لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

علاء الغطريفي يكتب: حوار نادر مع وحيد حامد قبل 20 عاما

علاء الغطريفي

علاء الغطريفي يكتب: حوار نادر مع وحيد حامد قبل 20 عاما

علاء الغطريفي
06:10 م السبت 02 يناير 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

دائما ما نقف أمام لحظات التوهج، وننسى السير والمسيرة، أو نقترب منهما بتصور حاضر قاصر لا يراعي كيف صنع أي مبدع تلك الهالة العظيمة عبر إبداعه المخلص لأفكار التغيير والبحث عن الصوابات واتصاله الدائم بقضايا الحياة والمجتمع.
قد تختلف مع بعض طرحه غير أنك تستسلم لهذا التدفق الإنساني الذي يتجسد في نصوص محلقة في فضاء الإتقان.


يدفعك للاشتباك مع هذه الرؤى التي تنساب على ألسنة أبطاله، وتراه أيضا هادرا مثل بحر هائج في مقالاته التي ترى فيها قلبه قبل عقله، فهذا الاندفاع الغاضب في بعض كتاباته، يعكس إيمانا صلبا بما يرى، مثل حملة الرسالات وأنبياء التغيير.


قد تراه قاسيا مع عبد الناصر، في حين تراه مصيبا في انتصاره لقيمة الحياة والعدل ورفض الاستبداد والتزام الحرية، قد تنزعج من قالب يرغب في أن يستلب به بعض قناعاتك، غير أنك تنهزم أمام تلك البوصلة الوطنية التي لازمته ولازمها، ذلك المشروع الممسك بمصر المتسامحة المدنية النقية الوسطية، عدوة الظلامية وقهر الإنسان.


ما سبق كان لي وما سيأتي سيكون له، وحيد حامد، ابن منيا القمح الذي كان منا وكنا منه، مثلنا، لديه تلك الحاسة الريفية التي تعادي الضجيج وتؤمن بالوضوح والمباشرة، لعبت معه الجغرافيا لعبتها، فكان صادقا مثل انبساطها، ونقيا مثل هوائها، وعفويا يقتحم القلوب دون عناء.


ما يلي سطور أنقلها بتصرف لبعض الإجابات من حوار نادر لـ"وحيدنا" الذي غادرنا منذ ساعات، من حوار أجراه معه الناقد السينمائي سمير الجمل قبل 20 عاما في مجلة العربي الكويتية مطلع عام 2000، قراءة أخرى عنه، ونظرة لعلنا نقترب بها منه قبل ضجيج السنوات العشرين الأخيرة.

1212

العدل.. هذه فلسفتي

أسمح لنفسي بأن أقول أن مجمل أعمالي يناقش قضية العدل الاجتماعي، واحترام الإنسان البسيط قبل الكبير، والفقير قبل الغني، وعندما أقول قضية العدل الاجتماعي فإنني تحت هذا المسمى أناقش كل ما يخص الإنسان المصري، وكيف يتحول تحت وطأة الظلم إلى مارد جبار يلتهم الأخضر واليابس في طريقه لاستعادة حقوقه، وستجد في أفلام "طائر الليل الحزين" و"الهلفوت" و"البريء" و"اللعب مع الكبار" و"المنسي" تجسيدا حيا لذلك المعنى.

وأظن أيضا أن الطرح الإنساني للمشاكل يغلب على معظم أعمالي: "الإنسان يعيش مرة واحدة والتخشيبة وملف في الآداب وآخر الرجل المحترمين و حد السيف".

يوسف إدريس.. نقطة التحول

عندما صدرت مجموعتي القصصة الأولى والأخيرة في الستينيات اتجهت بها إلى أمير القصة القصيرة الدكتور يوسف إدريس، وانتظرت رأيه بشغف، رغم ما قيل حولها من بعض النقاد، والحقيقة أن رأى يوسف إدريس كان بالفعل نقطة تحول ومفاجأة مدهشة، فالرجل بشكل واضح- وقد كان وقتها يجلس في مطعم قريب من الإذاعة والتليفزيون- أشار بأصبعه إلى المبنى.. وقال لي: "مكانك في هذا المبنى".

وكان يقصد أننى لا بد أن أكتب للإذاعة والتليفزيون مباشرة، واستشعر ذلك في السرد القصصي، وكان هذا الاكتشاف مبكرا ومدهشا لي، فقد كنت أرسم لنفسي أن أكتب الرواية والقصة والمسرحية، خاصة أنني قد فزت بجائزة الثقافة الجماهيرية.

وفكرت جديا في إشارة الدكتور يوسف إدريس، واتجهت بالفعل إلى الإذاعة ودخلت عالمها السحري وأتاحت لي الظروف أن ألتحق بالإذاعة في عهدها الذهبي، عندما كان مسلسل الخامسة والربع من المواعيد المقدسة عند رجل الشارع.

الإذاعة.. اختصار السنوات

الكتابة للإذاعة هي الخيال الساحر، فالمستمع يشارك المؤلف والمخرج والممثل في العمل، فأنت إذا قلت حديقة رسمها بطريقته وكما يحب، بعكس التليفزيون والسينما، أنت تقدم له الحديقة كما تريدها أنت، وعليه أن يتقبلها كما هي.

وإلى جانب أن ممارسة الكتابة للإذاعة تحتاج مهارات وقدرات وحساسية خاصة، فقد كانت المفتاح السحري الذي فتحت به أبواب السينما ودون معاناة.

كنت قد قدمت مسلسلا بعنوان "طائر الليل الحزين" وكانت السينما قد دأبت على تحويل المسلسلات الإذاعية الناجحة إلى أفلام، وطلبوا مني تحويل العمل الإذاعي إلى فيلم وكتبته، وأخرجه يحيى العلمي عام 1977، ولعب بطولته محمود عبد العزيز، وحقق الفيلم من النجاح ما اختصر لي سنوات طويلة من المعاناة والتنازلات.. عنادي لا يعترف بها، ولا يقبلها ولم يقبلها عندما كنت في سنة أولى إذاعة ومع أكبر مخرجيها.

السينما.. العفوية تغلبه

لم أفكر في هذا الخط البياني "فيلم في السنة، ثم 4 أفلام، ثم فيلم واحد في السنة"، الذي حاولت أن تفسره في سؤالك لسبب بسيط، أننى أكتب بعفوية وتلقائية بعيدا عن الحسابات، عندي فكرة، وبدأت أكتبها، وانتهيت منها، ثم طرحتها للتنفيذ، ووجدت أننى بعد ذلك مباشرة قد امتلكت فكرة جديدة.. فما المانع أن أكتبها؟ ولا أنكر بالطبع أننى في الفترات الأولى حاولت أن أثبت وجودي، وانتشيت بالإقبال الجماهيري وطلبات المنتجين والمخرجين لأعمالي، وكنت سعيدا بالسينما، وكانت هي الأخرى منتعشة.. وقمت في بعض الأعوام بكتابة أكثر من ثلاثة أفلام نتيجة ظروف الإنتاج والتنفيذ، وعلى ما أذكر في عام 1991 قدمت "المساطيل" مع حسن كمال والبطولة لليلى علوي، و"مسجل خطر" مع سمير سيف بطولة عادل إمام، و"نور العيون" مع حسين كمال أيضا بطولة فيفي عبده، وأخيرا "رغبة متوحشة" مع نادية الجندي وإخراج خيري بشارة.

وتجدني أيضا في عام 1981 قدمت "فتوات بولاق" مع يحيى العلمي، و"الإنسان يعيش مرة واحدة" مع سيمون صالح، و"انتخبوا الدكتور سليمان" مع محمد عبدالعزيز.

ثم في السنوات الأخيرة أقدم تقريبا فيلما في السنة، وهي مسألة لا تخضع لأى اعتبار باستثناء حاجتي ورغبتي في العثور على موضوع أتحمس له ويتحمس له المتفرج معي، لكنها عملية تلقائية تخضع لتقلبات المزاج وظروف أخرى.

أنت متهم بالاقتباس

الاقتباس عملية مشروعة بشرط أن تذكر مصدر الاقتباس، وقد فعلتها بشكل صريح في أعمالي التي أخذتها عن مصادر أجنبية، مثل غريب في بيتي، وبنات إبليس، ورغبة متوحشة، أما التي قدمتها عن روايات أدبية فهي معروفة ومنها فتوات بولاق، ونور العيون للأستاذ نجيب محفوظ وملف سامية شعراوي للأستاذ وجيه أبوذكري، والراقصة والسياسي للأستاذ إحسان عبدالقدوس.

ولا أبالغ إن قلت إن موضوعات السينما المصرية مقتبسة، لكنهم لا يكتبون المصدر الحقيقي، ومع ذلك تبدو الأعمال غربية علينا، لأن المقتبس نقل الموضوع حرفيا مع تغيير الأماكن والأشخاص واسم العمل.

والاقتباس السينمائي يحتاج إلى مهارة لإعادة طهي الموضوع ليصبح مصريا في النكهة والمذاق، وقد يحركني مقال صحفي لكتابة فيلم، وقد تحركني جملة في حوار عفوي مع رجل عابر. وقد تأثرت بحادث فتاة العتبة وكتبت فيلم المنسي وهو سر لم يكشفه ناقد واحد، والبريء كتبته عن واقعة أنا شخصيا عشتها أيام مظاهرات الخبز عام 1977، واستمددت فكرة الإرهاب والكباب من موظف بأحد الفنادق ولذلك أتعامل بجدية شديدة مع الصحف والمجلات، وأقرأ كل ما فيها بعناية بالغة. والفيصل في الاقتباس ماذا قدمت؟ وكيف؟ والواجب يقتضي في كل الأحوال أن تشير إلى المصدر صراحة.

"اضحك الصورة تطلع حلوة"

الفيلم التليفزيوني هو فيلم سينمائي على شريط سينمائي، لكن بفلوس التليفزيون، وقد اشترطت على قطاع الإنتاج أن يتم عرض الفيلم سينمائيا وطرحه على أشرطة فيديو قبل إذاعته تليفزيونيا تماما مثلما يحدث مع أي فيلم سينمائي ووافقوا.

وقلت لهم أيضا: يجب أن يتم التعاقد مع كبار النجوم وبأجورهم التي يحصلون عليها سينمائيا، وقد حدث بالفعل، مما رفع ميزانية الفيلم لتزيد على مليوني جنيه.

وقد جرى العرف على أن الفيلم التليفزيوني وإن كان يصور سينمائيا فإنه فيلم يعتمد على فكرة إنسانية اجتماعية بسيطة، ويعرض على الشاشة الصغيرة فقط، وهذا أسلوب أرفضه تماما، لكن لا بأس من معاملة الفيلم بكل مقومات السينما، وإن كان الإنتاج لحساب التليفزيون، وهو المفهوم الذي يجعل الجهات التليفزيونية تساهم بالفعل في كسر جمود الإنتاج السينمائي.

وتجربة فيلم ناصر 56 أكبر دليل على صدق ما أقول، فقد حققت النجاح المادي والجماهيري، أما بخصوص فيلم "اضحك الصورة تطلع حلوة" فتستطيع أن تقول إن الفيلم حالة مزاجية خاصة، ولابد للكاتب أن يراجع حساباته وأن يخلق التوازن بين ما يعيشه المجتمع ومايحتاج إليه، وقد رأيت أن الأفلام بشكل عام تتسابق في اتجاه العنف والجنس، ووضعت يدي على فكرة هذا الفيلم وكتبته دون أن أضع في ذهني أن التليفزيون سيقوم بإنتاجه، وحتى عندما تعاقدت عليه كمؤلف ومنتج منفذ، لم يتغير الأمر بالنسبة لي.

وأظن أن النجاح الذي حققه العمل يؤكد احتياج المتفرج إلى أفلام وجدانية إنسانية تمس مشاعره وأعماقه بأسلوب رقيق، وأظن أن الرسالة وصلت، وبالمناسبة أنا دائما أراهن على البسطاء في مشاعرهم وطموحاتهم وأوجاعهم، وغالبا ما أكسب الرهان لأنني أفتخر بالانتماء إليهم.

عاطف الطيب وشريف عرفة.. علاقة خاصة

منذ أن قدمت فيلمي الأول "طائر الليل الحزين" مع يحيى العلمي وأنا أتنقل وأعمل مع مدارس واتجاهات مختلفة في الإخراج، وإذا توقفت أمام أعمالي مع عاطف الطيب، فستجدها قد بدأت بـ"التخشيبة" ثم "ملف في الآداب"، ثم كان اللقاء الأهم والأهم في فيلم "البريء" ثم عدت والتقيته في فيلمين آخرين هما "الدنيا على جناح يمامة" و"كشف المستور".

وعاطف الطيب كان قريبا إلى قلبي كإنسان، وهو مثلي له جذور ريفية يعتز بها، والتصقت به رغم الشهرة والأضواء، وهو صاحب تجارب في الحياة ومغرم أيضا بالشارع والبسطاء.

أما شريف عرفة، فهو كتلة حماس وحيوية وابتكار التقيته لأول مرة في فيلم "اللعب مع الكبار" وكان بمنزلة إعادة اكتشاف له كمخرج وبالنسبة لي كان تجديدا بعد رحلة سينمائية طويلة.. وأنا أتفق مع الآراء التي قالت إن "اللعب مع الكبار" يمثل مرحلة في مشواري وأيضا بالنسبة لعادل إمام، ثم تعددت اللقاءات مع شريف في الإرهاب والكباب والمنسي وطيور الظلام والنوم في العسل وأخيرا "اضحك الصورة تطلع حلوة".

وأنا أرتبط بالمخرج أو الممثل من باب الصداقة، أحب أن أعمل مع مجموعة تنسجم معي إنسانيا، ومع ذلك لا أنكر أن كل مخرج عملت معه يعني بالنسبة لي الكثير، ويمثل إضافة في رحلتي.

"العائلة".. الكتابة للتليفزيون

لست بعيدا عن التليفزيون، لكن هناك فكرة تفرض نفسها عليك ولا يمكن معالجتها إلا تليفيزيونيا، مثل مسلسل العائلة، وقد كنت مهموما بالإرهاب الذي تحول إلى وحش كاسر، حاول أن ينهش لحم الأمن الاجتماعي المصري القائم على احترام حرية العقيدة عند الآخر، وحرية احترام الرأي الآخر وفتح باب الاجتهاد في التفسير الديني للدنيا وأمورها، والتفسير الدنيوي للدين دون مغالاة أو تطرف.. وعموما سأعود للكتابة التليفزيونية قريبًا.

هل يخصم هؤلاء النجوم من نجاحك؟

ارتباطي بعادل إمام تحول إلى اتهام ضدي في بعض الأحيان، مع أن عادل إمام اشتغل مع غيري من المؤلفين، ولكن النجاح الذي حققناه معا صور للبعض أنها شركة لا تنفصل، واستغربوا في فيلمي الأخير "اضحك الصورة تطلع حلوة" أن أعود إلى صديقي أحمد زكي وأبتعد عن عادل..!

وحقيقة الأمر أن كل فيلم له ظروفه وحساباته، وصلتي بعادل إمام لم ولن تنقطع، لأنها قائمة على صداقة متينة وقوية ورحلة صمود وكفاح مشتركة.

عادل لعب بطولة أغلب أفلامي وأهمها: الإنسان يعيش مرة واحدة، انتخبوا الدكتور سليمان، الهلفوت، مسجل خطر، اللعب مع الكبار، الإرهاب والكباب، المنسي، طيور الظلام، والنوم في العسل، أي ما يقرب من ثلث إنتاجي السينمائي.

ومع ذلك عملت مع أحمد زكي ومحمود عبدالعزيز وليلى علوي ونبيلة عبيد ويسرا ونادية الجندي وصلاح السعدني ومحمود مرسي، وكما قلت فإن السينما عمل جماعي وجزء من نجاحي- بلا شك- من حق المخرج والنجم والمتفرج أيضا.

الصحافة.. "تماحيك المحبة"

عملت بالصحافة عقب تخرجي من جامعة عين شمس، وتدربت بمجلة صباح الخير تحت إشراف منير عامر ولويس جريس، ولكن رغم الرغبة والحب للعمل الصحفي لم أجد نفسي محققا، ورغم هذا لم تنقطع صلتي بالصحافة وخاصة مؤسسة روزاليوسف، التي كنت تلميذا في كيانها الشامخ وأكتب الكثير من المقالات التي أحاول من خلالها أن اقدم وجهة نظر سريعة لا تحتمل الانتظار أو التأمل لكي أقدمها في فيلم، هنا تنقذني الصحافة ولكني لسن كاتبا صحفيا، هي فقط "تماحيك المحبة" بيني وبين الصحافة التي تغذيني دائما وأبدا بالطاقة الدرامية الهائلة.

أبطالي- كما قلت في نقدك أفلامي- لا يعترفون بالاستسلام، ولا يديرون الخد الأيسر لمن ضربهم على الخد الأيمن.

وهو تعبير سليم وصحيح جدا؛ لأن البطل الهامشي المغلوب على أمره، سرعان ما يتحول إلى انفجار هائل في وجه عدوه، وهى سمة يتمتع بها أغلبية الشعب المصري، ويظل الهدف الأكبر أمامي هو تعرية الظلم والظالم، فأنا لا أطيق الظلم، ولا أصبر عليه، ورد فعلي الشخصي يكون عنيفا بقدر ما وقع من ظلم.

هنا ينتهى الحوار.. ولكن لن تنتهي حواراتنا مع نصوصه وأعماله التي ستظل نضرة حية متجددة؛ لأنها بنت الواقع، مغموسة في ثناياه، تعبيرا عن تفاصيله، تحمل همومه وعبراته وطموحه، إبداع أبدي لشخص آمن بنفسه، كما آمنت به نفسُه، فوصل إلينا من دون استئذان، مثل كل الصادقين الذين كانوا منا، وعبروا عنا.

تابع تغطية مصراوي لوفاة الكاتب الكبير وحيد حامد.. اضغط هنا

إعلان

إعلان

إعلان