- إختر إسم الكاتب
- محمد مكاوي
- علاء الغطريفي
- كريم رمزي
- بسمة السباعي
- مجدي الجلاد
- د. جمال عبد الجواد
- محمد جاد
- د. هشام عطية عبد المقصود
- ميلاد زكريا
- فريد إدوار
- د. أحمد عبدالعال عمر
- د. إيمان رجب
- أمينة خيري
- أحمد الشمسي
- د. عبد الهادى محمد عبد الهادى
- أشرف جهاد
- ياسر الزيات
- كريم سعيد
- محمد مهدي حسين
- محمد جمعة
- أحمد جبريل
- د. عبد المنعم المشاط
- عبد الرحمن شلبي
- د. سعيد اللاوندى
- بهاء حجازي
- د. ياسر ثابت
- د. عمار علي حسن
- عصام بدوى
- عادل نعمان
- علاء المطيري
- د. عبد الخالق فاروق
- خيري حسن
- مجدي الحفناوي
- د. براءة جاسم
- عصام فاروق
- د. غادة موسى
- أحمد عبدالرؤوف
- د. أمل الجمل
- خليل العوامي
- د. إبراهيم مجدي
- عبدالله حسن
- محمد الصباغ
- د. معتز بالله عبد الفتاح
- محمد كمال
- حسام زايد
- محمود الورداني
- أحمد الجزار
- د. سامر يوسف
- محمد سمير فريد
- لميس الحديدي
- حسين عبد القادر
- د.محمد فتحي
- ريهام فؤاد الحداد
- د. طارق عباس
- جمال طه
- د.سامي عبد العزيز
- إيناس عثمان
- د. صباح الحكيم
- أحمد الشيخ *
- محمد حنفي نصر
- أحمد الشيخ
- ضياء مصطفى
- عبدالله حسن
- د. محمد عبد الباسط عيد
- بشير حسن
- سارة فوزي
- عمرو المنير
- سامية عايش
- د. إياد حرفوش
- أسامة عبد الفتاح
- نبيل عمر
- مديحة عاشور
- محمد مصطفى
- د. هاني نسيره
- تامر المهدي
- إبراهيم علي
- أسامة عبد الفتاح
- محمود رضوان
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
"قصة قصيرة"
لم يتحدث كثيرا؛ كأنما اعتاد اقتصاد المفردات متكئا على معرفة طويلة سابقة تبرر ذلك.
هكذا فعل معه الرجل النحيف الذي كان يمر متمهلا، حين أوقف ركوبته ونزل ليلقي عليه السلام، ثم عاد يعتلي حماره ويمضي في هدوء، سلم عليه كأنه يعرفه تماما، وكمن يستدعي في جملة قصيرة تاريخا متيقنا منه، نطق الرجل اسم عائلته بالزائدة المتعارف عليها ريفيا في مناداة الأشخاص، كما أدرك معرفة الرجل به تقريبا أو كلية، يقول لا فارق كبيرا؛ فالرجل لم يمنحه وقتا ليتعرف عليه أو يستفسر منه عن كيف أدركه بعد سنوات طالت.
كان قد أطلق جملته واستدار متجها نحو الطريق الذي تضيئه لمبات صفراء شاحبة ضعيفة، تأتى من أعلى أعمدة نور قديمة، وقد مالت قليلا لتفقد استطالتها الرأسية الأولى التي عرفها بها، وصار الضوء الذي ينبعث من الخفوت لا يشكل سوى ظلال ضوء باهتة تبدو من بعيد كأنها معا بؤرة ضوء محدودة تطويها بيسر مظلة المساء السوداء تحت سطوتها التي تغطي الحقول الممتدة على جانبي الطريق الضيق الصغير.
يمشي خطوات قليلة متثائبة، في داخله كان يفضل المكوث هنا طويلا على ذلك الطريق؛ النسمات الباردة القوية التي تحاول على مهل فك تشابك خيوط حزن ثقيل تغريه بذلك، لا تفلح المحاولة كثيرا، لكنها على الأقل تثبت الحالة على وضعها بلا امتداد إضافي، يمضي وقت قصير ليجد نفسه راجعا ومواجها ساحة واسعة خارجية للبيت تتراص مقاعدها الخشبية لتشكل مستطيلا غير مكتمل فى زوايا غير حادة يجلس عليها من يتوافدون قليلا ثم يمضون، يدير ماكينة ذاكرته التي تسترخي تعبا لتعمل، يطارد بطء حركتها وانفلاتها ومراوغتها، يعتصر بقوة مخزونها الراكد المتيبس، يضربه بقوة مقلاع عفي، فيجبرها على أن تتحرك فتأتي متزاحمة وجوهٌ تتوالى بلا انقطاع، يعيد تركيبها على الأشخاص، وعقله يعمل مع اكتمال خروج الاسم مستدعيا تلك الصور لوجوه بالأبيض والأسود عرفهم عليها ذات يوم مضى.
يحس بإجهاد كبير أو ربما بإحباط، مزيج بينهما كأنما يؤدي أحدهما إلى الآخر فيزيده ثم يتلاحقان، لا بأس يقول لنفسه هناك الكثير من الوقت لتعرف أكثر وتثبت الصور الملونة الجديدة موضع تلك التي صارت تاريخا يشبه تماما تاريخ شركة صناعة أفلام التصوير الفوتوغرافي القديمة، يجتهد ليتذكر اسمها الذى شغل الزمان طويلا ثم تلاشى، ما في ذاكرته هو تاريخ أكثر هؤلاء الذين يفدون ويسلمون عليه، تتوالى لقطات متحركة لحضورهم، تعيد ضبط التوقيت والزمن وتجدد أرشيف الذاكرة الراكد، يستخرج صورة من جيب صغير من حافظة نقوده، ينتبه أنه قد مضى على زمن التقاطها سبعون عاما إلا قليلا كما هو التاريخ مدون بوضوح خلف الصورة، وجه محتشد بطاقة الحياة منتبه تماما لتعليمات المصور بالنظر إليه، يعيدها بحرص إلى موضعها في الحافظة.
لم ينتبه لكلمات عبرت قريبة من أذنه، فقط شكر رافضا اليد الممدودة بكوب الشاي، جلس وقتا طويلا يطلق كلمات هي ذاتها يعرفها ويرددها، بينما لا تفارق رأسه المشاهد المتتالية المتدفقة في تتابع منتظم.. طفل يهبط من قطار الصباح المبكر الأول، كان يحرص عليه تماما، يحب حركته التي تبدأ مع تحول الليل، حين ينفتح قوس سواده القاتم المغلق شيئا فشيئا، ويمضي القطار منتشيا- هكذا أحس دوما حركته- يخترق الحقول التي تمر على عجل لتفسح لغيرها مكانا عبر نافذة انتصف شيشها، تتوالى السحابات مغبشة، ثم حقول لا يفصلها سوى بيوت قليلة متناثرة وحركات أذرع طلمبات المياه، تحركها نساء وفتيات على مداخل البيوت التي تشرف على طريق القطار، عدد من السواقي تعبر مسرعة كأنها تريد أن تلتحق بأطراف الصورة الكبيرة لكل ذلك المشهد الضخم.
صار يستشعر الآن إحساس وقع أولى قدميه وهى تهبط لتلامس الرصيف، متشمما رائحة تأتي من الكشك القديم المنتصب بجوار غرفة محطة السكك الحديدية، رائحة الطعمية تهل كرسالة صباح لا ينشغل بتفسيرها، بل يذهب إليها، يهبط طفلا من القطار حاملا حقيبته الصغيرة ماشيا في ذات الطريق الصغير غير المسفلت، يمضغ في تلذذ أقراص الطعمية الممزوجة بقطع الطماطم والفلفل في رغيف ملفوف، يعرف أنه قد وصل هناك حين يرى من بعيد الواجهة الجيرية البيضاء للدار، وحيث تتكشف ببطء كلما مضى في اتجاهها عن رسومات لمركب وشجرات نخيل وكلمات بخط كوفي رشيق.
إعلان