لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

من المزرعة إلى المذبح.. اليوم الأخير في حياة "عجل"..(صور)

10:03 ص الثلاثاء 03 سبتمبر 2013

كتب- محمد منصور:

موعد ثابت لم يغيره، أكثر من ربع قرن لم يبدل فيها عاداته، يتوجه برأسه صوب السماء مستعينا بالخالق قبل أن يخرج فجراً من بيته صوب صاحب مزرعة العجول الشهيرة و الذى يتعامل معه منذ سنوات خلت، وصل فى الخامسة والنصف، وقام بتحميل "العجل" الذى تفاوض على ثمنه قبل عدة أيام، اطمأن على صحة الحمولة الثمينة المربوطة بأكثر من حبل، بينما قطعت السيارة "النصف نقل" المسافة من أحدى المزارع بطريق مصر إسماعيلية الصحراوي إلى "مجزر السلام"  أقل من نصف الساعة، فالسيولة المرورية فى أقصاها ولا أحد يبدأ يومه مبكراً، فيما تكون تلك اللحظات ممثلة للجزارين "وقت الذروة".

720 كيلوجرام، هو وزن "الوحش" الذى يوشك على فقدان حياته، قطعة صفراء صغيرة تتدلى من أذنه اليسرى تمثل بطاقته الشخصية، تحمل أرقاماً تشير إلى محافظة المنشأ وناحية التربية وجنس الحيوان ورقمة، قام مربيه بوضعها فى هذا المكان ليعرف "الزبون" قيمته الثمينة "معناها أن خالى من الهرمونات الضارة". يقول المعلم "غنام" الذى يعمل جزارً منذ نعومة أظافره، ويؤكد الرجل الذى يرتدى جلباباً ملطخ بالدماء أن سعر الكيلو "قايم" لا يتعدى 25 جنيهاً.

أسعار اللحوم مرتفعة والأسباب مختلفة

ارتفاع أسعار اللحوم، كابوس يجثم على صدور المصريين، فثمن الكيلو يصل فى بعض المناطق إلى 90 جنيه، حسب سعيد جلال، صاحب مجزر السلام الكائن بمنطقة مؤسسة الزكاة، يعلق الرجل، الذى يرتدى الزى "الأفرنجى" المكون من بنطال وقميص ويقوم بالإشراف على عمليات الذبح وتحصيل الرسوم، الارتفاع فى أسعار اللحوم على شماعة الحكومة "البلد بتحصل 15 ضريبه على العلف بإجمالي يتعدى 1000 جنيه لكل طن" يقول جلال، "طعام الحيوان" يتكون من خمس مكونات يتم استيرادها بالكامل من الخارج "الردة والذرة الصفراء والذرة العويجة ومستخلص وبذرة القطن"، تأتى الردة من القمح المستورد فتقوم الحكومة، حسب الرجل الخمسينى، بفرض ضريبة مبيعات و هامش ربح وجمرك، وتكرر ذلك مع باقى المكونات ليصل طن العلف للمُربى بسعر يترواح بين 2400 و2600 جنيه "فيه علف بتوفره الحكومة بسعر 1500 جنيه، بيتباع فى صوابع طويلة، كل صباع 100 جرام،  بس بيبقى عبارة عن حطب وجير وحباية ذرة واحدة، مينفعش تسمين، وعشان كده المربيين بيشتروا العلف من الشركات مش من الحكومة".

المجزر المترامي الأطراف مكون من ستة عنابر، المياه تتدفق باستمرار على الأرضية الرخامية لمنع تجلط الدماء الناتجة عن عمليات الذبح، عبر بوابة المكان الحديدية الضخمة ولج "العجل" إلى "العنابر"، بدأ "الضحية" فى اصطناع الفوضى، فقد أحس بقرب انتهاء حياته، بصعوبة بالغة، تعاون أكثر من 7 شباب لإنزال الحيوان الهائج؛ بسبب رائحة الدماء التى تخيم على المكان، من السيارة إلى أرضية المجزر، بدأوا فى سحبة إلى العنبر المخصص لذبحه.

أمام البوابة المفضية الى عنابر الذبح، جلس الطبيب البيطري سمير نجيب ينظر بعين الخبرة إلى الذبائح المارة أمامه، 33 عاماً قضاها فى العمل مكنته من معرفة صلاحية الذبيحة بمجرد النظر، 300 كيلو هو الحد الأدنى لوزن الذبائح من الذكور البقرى، ولا يجوز ذبح الإناث بأى حال من الأحوال إلا بعد "تبديل الأسنان كلها" حفاظاً على الثروة الحيوانية، أثناء مرور الحيوانات أمامه، يكشف الطبيب عليها كشفا ظاهريا "الحمى القلاعية بتبان بمجرد النظر، بيبقى فيه رغاوى حول فمه، ولازم يكون بيعرج، لأن الحمى اسمها الفم والقدم " يقول الطبيب والذى يعمل مديراً للمجزر، فرغم كون المجزر "خاص وبتاع رجل أعمال" إلا أن وزارة الصحة ومديرية الطب البيطري تُلزم أصحاب المجازر أن يعين مديراً من طرفها لمنع التلاعب وللحفاظ على صحة الإنسان.

دخل "العجل" إلى المكان المخصص للذبح، تكاتف عليه الجميع، أرقدوه أرضا، وتكفل أحدهم بشحذ السكين، لحظات مرت كالدهر، حاول فيها "العجل الجاموسى" الدفاع عن حياته إلا أن مقاومته انهارت بفعل احتكاك السكين بوريده العنقى، بدأ فى التشنج، وكأنه يريد الانتقام من قاتله بدأت أقدامه "ترفص" بعنف وكادت تصيب أحدهم لولا عناية الله، 4 دقائق أكتمل فيها نزيف الروح وصار الحيوان جثة هامدة.

"كده بقى سعره أختلف" يقول المعلم "غنام الجزار" مشيراً إلى الحيوان بعد ذبحه، ليعلق الدكتور على عبارته بقوله "مش لما نكشف عليه الأول"، بدأت الإجراءات المعتادة، فصل الرأس عن العنق للكشف عليها "بنعرف إذا كان فيه ديدان شرطية وبورسيلا وحمى ولا لأ" يقول الطبيب البيطرى الذى يمسك بيده اليسرى سكينا يهتك بها رأس العجل المذبوح للبحث عن علامات قد تُشير إلى أصابة ما "أحنا بعد الذبح بيبدأ فحصنا الحقيقى للذبيحة " يقول الرجل بينما تعمل يداه فى كد، يبحث عن الديدان الشرطية فى العضلات "لو لقيت أى دودة فى أى عضلة لازم أعدم الذبيحة كلها"، فى الحالات الطبيعية قد يعثر الرجل على إصابات لا تكلف الجزار الكثير "فيه أمراض معينة ممكن نعدم بسببها الجزء المصاب بس، مش الذبيحة كلها، زى الدودة القلبية والحويصلات الديدانية"، يؤكد سمير أن المجازر الخاصة لا تعوض أصحاب الحيوانات المريضة والتى تُعدم بعد ذبحها عكس المذابح الحكومية "اللى عندها نظام تأمين على الذبائح المعدومة".

"جشع الجزارين" هو السبب الرئيسى لارتفاع سعر اللحوم عند الطبيب البيطرى، علاوة على عدم وجود رقابة على السوق وانخفاض التنافس بسبب غياب الجمعيات التعاونية، فترة طويلة مرت منذ أخر مرة ذهب فيها سمير إلى الحجر البيطري فى موانئ مصر، 20 عاماً قضاها الرجل فى الإشراف على الحيوانات القادمة من إيرلندا والتى كانت تذبح بمعرفة مديريات الطب البيطرى ووزارة الصحة، وقتها كان السوق متشبع باللحوم المدعمة من قبل الحكومة مع اللحوم ذات الأسعار الحرة والتى كانت تحقق لأصحابها هامش ربح معقول "كانت بتتعرض اللحمة فى الجمعيات بأسعار زهيدة ووقتها كانت لحمة الجزارالبلدى أغلى منها بـ10 جنيه بس، كانوا بيحاولوا يحافظوا على زباينهم بتخفيض السعر، لكن دلوقتى السعر جنونى"، ارتفاع سعر الدولار وانتشار أمراض الحيوانات كالحمى القلاعية وجنون البقر منع مصر من استيراد الحيوانات الحية من الخارج الأمر الذى ساهم بشكل مباشر فى ارتفاع سعر اللحوم "بستغرب لما ألاقى جزار بيبع اللحمة بـ100 جنيه، مش لاقى سبب غير الجشع وغياب دور الحكومة".

بدأت عمليات "السلخ" للعجل المذبوح، عشرة أياد أمتد إلى جلد الحيوان الثخين محاوله نزعه عن الغشاء الأبيض المبطن للحم، أقل من عشر دقائق تحول بعدها اللون البنى المميز للذبيحة إلى لون أبيض ناصع، بدأت عمليات "التعليق"، بإستخدام جنازير ورافعات من النوع الثالث، عُلق الحيوان على "جنش" متدلى من السقف، ساطور أخذ فى الهبوط ليشق الذبيحة لنصفين متماثلين، بدء "السقط" المكون من أمعاء الحيوان ومعدته وأحشاؤه الداخلية فى السقوط أرضاً، لتأتى سيدة ثلاثينية لتقوم بمهمتها فى تنظيف الفوضى الناجمة عن شق العجل باستخدام خرطوم مياه وممسحة مطاطية.

"دلوقتى بقى سعر الكيلو فيه 43 جنيه" يقول المعلم غنام، موضحاً ان بعد عمليات الذبح والسلخ، يتحول الحيوان إلى "عظم ولحم" ويساوى ثمن الكيلوجرام الواحد "37 للجاموسى و45 للضانى و43 للبقرى"، تمتد يد الطبيب إلى داخل الحيوان، يقطع أجزاء من اللحم بطريقة عشوائية للأطمئنان إلى سلامة الذبيحة، يبدأ فى فحص الأسنان لتحديد سن الذبيحة، ثم تمتد يداه إلى الغدد لتحديد سلامتها ثم ينزع القلب والرئتين لتشريحهما بالكامل  "لو خرجت من هنا وهى مريضة، كلنا هنخش السجن، اللحمة مفهاش هزار" يقول الطبيب الخمسينى وهو يمعن النظر داخل الحيوان المجوف.

"التلت والتلتين" هى القاعدة التى يحفظها كل جزار، فلكى يحقق مكسباً من وراء تجارته، يجب أن لا يتضاءل وزن الحيوان بعد ذبحه إلا للثلث فقط "يعنى لو 600 كيلو المفروض يبقى 400 بعد ذبحه"، أبتسم غنام فى سرور عندما وجد أن وزن "عجله" يفوق الـ500 كيلو ببضع كيلوات "الحمد لله ربنا كرمنى، أنا خسرت فى العجل اللى فات 1500 جنيه"، أنتهى الطبيب من فحصه، وأشار إلى أحد تابعيه يإشارة ذات مغزى، لحظات وجاء الرجل حاملا الأختام "ده الختم الصح، مكون من خمس قطع بيبقى عليه أسم المجزر والعلامة السرية وأسم المحافظة والرقم السرى وتاريخ اليوم"، زجاجة بنية اللون تحتوى فى داخلها على سائل أحمر اللون مخصص للختم "دى مادة صالحة للاستهلاك الأدمى، مكونة من سبرتو أبيض ومادة كيميائية اسمها كراموزين"، يبدأ حامل الأختام الحكومية،  والتى يتم تصنيعها بتقنية خاصة من سبيكة معدنية محفور عليها أشكال معقدة باستخدام أسلوب الحفر الليزرى، فى غمر الختم المخصص للذبائح البقرية فى السائل تمهيداً لإعطاء العجل صك الصلاحية.

رجل خمسينى العمر بدأ فى التفاوض على "السقط" المكون من "الكرشة والممبار والكوارع"، 480 جنيه دفعها "محمود بذرة" ثمناً للـ"الشروة"، بدأ فى تنظيف بضاعته تمهيداً للذهاب إلى السوق "مفيش حاجة بتخسر فى العجل، كل حاجة بتتباع فيه حتى جلده"، يوميا يحضر "بذرة" فى الصباح الباكر إلى المكان، ينتظر العجول الكبيرة ويشترى "سقطها"، يقوم بعمليات التنظيف ويتجه إلى أحد الأسواق الشهيرة "ببيع الممبار بـ30 جنيه للكيلو والكرشة بـ22 وجوز الكوارع بـ70 وبكسب فى الليلة دى كلها حوالى 80 جنيه".

"الخنانيش" أماكن للذبح غير الشرعي

"الخنانيش" هى الأماكن التى يتم فيها عمليات الذبح الغير شرعية، غالباً ما يكون المكان بعيد عن الأنظار ومجهزاً بـ"مناشير كهربائية وصفايات للمياه" و بسبب الانفلات الأمني زادت عمليات "ذبح الإناث خارج السلخانة" مما أدى إلى تقلص الثروة الحيوانية وضعف الأقبال على المجازر المتخصصة "ما هى النتايه سعرها نص سعر الدكر" يقول عبد التواب أحد العاملين بالمجزر، والذى يؤكد أن "الجشع" وراء ذبح الأناث "لأن الجزار ساعتها بيكسب الضعف، ولو باع كيلو اللحمة بـ25 جنيه هيكون برده كسبان"، ويؤكد الشاب أن أعداد كبيرة من الأختام تم سرقتها لختم اللحوم المذبوحة "خارج السلخانة" دون تفتيش صحى وبعيداً عن أعين الرقابة "الناس مش بتعرف تفرق بين اللحمة المذبوحة جوه والبرانى، بس المفروض الجهاز يفتش ويسجن اللى ذابح بره".

"المُربى، المجزر، جزار المجزر، جزار الجملة وجزار التجزئة" هى السلسلة  التى يمر عليها اللحم قبل وصوله إلى المستهلك، كل الأشخاص، وبحسب سعيد صاحب مجزر السلام، يريدون الربح، فالمربى يقوم بتسمين العجول وبيعها إلى التاجر الكبير الذى يقوم بدورة بتحويلها إلى المجزر الذى يتم فيه عمليات الذبح، ويبدأ جزار الجملة فى بيع اللحوم إلى جزار التجزئة "بس فيه جزارين بيدبحوا لحسابهم، بس دول قليلين"، مرور اللحوم على العديد من الأشخاص يساهم فى رفع سعر المنتج النهائى "لو كل واحد كسب فى الكيلو جنيه يبقى فيه 5 جنيه هيضافوا على السعر النهائى، وطبعاً كل واحد عايز يكسب أكثر من كده بكثير"، يتكلف ذبح العجل داخل المجزر 35 جنيه، تحصل الحكومة 10 جنيهات كرسوم خدمة لدفع رواتب الأطباء والعاملين التابعين لها فى المكان، ويقوم "صاحب الذبيحة" بدفع 10 جنيهات أخرى فى "السلخ" و25 جنيها فى حالة "التقطيع والتشفية" وتكون التكلفة الإجمالية منذ دخول الحيوان من باب المجزر لحين خروجه "75 جنيه تقريباً"، يمكن للمستهلك أن يقوم باختصار السلسلة الطويلة والحضور إلى "المجزر" للشراء منه بشكل مباشر بشرط حصوله على "ربع كامل، وبكده هيوفر فى الكيلو الواحد كتير جداً، أحسن كيلو هنا بـ50 جنيه".

"بسم الله" كلمات قالها "غنام" قبل الشروع فى تشفية العجل الذى تحول إلى "قطعتين"، يُعمل سكينه وساطوره ليفصل قطع اللحم عن العظام "العظم حوالى 10% من الوزن وبعد التشفيه بيوصل السعر للمستهلك بـ50 أو 55 بالكتير"، زيادة اسعار اللحوم فى بعض المناطق يرجع إلى "الشو وشكل المنطقة" فالمواطن الغنى "بيحب يتنصب عليه" رغم أن "الذبيحة واحدة ومكان الذبح واحد، بس اللحمة لما بتروح الزمالك بيبقى سعرها 100 جنيه ولما بتكون فى شبرا والشرابية بيبقى سعرها 50 جنيه، أرزاق ومقسمها الخالق".

اسعار اللحوم يمكن التحكم فيها بسهولة، حسب الدكتور سمير نجيب مدير المجزر، والذى يؤكد أن الحكومة تستطيع أن تجعل ثمن الكيلو "30 جنيه" عن طريق منع "الذبح البرانى" واستيراد العجول الاسترالية والنيوزلندية وتسمينها داخل مصر علاوة على أعفاء العلف من الجمارك المجحفة ومنع ذبح الإناث والبتلو "بيجيلنا عجول صغيرة ندبحها، بيبقى وزنها أقل من وزن الخروف، ونضطر نذبحها لأن مفيش قانون بيمنع ذبح الذكور الصغيرة"، الجاموس يلد مرة واحدة كل 12 شهراً، ومعنى ذبح الصغار، حسب سمير، فقد "الولده" لمدة عام كامل "بس المربيين بيضطروا يبيعوا صغار الجاموس – البتلو – عشان تمن العلف"، سعر اللحوم متذبذب باستمرار إلا أن "الجزار اللى بيرفع السعر مش بينزله تانى، ده بقى موضوع ضمير".
 
يبدأ "المعلم غنام" فى جمع "العجل" الذى تحول إلى قطع لا يزيد وزن أكبرها عن 15 كيلوجرام، يتوجه إلى السيارة "النصف نقل" ويحمل "البضاعة" الملفوفة فى شاش أبيض اللون ويتجه إلى مسقط رأسه ليخطو الخطوة الأخيرة، البيع، "الكيلو وقف عليا النهاردة بـ46 جنيه وهبيع بـ55 ماأنا مش فاتح فى مصر الجديدة عشان أبيع بأكتر من كده".
 

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان