لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

القديس نيكوس كازانتزاكيس

د. أحمد عمر

القديس نيكوس كازانتزاكيس

د. أحمد عبدالعال عمر
06:58 م الأحد 03 يوليو 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

البطولة الروحية هي مفتاح شخصية عظماء الإنسانية في كل زمان ومكان، وهي التي منحتهم القوة على اجتياز ليالي الشك والحيرة والقلق، وعذابات اليأس، ومشاق البحث عن الطريق الذي يجعلهم يرتقون فوق كل أشكال ومظاهر القبح والظلم وضيق الأفق والجهل والتعصب حولهم، ليصنعوا للبشر آفاقاً جديدة للحياة أكثر جمالاً ونبلاً وإنسانية.

والبطولة الروحية هي التي تجعلنا نتأمل بتقدير ومحبة سيرة وأعمال هؤلاء العظماء، لنقف على جوانب سمو عقولهم وأرواحهم، ولنعرف كيف حرصوا على أن يتركوا خلفهم أثراً مادياً أو معنوياً يدل عليهم، ويحمل صوتهم وخلاصة رؤيتهم وتجربتهم للأجيال المقبلة.

ومن أبرز هؤلاء العظماء في تاريخ الإنسانية والآداب العالمية، هو الأديب اليوناني "نيكوس كازانتزاكيس" صاحب الأعمال الأدبية الخالدة مثل "المسيح يُصلب من جديد" و"الإغواء الأخير للمسيح" و"الإخوة الأعداء" و"الأوديسة .. التكملة الحديثة".

هو أحد هؤلاء الأبطال الروحيين العظام؛ لذلك تُلهمنا قراءة سيرته الذاتية الفكرية التي حملت عنوان "تقرير إلى غريكو" قيمًا ومثلًا فكرية وإنسانية عظيمة وكثيرة.

تقول عنه زوجته هيلين في المقدمة التي كتبتها في السيرة الذاتية، التي حملت عنوان "تقرير إلى غريكو"، وصدرت بعد رحيله عام 1957:

"كانت حياته الفعلية مليئة بالعمل والألم والفرح والعذاب، وبكلمة واحدة كانت حياته مليئة بالعزة، ولم ينحن أبدًا".

وتقول عنه أيضًا:

"في السنوات الثلاثة والثلاثين التي قضيتها إلى جانبه، لا أذكر أني خجلت من تصرف واحد من جانبه؛ فقد كان نقياً دون مكر، وبريئاً وعذباً بلا حدود مع الآخرين، وقاسياً مع نفسه فقط. وهو حين ينسحب إلى عزلته فإنه يفعل ذلك لإحساسه أن الأعمال المطلوبة منه كثيرة، وأن ساعاته محدودة".

3

أما نيكوس كازانتزاكيس ذاته، فقد كتب يقول عن نفسه وحياته وأعماله:

"إن حياتي هي رحلة إنسان يحمل قلبه في فمه، وهو يصعد جبلَ مصيرِه الوعر والقاسي. إن روحي كلها صرخة، وأعمالي كلها تعقيب على هذه الصرخة".

أما أبرز ما يجب علينا أن نتوقف عنده في سيرة نيكوس كازانتزاكيس، هو إحساسة بالزمن ومحدودية الوجود الإنساني؛ فقد كان يؤمن أن عمر الإنسان مهما طال، قصير ومحدود.

ولهذا كان نيكوس كازانتزاكيس بعد أن بلغ سن الرابعة والسبعين من عمره يطلب من ربه أن يمد في عمره عشر سنوات أخرى، لكي يُكمل فيها عمله، ويقول ما كان عليه أن يقول، ويفرغ نفسه، ليأتيه الموت حين يأتي بعد ذلك، فلا يأخذ منه إلا كيسا من العظام.

وفي هذا المعنى تقول عنه زوجته هيلين:

"لقد اعتاد أن يقول لي وعيناه الفاحمتان المدورتان غارقتان في الظُلمة، ومليئتان بالدموع: أشعر أني سأفعل في قادم الأيام، ما تحدث عنه برجسون (فيلسوف فرنسي شهير)، وهو الذهاب إلى ناصية الشارع، ومد يدي للتسول من العابرين، وأنا أقول: زكاة يا إخوان، ربع ساعة من كل منكم، بما يكفي فقط لإنهاء عملي، وبعدها فليأت ملك الموت كيرون.

وجاء كيرون، وحصد روح نيكوس في زهرة شبابه. نعم - أيها القارئ العزيز- لا تضحك، فقد كان ذلك هو الوقت المناسب للازدهار والإثمار بالنسبة لذلك الرجل الذي أحببته، والذي أحبك، صديقك نيكوس كازانتزاكيس".

وفصل المقال أن هذه السيرة الفكرية والإنسانية للأديب اليوناني الراحل وقديس الإنسانية "نيكوس كازانتزاكيس" التي ترجمها إلى اللغة العربية الشاعر السوري الراحل ممدوح عدوان، هي عمل أدبي وفكري من طراز فريد، وجديرة بالقراءة والتأمل؛ لأنها تُعلمنا فن إعطاء الحياة معنى مميزًا، وتُعلمنا من المثل الإنسانية العليا والأفكار ودروس الحياة الكثير.

كما تُعلمنا أيضًا أن الصعوبات والتحديات التي تُواجهنا في الحياة هي الدافع والمحفز لمواصلة السير والنجاح والصعود إلى القمة.

وأن العمر قصير جدًا، وأن الحياة في جوهرها رحلة كفاح من أجل المعنى، ومن أجل إثراء ميراث الإنسانية المعنوي والمادي، وهي بدون ذلك الفهم وتلك الغاية، حياة بلا مُهدرة بلا قيمة.

إعلان