إعلان

العنصرية الملونة

خليل العوامي

العنصرية الملونة

خليل العوامي
07:00 م الإثنين 07 مارس 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

إحدى النتائج الكارثية لشعورنا الدائم كشعوب نامية بالتأخر عن الغرب في كافة المجالات - وهو تأخر صحيح ومعلوم ولا ننكره - هو تسليمنا الدائم أيضاً بسردية هذا الغرب عن نفسه بأنه منزه عن النقائص والعيوب المقيتة، وأنه ترك في رحلة تقدمه كل إرث العصور الاستعمارية وما قبلها من عنصرية وتمييز وتطرف، وباتت هذه العيوب لصيقة بنا نحن فقط، هكذا صوروا للعالم أنفسهم ورسموا الصورة التي يريدونها، وهكذا أصبحنا أكثر المؤمنين بها.

والواقع أن الغرب ليس مثاليا أو خاليًا من العيوب، وإنما هذا ما أرادوا لنا أن نفهمه، وانسقنا نحن إليه بسبب انسحاقنا التام أمام النموذج الغربي وتطوره- وهو تطور معلوم ولا ننكره - في مواجهة فشلنا المتراكم، ثم جاءت الحرب الروسية على أوكرانيا لتظهر جزءا من الحقيقة، وتكشف عن عنصرية وتمييزا ورجعية غربية لا تقل بل تزيد على ما لدينا، وهنا نرصد قليلًا من كثير:

أولا: دعمت أوروبا دخول ما أسمتهم "المقاتلين" إلى أوكرانيا لمجابهة روسيا، وأطلقوا عليهم "اللواء الدولي لدعم أوكرانيا" الذي انضم له حتى الآن ١٦ ألفا، ولا أعرف ما الفارق بين هؤلاء وبين من قاتلوا في سوريا أو أفغانستان أو ليبيا واعتبرهم العالم، ونحن معه، إرهابيين، وبينهم أوروبيون يحاكمون عند عودتهم لبلادهم.

ثانيا: سلّحوا المواطنين الأوكرانيين وأخرجوا السجناء الجنائيين وحشدوهم لمواجهة الجيش الروسي، واعتبروا هذا مقاومة مشروعة للاحتلال، بينما حرموا على الفلسطينيين حمل السلاح ومقاومة مغتصب أرضهم، وشيطنوا فكرة المقاومة الفلسطينية واعتبروها إرهابا. واحتفوا بالمواطن الأوكراني الذي فجر نفسه في عمل انتحاري باعتباره بطلا، بينما أمثاله من الفلسطينيين تعتبرهم أوروبا وأمريكا بل والأمم المتحدة قتلة وإرهابيين.

ثالثا: شهدت الحدود الأوكرانية مع الدول المجاورة معاملة مشينة ومقيتة وتمييزا واضحا ضد غير الأوكرانيين من هنود وأفارقة وعربا، وجنسيات أخرى، بينما كانت الأولوية دائما لعبور الأوكرانيين الذين منحتهم أوروبا حق اللجوء دون حتى تقديم طلب بذلك، وهي نفسها أوروبا التي أغلقت حدودها في وجوه ملايين اللاجئين من سوريا وليبيا واليمن والأفارقة الفارين من لهيب الحروب والنزاعات.

رابعا: أوقفت كل الاتحادات الرياضية العالمية نشاط الاتحادات الروسية في سابقة مهينة للرياضة والسياسة معا، وتناسوا العبارات الرنانة عن أن الرياضة وقوانينها بعيدة عن السياسة والسلطة وهدفها تقريب الشعوب، فعلوها مع روسيا بينما لم يوقفوا يوما فريقا أو اتحادا للاستعمار الصهيوني الذي يمارس القتل والتمييز والتهجير القسري ضد الشعب الفلسطيني منذ عقود.

خامسا: حتى في التغطيات الإعلامية الأمريكية والأوروبية للحرب كان التمييز والعنصرية حاضرين، وتكررت عند وصف تضرر الأوكرانيين في الحرب عبارات من نوعية "نحن لا نتحدث عن سوريين أو عراقيين أو غيرهم من شعوب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وإنما نتحدث عن أوروبيين يشبهوننا" أو "حزين لرؤية أوروبيين بيض بعيون زرقاء يقتلون".

هذه التعليقات تكشف نظرة النخبة الأمريكية والأوروبية حتى للمظلوم والمقتول والمهجر، واختلاف شعورها نحوه حسب جنسيته، فلا بأس أن يقتل العراقي أو يشرد السوري أو يهجر الفلسطيني، ولكن لا يمكنهم أن يروا هذا في شعوب أوروبية مثلهم.

لقد فضحت هذه الحرب في أيامها المعدودة حجم الزيف والشعارات التي تطنطن بها دول أوروبا وأمريكا حول القيم الإنسانية الواحدة المجردة، ومنظومة حقوق الإنسان وكرامته، والقانون الدولي، وتعيد التأكيد مرة أخرى على أن العالم لا يحترم إلا الأقوياء.

إعلان