إعلان

الأفندية والسلطة في مصر

د. أحمد عمر

الأفندية والسلطة في مصر

د. أحمد عبدالعال عمر
07:00 م الأحد 06 مارس 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول


ضمن قراءات التثقيف الوطني الذاتي التي وضعت لنفسي فيها قائمة بأهم الكتب التي تناولت تاريخ مصر الثقافي والاجتماعي والسياسي في القرن العشرين، توقفت كثيرًا عند كتاب "أنور السادات الذي عرفته" للكاتب الصحفي الراحل "عبد الستار الطويلة"؛ لأنه كتاب مهم يفتح للقارئ آفاق ونوافذ مميزة لفهم شخصية وفكر وأسلوب عمل الرئيس السادات، ولفهم منطق السلطة في التفكير والحكم وتحديد معايير تقييم الرجال والأفكار.

بدأت علاقة الأستاذ عبد الستار الطويلة بالرئيس الراحل أنور السادات بعد أن ألف كتابه الشهير "حرب الساعات الست" عن نصر أكتوبر المجيد؛ حيث استدعاه الرئيس السادات لمناقشته في بعض جوانب الكتاب، ولتبدأ بينهما بعد ذلك علاقة وثيقة استمرت لعدة سنوات، قبل أن يغضب عليه الرئيس السادات بعد انتفاضة يناير 1977، ويسحب تصريحه الصحفي لدخول رئاسة الجمهورية، ويبعده عنه تمامًا.

وقد استغل الأستاذ عبد الستار الطويلة فرصة قربه من الرئيس السادات، لمعرفة الكثير عن فكره وأسلوبه في الحكم، وعن سماته وطباعه الشخصية، وأثرها على قراراته المصيرية، وعلى بعض مواقفه وخياراته الحاسمة في سنوات حكمه لمصر.

كما استغل الأستاذ عبدالستار الطويلة فرصة قربه من دوائر السلطة والحكم العليا، لدراسة معنى ومنطق السلطة في مصر، وكيف تُتخذ قراراتها، وسبل وآليات ممارسة حكمها من أجل رعاية مصالح البلاد والعباد.

ثم راح يقارن موقع الدارس المتأمل، بين ما رآه ولمسه عن قرب في أعلى مستويات السلطة في الدولة المصرية في سنوات حكم الرئيس السادات، وبين ما قرأه عن الدولة ووظيفتها ورجالها في تاريخ المجتمعات الإنسانية.

النقطة الأولى التي توقفت عندها في هذا الكتاب، والتي رصدها الأستاذ عبد الستار الطويلة تتعلق بشخصية الرئيس السادات، ونظرته للحكم وللأقدار التي صنعت منه رئيسًا لمصر.

حيث ذكر أن الرئيس السادات كان شخصًا بسيطًا ومتواضعًا بشكل يأثر كل من يقترب منه ويتعامل معه. وأنه كان يرى أن منصب رئاسة الجمهورية، قد جاءه هبةً من الله، مع أنه لم يكن يحلم به أبداً، كما صرح عدة مرات.

وبالفعل فقد كان الرئيس السادات شخصية بسيطة تُجيد التواصل مع الناس، وفهم احتياجاتهم ودوافعهم، والتعامل مع كل الفئات بما يتناسب معهم، وكان يجمع في هذا بين دهاء ابن البلد، وحكمة وخبرة السياسي المُحنك.

أما قول الرئيس السادات أنه لم يتمن أو يحلم بحكم مصر في يوم من الأيام، فأظنه كان فيه بعيدًا عن الحقيقة. وهو قول أراد منه أن يُظهر نفسه زاهداً في الحكم، الذي جاءه بطريقة قدرية بحته بدون تخطيط وتدبير منه؛ فلا أظن أن أحداً في تاريخ مصر الحديث، حلم بالملك وبحكم مصر، ووصل إلى ما يريد عبر كل أشكال الدهاء والحيل مثل الرئيس السادات.

أما النقطة الثانية التي توقفت عندها في كتاب "أنور السادات كما عرفته"، فتتعلق بموقف الرئيس السادات من "المثقفين" أو "الأفندية"، كما كان يُحب أن يُسميهم، وهو موقف يُلخص - في ظني - موقف السلطة الدائم في مصر من "الأفندية" أو المثقفين.

ويتضح لنا هذا الموقف من الحوار التالي الذي دار بين الرئيس السادات والأستاذ عبد الستار الطويلة، وهذا نصه:

"- الحكم له فن، وضرورات لا يعرفها من هو في خارج الحكم والأفندية اللي زيك.

- قلت: لماذا تُسمي المثقفين بالأفندية؟

- قال: لأنهم منعزلون عن الواقع.

المثقف مش حاجة عيب بالعكس، يمكن أن يفيد بلده بثقافته. ولا يمكن للحاكم أن ينجح إلا إذا كان مثقفًا، ما أنا قرأت في السجن قدر شعر رأسي كتب. لكن الواحد لا ينسى الطين الذي تربي فيه، ولهذا لازم تعرفوا الحقيقة، مش الشعارات والكلام الكبير بتاعكم ده.

ما أنا أقدر أقول كل يوم وكل ساعة الاستعمار والإمبريالية، والتناقض في صفوف الشعب، والهلمة دي كلها، ثم ماذا؟".

ومن المفارقات العجيبة، أن الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم، وهو من أشد خصوم وناقدي شخصية وسنوات حكم الرئيس السادت، قد عبر عن عيوب التكوين النظري للمثقفين وانفصالهم عن الواقع، وكأنه يتحدث بلسان الرئيس السادات في حواره مع عبد الستار الطويلة، عندما قال:

"يعيش المثقف على مقهى ريش
محفلط مظفلط كتير الكلام
عديم الممارسة عدو النظام
بكام كلمة فاضية وكام اصطلاح
يفبرك حلول المشاكل قوام
يعيش المثقف يعيش يعيش".

إعلان