إعلان

المثقف والسياسي

د. أحمد عمر

المثقف والسياسي

د. أحمد عبدالعال عمر
07:00 م الأحد 13 يونيو 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

"إن المثقف الذي لا يشتبك مع عصره ومشكلاته يُفوت على نفسه فرصة تاريخية إلى الأبد".

هكذا تحدث الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر حول المثقف وعلاقته بعصره ومجتمعه، وقد عرض لوجهة النظر تلك في كتابه "الأدب الملتزم"، الذي خصصه لنقد خيار وسلوك المثقفين الذين أداروا ظهورهم للتاريخ، ولم يشتبكوا مع مشكلات الواقع والعصر الذي يعيشون فيه.

ولعل جان بول سارتر وهو ينقد هذا الخيار للمثقفين كان مدفوعًا برغبة ضمنية في استدعاء وتكريس حضور نموذج "المثقف النبي" الذي تكلم عنه الكاتب الفرنسي "لوسيان بيندا" في كتابه الشهير "خيانة المثقفين".

والمثقف النبي في تصور لوسيان بيندا هو المثقف صاحب الرسالة، الذي يتكلم عن الحق والعدل والمصلحة العامة، ويمارس النقد الفكري والاجتماعي بشجاعة، ولديه استعداد للتضحية في سبيل تأدية دوره النقدي التنويري في مجتمعه.

ولو انتقلنا من فضاء الفكر الغربي نحو فضائنا اللغوي والفكري العربي، لنبحث عن معنى الثقافة ودور المثقف فيها، فسنجد أن مصدر كلمة "ثقافة" في اللغة العربية قد جاء من تعبير "ثقف العود أو الرمح"، أي هذبه وأصلح من اعوجاجه.

وعندما ظهرت الرسالة المحمدية وانتشرت الدعوة الإسلامية- فيما يذكر الراحل الدكتور زكي نجيب محمود- قفز معنى كلمة "ثقافة" قفزة هائلة، وانتقلت من ميدان الرماح والقتال إلى ميدان فطنة العقل وذكائه.

وقد جاءت تلك النقلة على يد أديب العربية الكبير "أبي عثمان الجاحظ"، ومعه لم تعد كلمة "الثقافة" تعني تسوية العود الذي يركب عليه سنان الرماح ليصلح للقتال، بل تسوية العقل ليصبح بفطنته وذكائه قادراً على فهم وحل مشكلات الحياة.

وهذا يعني أن المثقف الحقيقي ليس هو الشخص الذي قرأ الكتب وجمع المعلومات وحصل على أعلى الدرجات العلمية، وعاش منفصلًا عن مشكلات الواقع والمجتمع، ولكنه في معناه الدقيق، الإنسان الذي يعيش قضايا مجتمعه وعصره بفهم عميق وقدرة على النقد والتحليل، ويتحلى بشجاعة قول الحقيقة، ويسعى لتحسين شروط الحاضر ورسم ملامح مستقبل أفضل.

وهذا يعني أن عمل المثقف "وصفي تقريري" في تحليله وتشريحه بموضوعية ونزاهة لما هو كائن في الحاضر والواقع، وهو كذلك عمل "معياري" في نقده لما هو كائن في ضوء ما ينبغي أن يكون، وفي سعيه لجعل ما ينبغي أن يكون هو الكائن، بالفعل، في موطنه ومجتمعه وعصره.

وبالتالي، فإن مجال عمل المثقف يختلف عن مجال عمل السياسي ورجل الدولة، لأن مجال عمل المثقف هو الدفاع عما ينبغي أن يكون، ورسم ملامحه، انطلاقًا من نقد وتحليل ما هو كائن، على العكس من مجال عمل وهدف السياسي، وهو الدفاع دائمًا عما هو كائن، وتجميله والترويج له، وتكريس حضوره.

ومع ذلك، فإن المجتمع السوي، ونظام الحكم الذي يسعى للتطور والتقدم، لا بد أن يُقيما فضاءً للتواصل والحوار والتفاعل بين مجال عمل المثقف الوطني (ما ينبغي أن يكون) ومجال عمل السياسي ورجل الدولة الوطني (ما هو كائن)، وتجسير الهوة بينهما، لأنهما معًا ركيزة تقدم المجتمع والدولة.

فالمثقف (الوطني) يملك الفكر والوعي التاريخي والخيال، والسياسي.

ورجل الدولة (الوطني) يملك الإرادة وأدوات السلطة والرؤية الواقعية التي تمكنه من جعل ما ينبغي أن يكون هو الكائن بالفعل، ولكن وفق الظروف والإمكانات المتاحة.

إعلان