إعلان

كلينت إيستوود..  المتمرد الأمريكي تحدى هوليوود وصنع إرثه الخاص

د أمل الجمل

كلينت إيستوود.. المتمرد الأمريكي تحدى هوليوود وصنع إرثه الخاص

د. أمل الجمل
10:23 م الخميس 30 يناير 2025

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

«المتمرد الأمريكي».. عنوان أحدث سيرة ذاتية صدرت عن كلينت إيستوود عملاق السينما الأمريكية بقلم مارك إليوت. التمرد له متطلبات وشروط، له عواقب لن تنجو منها إلا إن كنت قادراً على الاستقلال. بطلنا منذ سنوات صباه تدرب على الاستقلال رغماً عنه.

رغم ما يقال أحياناً عن عائلته بأنها كانت تعيش في حي للأثرياء، وكان لديهم حمام سباحة، وأن لكل منهم سيارة، لكن إيستوود نفسه يُرَّوج، كثيراً، أنه تربي في ظروف فقيرة، فقد تزامنت نشأته مع الكساد الاقتصادي في أمريكا. كان والده عاطلاً عن العمل، واضطروا للتنقل كثيراً، والعمل في أشياء كثيرة، بعد الثانوية اتجه إستوود لسوق العمل، درس الموسيقى لفترة حٌراً، درس بكلية عسكرية لبعض الوقت، لم يكمل دراسته الجامعية وفضل عليها الاتجاه للتمثيل في أدوار ثانوية أو هامشية أو مساعدة. أثناء ذلك وحتى يتمكن من توفير قوت يومه كان يعمل في حفر حمامات السباحة، وقيادة سيارة لجمع القمامة. مثلما كان حطابًا سابقًا، وعاملاً في فرن فولاذي، وعامل محطة بنزين قبل أن يصبح ممثلًا.

أصبح ممثلاً معروفاً في أمريكا بفضل المسلسل الشهير «الجلد الخام» الذي استمر حتى منتصف الستينيات، لكن شهرة إيستوود ونجوميته كممثل تحققت أولاً في إيطاليا عام ١٩٦٦، بفضل ثلاثية المخرج سيرجيو ليون الشهيرة «الرجل بلا اسم» أو «ثلاثية الدولارات»، التي استغرقت عامين بعد عرضها في إيطاليا لتنال حظها في أمريكا عام ١٩٦٨ ويصبح بعدها إيستوود بطلاً شعبياً محبوباً للمشاهد الأمريكي خصوصاً بعدما قام بأدوار البطولة في أشهر أفلام رعاة البقر الأميركية (الكاوبوي)، وازدادت تلك الشعبية في المرحلة التالية ومنذ «هاري القذر» - من إخراج دون سيجل - حيث أدوار التمرد ضد السلطة والقانون الفاسد، فأصبح يسعى لتحقيق العدالة بنفسه. هذا العمل الذي أثار كثيراً من الجدل والنقاش حول العنف. وكانت الخاتمة تؤشر لعدم الثقة في أن القانون قادر على تحقيق العدالة. تلك الخاتمة التي يؤكد عليها كلينت إيستوود مجدداً بمضمون أحدث أفلامه «المحلف رقم ٢».

منذ العام ١٩٧١ اتجه للإخراج ليصبح في جعبته نحو ٤٣ عملاً، إضافة إلى تمثيل نحو ٧٣ دوراً، كما شارك في كتابة بعض أعماله، وشارك في أنتاج ٥٥ منها، وقام بمعالجة شريط الصوت ل٣٣ فيلما، بينما ألف الموسيقى لعشرة من أفلامه.

الأمر يتجاوز الأرقام. لم يكن إيستوود أحد نجوم هوليوود المُقدرين والمحبوبين وفقط، فهو الشخص الوحيد الذي ظل «نجمًا» طوال السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات في قائمة فارايتي لأفضل عشرة ممثلين في كل عقد.

إنه صانع أفلام له مكانة كبيرة أيضاً. ترك بصمته التي لا تُمحى بعالم الفن السابع. أثر في السينما الأمريكية وفي الثقافة الشعبية الأمريكية، فدراسة مسيرته وتحليل أفلامه لا يمكن فصلهما عن السياق الأوسع للثقافة والتاريخ الأمريكي. ليس من فراغ إذاً أن يُوصف الرجل بالأسطورة السينمائية، أو الأيقونة، وربما يكون حقاً آخر عمالقة السينما الكلاسيكية الأمريكية.

كان الاستقلال، كما شخصيته المعقدة الموسومة بالمرونة والطموح مفتاح نجاحه وتفشي الجدالات من حوله، بل الداعم الأول في تشكيل هويته ومسيرته السينمائية. كذلك، قدرته على التعبير عن آرائه الجريئة واتخاذ مواقف وخيارات غير تقليدية، فقد رفض إيستوود عرضًا من الرئيس جورج بوش للترويج له في الانتخابات الرئاسية لعام ١٩٩٢. ثم في مؤتمر صحفي لفيلمه «النهر الغامض» ٢٠٠٣، أدان إيستوود الحرب على العراق باعتبارها «خطأً كبيرًا» ودافع عن زيارة شون بن إلى بغداد قائلاً: «ربما كنت لأفعل الشيء نفسه لولا السن.»

ربما يُفسر ذلك، لماذا لا توجد له نجمة في ممشى المشاهير في هوليوود - وإن توجد بصمات يديه وقدميه في الأسمنت في مسرح غرومان الصيني - ورغم أنه كان على غير وفاق مع صناعة السينما الهوليودية لكنه نجح في تشكيل حياته المهنية الفريدة والحفاظ على أصالته، دون أن يتخلى عن تحدى التقاليد، فأنشأ إرثه الخاص، وأعاد تقديم وتصوير مفهوم آخر للرجولة والفردية بشكل مغاير تماماً لما كانت تقدمه هوليوود، فتردد صدى شخصية إيستوود مع الجماهير خصوصاً خلال أوقات التغيير الاجتماعي، بأدواره التي تتمحور حول البطل الضد، ثم كشخصية معقدة أخلاقياً عن القيم المجتمعية المتغيرة. إنه الاستقلال والروح المتمردة التي حولت كلينت إيستوود من شخص غريب عن هوليوود إلى أيقونة أمريكية دائمة.

إعلان

إعلان

إعلان