لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

عالم كورونا: اليونان و"مُنقذ الأمة"! (6)

عصام شيحة

عالم كورونا: اليونان و"مُنقذ الأمة"! (6)

عصام شيحة
07:01 م الثلاثاء 12 مايو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لي صديق أدمن التعامل في البورصة، أدهشني قوله إنه لا يوجد في البورصة قرار خاطئ وآخر صحيح؛ إنما هناك توقيت خاطئ وآخر صحيح لكل قرار؛ فكل سهم يمكن بيعه أو شراؤه وتحقق مكسباً، لكن المهم متى يكون القرار؟!

ورغم أن صديقي يخسر غالباً، فقد تذكرت كلامه وأنا أقرأ عن تجربة اليونان في مجابهة جائحة كورونا؛ فرأيت كيف أن توقيت القرار كثيراً ما يكون أهم من مضمون القرار ذاته!. وهذا هو الدرس البليغ الذي ينبغي أن يتعلمه الجميع من اليونان وهي تجابه جائحة كورونا.

في اليونان لقبوه بـ"مُنقذ الأمة"، هو العالم اليوناني، خبير الأمراض المُعدية البروفيسور "تسيودراس"، وهو المتحدث باسم وزارة الصحة اليونانية الذي استشعر الخطر مُبكراً جداً، منذ أعلنت إيطاليا عن أول إصابة عندها بفيروس (كوفيد – 19).

ساعتها سمع الرجل دقات الخطر على أبواب شعبه؛ ووافقت الحكومة على طلباته الفورية التي تضمنت إغلاق كل المرافق الجاذبة للتجمعات البشرية، واُغلقت الكنائس بشكل جزئي ثم بشكل كامل.

لم يزعم الرجل امتلاكه الحقائق بشكل حصري؛ واقترح إنشاء غرفة عمليات مكونة من 26 عالماً، وطالب بإعداد 13 مركزاً طبياً. كل ذلك في الوقت الذي كان فيه عدد الإصابات في إيطاليا لا يتجاوز 11 حالة وفاة و330 إصابة، أي أن الأمر لم يكن خطيراً بعد، لكنه التوقيت الصحيح الذي عبر عن اليقظة، وسرعة الحركة في الاتجاه الصحيح، والقدرة على الابتكار بدلاً من الانتظار لاستلهام الخطوة من تجارب الغير.

وبالفعل، في 26 فبراير الماضي، تم اكتشاف اول إصابة في اليونان لامرأة قادمة من شمال إيطاليا، وبسرعة البروفيسور "تسيودراس"، التي هي كالبرق! تم إغلاق المدارس التي بها ابن المصابة وتبين إصابته أيضاً.

وفي اليوم التالي اكتُشفت 3 حالات أخرى؛ فألغيت الرحلات المدرسية تماماً، وكذلك كل المهرجانات والكرنفالات، وكل الفعاليات ذات الحضور الكثيف، مهما كانت أهميتها، رغم تردي الوضع الاقتصادي.

ومبكراً عن جيرانها الأوروبيين، وفي الثامن من مارس أغلقت اليونان الجامعات والمدارس ورياض الأطفال تماماً. وبعد أيام قليلة، أُغلقت القاعات الرياضية وقاعات الرقص والرياضة والملاعب والمسارح ودور السينما والمقاهي ومصففي الشعر والشواطئ ومنتجعات التزلج. ثم مراكز التسوق باستثناء البقالة.

وتم الحد كثيراً من الزيارات للمستشفيات دور التمريض، كما تم إلغاء العروض في يوم الاستقلال، 25 مارس.

وبعد نحو عشرة أيام وصلت رسالة طوارئ على كل الهواتف المحمولة تطالب الناس بالبقاء في منازلهم، مُعلنة انتشار الوباء. وتماشياً مع نقص المستلزمات الوقائية في بلاده، ومنها الكمامات، أكد البروفيسور "تسيودراس" أن التطبيق الصحيح لمبدأ التباعد الاجتماعي يمكن به الاستغناء عن الكمامات.

واستنتج تقرير لصحيفة "الإندبندنت" البريطانية أن هشاشة نظام الرعاية الصحية في اليونان كان الدافع الرئيسي وراء قوة التدابير الوقائية في اليونان، حتى أن السلطات المحلية وضعت أنظمة مُحكمة لدخول الأفراد بالدور إلى المتاجر بما يضمن حصول كل شخص على رقم للدخول للتأكد من وجود شخص واحد فقط لكل 15 متراً مربعاً، مع دوريات شرطية تفرض غرامات فورية على المُخالفين.

وبوصول اليونان إلى تسطيح منحنى الوباء، ثم اتجاهه إلى الهبوط الكبير مؤخراً، يتبين أن التوقيت الصحيح للقرار هو ما عبرت عنه التجربة اليونانية؛ إذ توفر لها "المُنقذ"، واستلهمت من تجارب جيرانها سُبل الهروب من ثقل وطأة الوباء، مُتخذة من ضعف إمكانات نظامها الصحي دافعاً للالتزام بإجراءات صارمة.

راجع هنا موقف القطب العالمي الأوحد، وقارن الإمكانات، ووازن بين حنكة وخبرة "المُنقذ" واستهانة ترامب الساذجة التي وضعت بلاده في مقدمة الدول المتضررة، ساعتها تدرك لماذا لم تتوقف اليونان عند مجرد إعادة فتح الحياة مؤخراً، بل أعلنت استعدادها لاستقبال موسم سياحي مميز بحلول الصيف المُقبل...! عقبالنا.

** للتواصل مع الكاتب:

Eshiha@yahoo.com

إعلان

إعلان

إعلان