أمام ''الاتحادية''.. ببدلة أو بجلابية ''كلنا في الهوا سوا''
كتبت - دعاء الفولي وإشراق أحمد:
أمام بوابة لا تتسع إلا لدخول وخروج الأشخاص، اصطفوا ما بين ''متاريس'' الأمن الموضوعة كعادتهم اليومية لفترات تختلف باختلاف ملامحهم، يأتون كل صباح لينتظروا ما بين الجلوس على الرصيف القريب من البوابة أو المقابل لها، والوقوف بحرص بعيداً عن الطريق الذي تمر به السيارات.
وكلما فُتحت البوابة الكبيرة لخروج أو دخول سيارة، انقسمت النظرات بلهفة ما بين السيارة لعلها تتعرف على من بداخلها، ومحاولة مد البصر لما بعد البوابة من بين أكتاف رجال الأمن المركزي المحيط بها، ومن خلفهم اثنين أو ثلاثة من قيادتهم جلسوا على الكراسي الموضوعة على اليسار.
لكن في كل مرة لا تنال النظرات سوى اكتمال صورة ذلك المبنى الكبير أبيض اللون الذي طالما ظهرت لهم قبته العلوية والكثير من واجهته الخارجية، من وراء البوابات والأسوار المحيطة.
لم يكن ذلك إلا أمام ''قصر الاتحادية'' بمصر الجديدة؛ حيث مقر ''ديوان المظالم''، الذي يتوافد إليه الكثير من مختلف المحافظات منذ الساعات الأولى صباح كل يوم، وحتى ما يقرب من العصر؛ حيث يتنهي العمل.
هناك تتداخل الأصوات المطالبة بقبول مظلمتها، والباحثة عن أي وسيلة لتوصيل صوتها، فتجد من يحمل لافتة كتب عليها '' بحبك يا د. مرسي شغل أولادي .. ارفعوا عنا الظلم''، ومن يتبادل الحديث مع أفراد الحرس الجمهوري أو الأمن المتواجد على البوابات لعله يستعلم منه عن شيء يطمئنه، وما بين الحين والآخر تعلو أصوات أخرى منادية على ''الريس'' .
وإن كان الأكيد هو التجمع بمجرد خروج أحد العاملين بالديوان حاملاً أوراق صغيرة، ليبدأ في المناداة على الأسماء التي تأخذ هذه الأوراق، وقد كتب عليها الميعاد الذي سيأتي في فيه صاحب الاسم للبت في شكواه أو طلبه .
وبينما كانت تعلو الأصوات آتية من الرصيف المقابل ''للقصر''؛ حيث اجتمع بعض أسر المحكوم عليهم بالسجن جنائياً لفترات طويلة، مطالبةً بحماية أبنائها داخل السجون من الظلم، أو الإفراج عنهم بعد نصف مدة الحكم، مستنجدةً بـ''الريس'' لعله يسمعهم، دون تفكير في أنه موجود داخل ''القصر'' أم لا؛ فالمهم هو إطلاق ذلك الصوت المكتوب بالألم.
وما أن أخذت سيدة في الصراخ ''احنا بنموت يا ريس... ارفع عنا الظلم يا ريس مش عايزين ناكل ولا نشرب يا ريس ''، وأخرى مرور الكثير من السنوات يظهر على ملامح وجهها الضئيل، لم تزد على تلك الكلمات المصاحبة للعويل شيئاً ''ولادي ... ولادي''.
ولم يمر الكثير من الوقت حتى توقف كل شيء بدخول إحدى السيارات الفاخرة بالنسبة للمتواجدين أمام القصر، فأشار لها البعض للمرور إلى الجانب الأخر بعيداً عن البوابة الكبيرة، فما أن مرت السيارة خطوات حتى تجمع الكثير من الجلوس والوقوف حاملين أوراقهم بأيادي ممتدة إلى شباك السيارة التي ظهر منها رجل ''ذو لحية'' مرتدياً بدلة داكنة اللون .
واستمر الالتفات حول السيارة بعد أن أذاعت إحدى السيدات '' الراجل ده مشهور بشوفه في التليفزيون ''، الجميع يعرض مشكلته على هذا الرجل الذي أُشيع أنه جاء ليقابل الرئيس.
فتسمع أحدهم يقول '' بنتي معاقة عايز لها كرسي.. ومقدم على الطلب بقالي كتير ''، وأخر'' أنا مصاب ثورة ..''، وأخر ''سرحوني من الشغل اللي بقالي فيه خمس سنين ومش عايزين يرجعوني''، وسيدة '' أخويا مسكوه أول لما نزل المطار بعد غياب 27 سنة في الغربة بألمانيا''.
الجميع يترك له أوراقه قائلاً '' قول للريس وصل صوتنا''، ومع التفاف الناس حول '' الرجل'' الذي لم يعرفوه حتى إذا سألت أحدهم عنه قال '' ده عماد عبد الغفور بتاع حزب النور''، وأخر قال '' لأ ده محامي من الحرية والعدالة أنا شوفته قبل كده''، وتسمع أخر غير مهتم بهويته '' مش المهم هو مين.. المهم أنه هيدخل يقابل الريس'' .
وظل الجدل حول هوية الرجل الذي ظن الجميع أنه على موعد الآن مع الرئيس، حتى اقترب ضابط الأمن الخاص بحراسة القصر وسأله عن إذا كان لديه ميعاد مع الرئيس، فنفى ذلك، فطالبه الضابط بمعرفة سبب مجيئه، والابتعاد عن البوابة قليلاً لأنه '' تسبب فى أزمة بالمرور''؛ حيث توقفت السيارات القادمة والخارجة من ''القصر'' .
وقال '' الرجل'' بعد أن أعطى بطاقته للضابط ليتقدم بطلب لمقابلة الرئيس ''أنا أسامة حسن محامي''، وأخذ البعض يسأله عن سبب زياراته للريس فأجاب ''أول مرة أقابل الريس ومليش علاقة بأي حزب أو جماعة''.
وبعد فترة ليست بقليلة من الاستماع لقصص الناس الملتفة حوله ووجدت فيه وسيلة للوصول إلى الداخل، إذ أخذ في الذهاب يمين القصر ويساره حيث أوقف سيارته، وعلى الرصيف المقابل ''للقصر''.
جاء الخبر اليقين عن سبب مقابلته للرئيس بعد قوله '' جاي أقدم طلبات الناس''، نافياً بعلامات وجهه معرفته بتفاصيل هذه الطلبات، لكن الأكيد أنه '' عندي مشروع استراتيجي عايز أقدمه للريس''.
فيديو قد يعجبك: