إعلان

أزمة مصر الثقافية والجمهورية الثانية

د. أحمد عمر

أزمة مصر الثقافية والجمهورية الثانية

د. أحمد عبدالعال عمر
07:01 م الأحد 14 مارس 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أظن أن أزمة مصر الحقيقية اليوم هي أزمة ثقافية؛ تنبع من عدم وجود حد أدنى من المفاهيم والمعرفة والرؤى والقيم والأحلام المشتركة بين الأجيال المختلفة، وبين الحكام والمحكومين، وبين أفراد المجتمع المصري بطبقاته الثلاث: الأرستقراطية، والوسطى، والدنيا.

وبسبب تلك الأزمة صارت مصر مجموعة من الجزر الاجتماعية والمعرفية المنعزلة التي يفكر سكانها انطلاقًا من وضعهم الطبقي، وموقعهم قربًا وبعدًا من السلطة ومصالحها ومكتسباتها.

وبسبب تلك الأزمة، صار سكان كل جزيرة يعيشون على نحو مختلف عن سكان الجزر الأخرى، ويتحدثون عن مصر مختلفة عن "مصر الأخرى" الخاصة بالمصريين التانيين.

وأظن أن هذا هو الخطر الحقيقي الذي تواجهه مصر اليوم، وهو خطر الانقسام الثقافي والمعرفي والقيمي بين المصريين، وخطر الانقسام المجتمعي، والعزلة والتنافر والصراع بين مكونات المجتمع المختلفة. وهو الخطر الذي وُضعت بذوره الأولى في منتصف سبعينيات القرن الماضي، وصرنا نجني ثماره المرة اليوم.

وإذا كان الرئيس السيسي قد أشار في الندوة التثقيفية الثالثة والثلاثين للقوات المسلحة إلى أن افتتاح العاصمة الإدارية الجديدة، وانتقال الحكومة إليها "بمثابة ميلاد دولة جديدة، وإعلان جمهورية ثانية"، فكم أتمنى أن تكون الأولوية القصوى للجمهورية الثانية هي العمل على مواجهة هذا الخطر، بإعادة توحيد مصر ثقافيا وقيميًا، وبتثبيت دعائم السلام المجتمعي، لتصبح وحدة المصريين اجتماعيًا وثقافيًا، هي السور الذي يحمي العاصمة الجديدة والجمهورية الجديد؛ لأن "المدينة المُنقسمة على ذاتها لا يمكن أن يحميها سور" كما قال السياسي والمؤرخ اليوناني ثوسيديديس.

وهذا التوحيد يتطلب - في ظني- صياغة عقد اجتماعي وثقافي ووطني جديد، يَدعم الأواصر والقواسم المشتركة بين المصريين بمختلف مواقعهم وطبقاتهم، ويمد بينهم جسور الثقة والتفاهم وقبول الآخر، ويسمح بالاختلاف والتنوع الذي يدعم ويُثري وحدة النسيج الوطني، ويصب في صالح تأسيس دولة المؤسسات الوطنية المدنية التي نحلم بها جميعًا.

عقد اجتماعي وثقافي ووطني جديد، يُعيد الروح للمصريين، ويُنمي وعيهم النقدي والتاريخي، ويؤهلهم لتقبل ومواجهة متغيرات وتحديات عصرهم الراهن، ويجعلهم قادرين على صنع مستقبل يليق بالميراث الحضاري العظيم لهذا الوطن.

قديمًا قال الفيلسوف والمؤرخ والكاتب الفرنسي إرنست رينان: "لا وجود للأمة بدون وجود رغبة بين أفرادها في العيش معًا، ورغبة في بناء شيء معًا".

وأظن أن تلك الرغبة هي جوهر وجود الأمة وسر استمرارها وتميزها، وهي تتأسس على وحدة المجتمع، وعلى وجود معرفة ومفاهيم وقيم مشتركة بين أفراد الأمة، وبدونها تصبح الأمة في خطر؛ ولهذا فنحن- المصريين- اليوم أمة في خطر.

وهذا ما يجب أن ننتبه إليه جميعًا، بدلًا من انشغالنا العبثي الحالي بتوافه الأمور والناس والأحداث.

إعلان

إعلان

إعلان