بأن المتحدث سيُعلن تراجع اللجنة عن طرح الدستور وإعادة النظر في مواده، التي نادى مع زملاءه بها في التحرير من قبل؛ لم يتمالك ثوريته، فارتدى ملابسه عقب سماع الخبر وخرج ليعترض على تعديلات الدستور كما عارض الدستور.

له من العُمر واحد وعشرين عاما، حينما قامت الثورة كان لم يبلغ الثمانية عشر بعد، خرج فيها دون معرفة أهله أحيانا، حَمِل عبئا ثقيلا على كاهله بعدما سقط أول صديق له ميتا على أرض الميادين، ومع كثرة الراحلين بات العبء موجعا، لا يُخفف عنه سوى الأمل في رؤية الثورة تحكم يوما ما حتى وإن كان بجوار ربه وقتها.

أما اسمه فمحمد أمين، طالب في السنة الأخيرة بالمعهد العالي للتكنولوجيا، التحاقه بحركة 6 إبريل بدأ مع بداية اهتمامه بالسياسة؛ فكانت الأحداث التي تقع تباعا بداية من الثورة وحتى الآن له طرف فيها ولو بقدر ضئيل، وكما أن له حق دم عند الحكام أجمعين، فله حق مشاركة في دساتيرهم، فكان دستور 2012 المستفتى عليه في عهد الرئيس المعزول، محمد مرسي، بالنسبة له سيئا وكذلك الجو السياسي.

''دستور 2012 كان في مجمله جيد''، قال أمين، مستطردا أنه رغم ذلك كان به أخطاء عديدة، كالمواد التي تخص القوات المسلحة، وتعطي صلاحيات كبيرة لها وكذلك مادة المحاكمات العسكرية، بالإضافة للمادة المقتصرة على حرية العقيدة في الأديان السماوية فقط ''كان لازم تبقى شاملة جميع الأديان بشكل عام'' على حد تعبيره.

يرى أمين أن تعديلات الدستور في 2014 بها قصور، فـ''رغم صلابة المواد في التعديلات وإمكانية عزل الرئيس بآليات ديمقراطية'' إلا أن المواد الخاصة بالجيش أسوأ، خاصة تلك المتعلقة بتحصين منصب وزير الدفاع.

بين الدستور وتعديلاته أحداث كثيرة، موتى وتقلبات سياسية غيرت في فكر الشاب العشريني الذي استمسك بعروة الثورة قدر استطاعته؛ فهو يعتقد أن دستور 2012 قام بتدشينه لجنة سيطر عليها فصيل واحد، والحال في 2013 لم يختلف كثيرا عنده ''اللجنة المُعينة غير ممثلة للناس، والبيئة السياسية قمعية ودموية جدا، وكان فيه عدة مذابح دموية أثناء عمل اللجنة''.

''في دستور 2012 شاركت وقلت لأ إنما السنة دي انا هميل للمقاطعة'' اختلاف العامين لدى أمين راجع لعدة أشياء أهمها أن المقاطعة هذا العام أكثر أخلاقية في وجهة نظره، حتى وإن اختلف في ذلك مع التيار العام لحركة 6 إبريل، ''أنا هكون متسق مع نفسي أكثر لما أقاطع''، بجانب اعتقاده أن المشاركة ستجعله يخضع لسلطة لا يعتقد في شرعيتها بالكامل.

في النهاية التعديلات لا تجعل أمين راضيا، فمواد رئيسية تمنى أن يراها فيها كتلك المتعلقة بحقوق الإنسان، والحد الأدنى والأقصى للأجور بشكل واضح ومُلزِم، أما حال السلطة في العامين فقال إن ''2012 الفصيل اللي عمل الدستور خان الثورة و2013 اللي عملوا الدستور هما أعداء الثورة''.

المهم.. الاستقرار

''إحنا في مرحلة انتقالية، خلينا نخلص''.. كلمات قالها محمد حسين عن استفتاء الدستور 2014، لا تعنيه كثيرا المواد المعُدّلة ''مبصتش عليها كلها لسة''، رغم ذلك فتصويته سيذهب لـ''نعم'' كي تتجه البلد للاستقرار كما يريد لها.

يعمل حسين كمدير حسابات بأحد الشركات، لم يتردد في النزول لتظاهرات 30 يونيو المطالبة بعزل مرسي، وكما لم يرحل من التحرير في ثورة يناير حتى تتخلص البلد ''من اللي كانوا واكلينها''، لم يرحل أيضا منه حتى رحيل الإخوان.

دستور 2012 بالنسبة للشاب ذو الثمانية وعشرين عاما، لم يكن موضع اهتمام ''كان عندي اعتراضات كتيرة عليه''، لا يذكر كثيرا منها، ولا يبرر موقفه سوى أنه ''مبحبش الإخوان أصلا.. كنت بشوفهم في التليفزيون في الجلسات وهما بيعملوه مكنش بيعجبني سيطرتهم''، مما جعله يصوّت بـ''لا'' عليه.

السلطة الحالية أقنعت حسين لحد كبير بمواقفها السياسية، سواء من جهة الرئيس المؤقت عدلي منصور أو الفريق عبد الفتاح السيسي، ولو ترشّح أحدهما للانتخابات الرئاسية ''هنتخب عدلي منصور لو اترشّح والسيسي هشوف مين نازل قصاده الأول وبعدين اقرر''.

الحالة السياسية العامة للبلد وكُرْه حسين لتيار الإخوان لم يمنعه من المحافظة على الود بينه وبين أصدقائه ممن يتبعون الإخوان؛ فلم يفكر يوما في مقاطعتهم رغم قيام بعض أصدقائه ممن يتخذون نهج معادي للجماعة بذلك.

الدستور ليس الحل

توافدت الأفكار على ذهنه بينما يستمع لميعاد الاستفتاء، كيف تغير الحال هكذا، كان العام الماضي في وقت صياغة الدستور في عهد مرسي يستطيع البوح بمكتوم نفسه، حتى وإن لم يعجب رأيه أصدقائه الذين يرونه وفصيل الإخوان الذي يتبعه خائنين؛ أما الفصيل فلم يمثل له قبل الثورة شيئا، سوى مجرد تيارا آخر كتلك المنتشرة على الساحة، وبعد الثورة قرر الانضمام لهم من خلال التحاقه بحزب الحرية والعدالة.

في عام 2012 كان للحزب الذي يتبعه من الأخطاء ما له، وكان هو يعلم ذلك جيدا، ويقوله بلا غضاضة في وجه القائمين عليه، وبعدما مر العام ليتهدم الحزب والتيار وتصبح الجماعة ''أكثر حظرا''، أصبح مجرد ظهوره في أي مكان أزمة فضلا عن التعبير عن رأيه في ما يحدث وخاصة استفتاء الدستور.

''أول حاجة فكرت فيها لما سمعت الميعاد إن الاستفتاء مُخالف لرأي الناس، الاستفتاء بيمثل رأي الطبقة الحاكمة''، خاطرة قفزت لذهن محمد إبراهيم، الطالب بمعهد هندسة العاشر، لا يعتبر أن دستور عام 2012 مكتمل لأن ''مفيش حاجة كاملة لا دساتير ولا وحُكام''، فكان اعتراضه على عدة مواد به، أهمها مادة المحاكمات العسكرية، إلا أن الوضع في مجمله كان كالجنة بالنسبة للوضع الحالي، فكان الناس يستمعون له دون الصراخ في وجهه بكلمات من قبيل ''أنتو إرهابيين''.

يعتقد إبراهيم أن عام 2012 كان دستوره في العلن، النُسخ متوفرة بكثرة، الجلسات عيانا بيانا، وباب النقاش مفتوح، بدليل ''إن الإعلام كان بيهاجم الدستور كل يوم وبيقول دستور الإخوان ومحدش كان بييجي جنبهم''. هذا العام فالوضع مأساوي، حسب تعبيره، خاصة من الجهة التقنية فالتعديلات أسوأ ''فيه تلاعب بالألفاظ وانا مش عندي ثقة في أعضاء اللجنة من الأساس''.

إنسانيا، يرى أن أصدقاؤه الذين قُتلوا في فض اعتصام رابعة العدوية سبب وجيه له كي يُقاطع الدستور ''حسن عيد كان معايا في المعهد وبقالنا خمس سنين أصحاب واتقتل في رابعة''، بالإضافة لأكثر من عشرة أصدقاء معتقلين من تيارات مختلفة على حد قوله، كما أن ''ما بُني على باطل فهو باطل''، فالنظام الحالي في عين إبراهيم ساقط الشرعية، كيف سيصوّت على دستوره، حتى أن الجدال مع أصدقائه الذي يروّجون لفكرة رفض الدستور قائمة على محاولة إقناعهم بمقاطعته مثله.

شبرا هي المنطقة التي يقطن بها إبراهيم، يعرف أهلها ويعرفونه، لم تبدأ المشاكل فيما يتعلق باتجاهه السياسي، حتى رحيل مرسي، فوقت الدستور العام الماضي كان يواجه اعتراضات من قبيل ''هو شوية شيوخ هيحكموا البلد''، لكنها كانت مقبولة لديه، ولكن هذا العام اضطر لقطع علاقته بالكثير، سواء بسبب عدم احترامهم لحرمة دم الموتى أو خوفا من الملاحقات الأمنية فـ''مش كل الناس في المنطقة عارفين إني كنت في الحزب''، ورغم ذلك يحتفظ الشاب الذي أكمل عامه الاثنين والعشرين ببعض مودة تجاه آخرين في المنطقة، دون التطرق أحيانا للسياسة، خاصة مع أصدقائه من التيار السلفي لأن ''آخر مرة اتكلمنا في السياسة قلبت بخناقة''.

لعبة الإعلام والسياسة

قال أحمد عبدالله، الطبيب النفسي بجامعة الزقازيق، إن استفتاءات الدستور بشكل عام تتبع لعبة سياسية وإعلامية؛ فالأمر لا ينطبق على الوضع المصري فقط، بل على العالم أجمع، وتلك اللعبة على حد قوله تنطوي على قدر كبير من الخداع، لا يفطن له الناس في معظم الأوقات بسبب انتظارهم تحسين أحوالهم من قبل الدولة دون بذل مجهود كافٍ من جانبهم، وهذا ما برر فكرة الاستقرار التي تشدق بها السياسيون على مدار أكثر من عامين بعد ثورة يناير، أثناء صياغة الدساتير والتعديلات، ثم ظهور نتيجة تلك الاستفتاءات بنعم في الغالب بسبب رغبة الناس في إنهاء المرحلة الانتقالية بأي شكل.

''الإعلام له سحر، يحاول به السيطرة على عقول الناس ولأنهم يريدون التصديق فيتم التلاعب بهم'' يضيف ''عبد الله''، مؤكدا أن المواطن يتحول مع الوقت إلى عنصر يذوب وسط الجمع، لا يُحب الشذوذ عن آرائهم حتى وإن بدت خاطئة له، لكن المشكلة أن ''ذلك يورث حالة من الإحباط للناس، لأنهم بتصديق وعود السياسيين والإعلام لهم دون التفكير فيها يسقطون من سماء الأمل الكاذب لأرض الواقع المرير''، وهذا ما يحدث عقب كل استفتاء تمر به مصر في السنين الأخيرة على حد قوله، فلا يتم تحقيق شيء من إرادة الناس في النهاية.

دلوقتي تقدر تعبر عن رأيك في مواد الدستور الجديد من خلال استفتاء مصراوي..شارك برأيك الآن

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان