لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

أنا مش عارفني .. أنا مش أنا!

د. أحمد عمر

أنا مش عارفني .. أنا مش أنا!

د. أحمد عبدالعال عمر
07:00 م الأحد 09 يناير 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

"مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟ أَوْ مَاذَا يُعْطِي الإِنْسَانُ فِدَاءً عَنْ نَفْسِهِ؟".

تلك مقولة شهيرة للسيد المسيح عليه السلام، أراها صالحة في كل زمان ومكان، لكي تكون دستور حياة الإنسان السوي نفسيًا وأخلاقيًا ووجوديًا.

الإنسان السوي الذي يؤمن أن أكبر خطيئة يرتكبها في حياته أن يبيع الياقوت الذي يملكه بالحصى الذي لا قيمة له؛ والياقوت هنا هو ذاته الأصيلة الحقيقية، واحترامه لها، واحترام الآخرين له، والحصى هو كل عرض الدنيا الذي لا قيمة ولا بقاء له.

وهي مقولة تكشف لنا أن أهم ضرورات الحياة السوية أن يحاول الإنسان الخروج من "حالة الاغتراب" عن الذات التي يعيش فيها. وأن يحاول باستمرار تصحيح أخطائه. وأن يمتلك "تذكرة عودة" إلى ذاته الأولى، إلى أرضه الأولى، وطنه الأول، حلمه الأول، إلى الإنسان الذي كان أنت عليه يوماً ما قبل أن تُغيره الحياة ، وتجعل منه شخصًا آخر.

فالاغتراب عن الذات هو الجحيم الأرضي، الذي يعيش فيه الكثير من البشر، دون أن يعبروا عنه. بل نراهم يخدعون أنفسهم، ويتعاملون معه، وكأنه صورة من صور النضج النفسي والعقلي، لكي تستمر الحياة بهم، حتى لو فقدت كل قيمة ومعنى.

ثم فجأة يقف هؤلاء أمام المرآة، ويتساءلون: من هذا الشخص الذي نراه أمامنا؟ وكيف صار كذلك؟ وربما يرددون الأغنية "الفلسفية" الشعبية الشهيرة للأستاذ عبد الباسط حمودة، التي تقول: أنا مش عارفني .. أنا مش أنا!

والمؤلم أن يطرح الإنسان هذا السؤال، بعد أن يكون فقد تذكرة العودة إلى ذاته، والإنسان الذي كان عليه؛ لأن عند تلك اللحظة قد يصل به الشعور بالاغتراب والتشوش النفسي، وعدم الإحساس بالرضا إلى الانتحار، بشكل يجعل المحيطين به في قمة الحيرة بحثاً عن محاولة فهم دوافعة، ولماذ أقدم على ذلك الفعل، مع أنه كان يبدو سعيدًا.

في هذا الصدد أتذكر مصير إحدى بطلات رواية "النسيان" للأديب الكولومبي "إكتور آباد فاسيولينسي"، التي قال عنها: "بدت وكأنها أسعد امرأة في الدنيا، حتى كان يوم، ودون أن تكف عن الابتسام، فرغت رصاصة في حلقها، ولم يعرف أحد السبب".

في النهاية، ما أكثر الذين يبدون أمامنا سعداء في الحياة، وموضع حسد الكثيرين، لكنهم ليسوا كذلك؛ لأنهم فقدوا أنفسهم عبر رحلة الحياة، كما فقدوا تذكرة وإمكانية العودة إليها. وهؤلاء نماذج إنسانية حية يتجسّد فيها صدق مقولة السيد المسيح عليه السلام "مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟".

إعلان