لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

حينما أخلع الجاكيت..

سامي عبدالعزيز

حينما أخلع الجاكيت..

د.سامي عبد العزيز
07:03 م السبت 20 فبراير 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

حينما أخلع الجاكيت داخل مدرج المحاضرات.. لو كان بداخلي هموم الدنيا كلها أنسى.. لو كان بي أوجاع مؤلمة أنسى.. لو كنت مديوناً أنسى.. لو كنت لم أنم أنسى كل الهموم والأرق.. فهنا مكان العشق المحفور بداخلي.. فأنا أشعر أني أؤدي ما خلقني الله له، وأعددت نفسي له، وبناه بداخلي أساتذة وقِدى.

أشعر أنني أؤدي فريضة ما أروعها! فريضة لا أنقل معلومات أو نظريات، وإنما أتبادل خبرات الحياة العملية والعلمية على مدار ما يقرب من 45 عاماً، أى ما يقرب من نصف قرن من البحث والاطلاع والممارسة والكفاح.. حينما كنا نبحث عن المعلومة تحت السلم أو عبر كتاب على أسوار الأزبكية.. زمن تخرج فيه على أيدينا 45 جيلاً.

كم يسعدك أن تكون في مكان عام وترى من يقترب منك أو يجري وراءك لاهثا يناديك باسمك.. منهم من يقول لك وحشتنا.. ومنهم من يقول لك أشكرك.. ومن يقول هل تذكرني؟ وبالطبع ردك الخجول لا؛ بحكم طول المدة.. ومن يقول لن أنسى لك يوم أن قلت لي كذا.. ومن يقول والله لقد أثرت في حياتي.. ومن يقول لن أنسى أنك بعترت كرامتي حينما تأخرت عن الدخول لمحاضرتك 10 دقائق.. ومن يقول لك زوجتي تحبك فقد كانت تلميذتك! ومن يقول لك فاكر لما سقطت في المادة الخاصة بك ومع ذلك دخلت هذا القسم وبسببك.. ومن يقول مستحيل أنسى لما أجابتك أجابة وصفتها أنها متميزة، وأخرجت 20 جنيهاً من جيبك وكتبت عليها وأنا محتفظ بها حتى الآن.. ومنهم من يقول لقد أخذت هذه المهنة لأنك حببتني فيها.. ومنهم من يقول نعم كنت تعطينا من جهدك وعرقك، ولكن درجاتك كانت صعبة جداً.. ومنهم ومنهم ومنهم.. هنا يتجدد عطاؤك، وتنفجر طاقاتك إلى حد نسيان سنك فتجري مع بداية كل فصل دراسي كأنك وجدت عشقك الأزلي.. السبورة والقلم، وتجد أمامك الكمبيوتر لتعرض منه.. أو الآن لكي تعرض عليه وطلابك في أماكنهم تضعهم أمامك في القاعة والنصف الثاني في بيوتهم، والله يعلم أين هم وكذلك تسمع أصواتهم بعد أن أجبرتنا الكورونا على التعليم المدمج الجامع بين الحضور والتدريس عبر الفيديو كونفرانس.. بالله عليكم أى متعة تفوق هذه المتعة؟!

أجيال وراء أجيال وأنت فى نفس المكان.. قاعة العشق والعبادة.. فماذا تطلب من الدنيا زيادة؟

وأنا أخلع الجاكيت أتذكر كلمة محفورة بداخلي قالها لي عميدنا الراحل الأب والعالم أ. د. عبد الملك عودة.. يا سامى يا بنى جميع المناصب وأنت تدخلها مكتوب على قفاك سابقاً فيما عدا أن تكون أستاذاً أو مبدعاً أو مهنياً.. لأنه من الذي يقوى على سحب هذا منك؟ لا مخلوق على الأرض.

يارب، اجعلني- ما دمتُ حيا- أن أخلع الجاكيت.. ولا تمر عليّ لحظة وأنا ساكت.

يا رب، بارك في طلابي الذين جعلوني مكرماً بجوائز حبهم لي بأن فزت بجائزة الدولة التقديرية.. وكانوا هم السبب.

إعلان