لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الصيام في زمن الـ"كورونا"

الشيخ أحمد تركي

الصيام في زمن الـ"كورونا"

الشيخ أحمد تركي
07:20 م الأربعاء 22 أبريل 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

الشيخ أحمد تركي

الصيام والصوم كلمتان تعنيان الامتناع عن شيءٍ معينٍ سواء كان فعلاً أو قولاً، ومصدرهما الفعل " صام".

قال تعالي في سياق الحديث عن مريم عليها السلام:

"فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا" (26) سورة مريم.

وصيام شهر رمضان هو ركن من أركان الإسلام الخمسة وفق الحديث النبوي الشريف:

"بني الإسلام على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً".

وصوم شهر رمضان يعني الإمساك عن المفطرات (المأكل والمشرب والمنكح "من طلوع الفجر إلي غروب الشمس مع النية، يعني لا بد أن ينوي المسلم أن هذا الامتناع هو صيام لرب العالمين..

وقد شرع الله تعالى فرضية الصيام على المسلمين في السنة الثانية للهجرة عندما أنزل على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله:

﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًي لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَـٰتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَ ٰكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (185) سورة البقرة.

فصام النبي صلى الله عليه وسلم، ومعه الصحابة وظل المسلمون يصومون هذا الشهر إلى يومنا هذا...

وقد ربط النبي صلى الله عليه وسلم شهر رمضان بفعل الخيرات والمسارعة والتنافس فيه...

فكان يبشر بالخير ويصنع جو الإيمان والتسامح والمحبة بين الناس وقت دخول شهر رمضان، ويقول عند رؤية الهلال: "اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ علَيْنَا بِالأَمْنِ والإِيمَانِ، وَالسَّلامَةِ والإِسْلامِ، رَبِّي ورَبُّكَ اللَّه، هِلالُ رُشْدٍ وخَيْرٍ".

وكان يقول أيضًا: "أتاكم رمضانُ شهرٌ مباركٌ، فرض الله -عز وجل- عليكم صيامَه، تُفتح فيه أبوابُ السماء، وتُغلق فيه أبوابُ الجحيم، وتُغلُّ فيه مرَدة الشياطين، لله فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهرٍ، من حُرِم خيرَها فقد حُرِم".

فضلاً عن ارتباط رمضان بقراءة القرآن وإخراج زكاة الفطر، والجود والكرم، وإخراج الصدقات، والحث على إفطار الصائمين وصلة الرحم وصلاة التراويح.. إلخ.

وقد ربط المسلمون في مصر وكثير من الدول العربية والإسلامية بين رمضان والطقوس الشعبية وأيضًا بعض أنواع الفلكلور الشعبي.. فانوس رمضان- أغنية وحوي يا وحوي- موائد الرحمن- أكل الكنافة والقطايف وبعض أنواع الحلويات- الكعك والبسكويت في العيد- تعليق الزينة والفوانيس في شرفات البيوت... إلخ.

وجاء رمضان هذا العام وقد انتشر وباء فيروس "كوفيد19..كورونا"، في العالم كله.. ما أوجب على كل البلاد الإسلامية غلق المساجد لمنع الزحام والتقارب وقاية من انتشار الفيروس!.

هذه الظروف التي نعيشها ربما لم يعشها آباؤنا أو أجدادنا!، وربما لم يعشها المسلمون طيلة تاريخهم إلا مرات معدودات وقت انتشار الأوبئة!.

وبما أن الإسلام دين يسر لا عسر... وأن العبادة أساسها اليسر، ومن طبقها بعسر أو تشدد فليس من الله في شيء؟!، لقوله: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"؟!.

فتجب مراعاة الآتي في رمضان وقت انتشار الوباء:

1- أن صيام شهر رمضان يرتبط بالقدرة الكاملة على الصيام دون حدوث ضرر محتمل أو ضرر محقق!.

قال تعالي: "فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَ ٰكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" 185 البقرة.

وبناء على ما سبق أقول بضمير علمي وديني مطمئن:

إن المسلم المريض والذي يتسبب مرضه في انخفاض المناعة لديه، ويكون أكثر عرضةً للإصابة بفيروس "كورونا". يجب عليه شرعًا أن يأخذ بالرخصة ويفطر، ويقضي هذه الأيام بعد رمضان وبعد انتهاء انتشار الفيروس.

وإن كان مرضه مزمنًا، فيجب عليه الفطر، ويخرج الفدية عن كل يوم بإطعام مسكين.

وكذلك بالنسبة للمسافر، وللسائقين الذين يسافرون مسافات بعيدة، أو أصحاب الأشغال الشاقة في الصحراء أو في الأفران والمناجم.

كل هؤلاء يمكن أن يفطروا رخصةً من الله تعالى.

وتطبيقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب أن تؤتي رخصه كما تؤتي عزائمه".

ومما يجب الانتباه إليه في هذا الشأن... أنه لا ينبغي الانصياع وراء ضجيج الآراء المتجاوزة للعلم والطب من قبل بعض العلماء أو من قبل بعض الأطباء!؛ لأن هناك فرقًا كبيرًا بين رأي العلم ورأي العالم، بين رأي الطب ورأي الطبيب!.

فتطبيق قوله تعالى: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"، يوجب علينا الأخذ برأي العلم ورأي الطب...

وخاصةً بعد ما وظف البعض العلم والطب نحو توجهه الشخصي وهواه، كما وظف المتطرفون الدين نحو التطرف والإرهاب...

2- يمكن لنا جميعًا أن نكيف عاداتنا في رمضان، وفق معطيات الحظر، وعدم الاندماج في الزحام؛ لأن المكث في البيت في ظل هذه الظروف، وكذلك تطبيق كل أساليب الوقاية من الفيروس واجب شرعًا...

بالنسبة لصلاة التراويح يمكن أن نؤديها في المنزل سواء صليناها فرادى أو جماعة مع الأسرة، وقد صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجراته طيلة حياته، ولم يخرج لصلاتها في المسجد سوي عدة أيّام ثم عدل عن ذلك حتى لا تفرض على المسلمين..

ويمكن إخراج قيمة موائد الرحمن للفقراء نقدًا أو في صورة شنط رمضان.. إلخ.

والحذر كل الحذر من دعوات فتح المساجد أو الصلاة على الأسطح وفي الطرقات العامة، فقد يتسبب ذلك في إصابة الأبرياء وانتشار العدوي، والله تعالى يقول: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة".

مع الوضع في الاعتبار. أن تطبيق الرخصة في الشريعة الإسلامية لا ينقص من الأجر الرباني لأداء العبادة، قال تعالى: "إنا لا نضيع أجر من أحسن عملًا"، وفي الحديث القدسي يقول الله للملائكة: "اكتبوا لعبدي ما كان يعمل".

3- علينا في هذه الظروف أن نكثر من الصدقات، وإخراج الزكاة وتوجيهها للمحتاجين والفقراء والذين فقدوا وظائفهم وأعمالهم...

فإن النفقة في المسغبة (الشدة) أفضل من الصلاة والصيام وقيام الليل!.

بل هي المنجية للمسلم من عذاب يوم القيامة..

قال تعالى: "فلا اقتحم العقبة (11) وما أدراك ما العقبة (12) فك رقبة (13) أو إطعام في يوم ذي مسغبة (14) يتيمًا ذا مقربة (15) أو مسكينًا ذا متربة (16)، ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة (17)، سورة البلد.

وعلينا أيضًا التجاوب مع مبادرات الخير في مواجهة فيروس "كورونا" بالمال والخبرة والجهد.. فإن هذا هو ميدان الجهاد في سبيل الله هذا الوقت...

4- علينا أن ندعو الله تعالي لكل المرضى وليس لمرضى المسلمين فقط!.

والدعاء لرفع الوباء عن العالم كله، وليس عن المسلمين فقط!.

وأن نردد خلف حبيبنا وقرة عيننا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.."أَنَّ الْعِبَادَ كُلَّهُمُ إخْوَةٌ"

ففي هذه المناجاة الحانية لربه... كما شهد رسول الله لربه بالربوبية، وشهد لنفسه بالرسالة؟ شهد لكل بني آدم بالأخوة الإنسانية...

وهذا يعني أن تتمنى الخير لكل الناس، والشفاء لكل الناس وتعطي كل الناس..... ولا عزاء للمتنطعين الذين يسوقون الكراهية باسم الله ورسوله، ويقولون لا تقل لغير المسلم يا أخي!، ويتمنون النجاة بأنفسهم دون غيرهم!، هؤلاء في عصيان شديد لله ورسوله...

وإليكم مناجاة رسول الله العاشق لربه التي تدل تعلمنا الإنسانية والإخوة البشرية..

روى الإمام أحمد وأبوداود والنسائي.. عن سيدنا زيد بن أرقم، رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يَدْعُو فِي دُبُرِ كل صَلَاة يَقُولُ: "اللهُمَّ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، أَنَا شَهِيدٌ أَنَّكَ الرَّبُّ، وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، اللهُمَّ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، أَنَا شَهِيدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، اللهُمَّ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، أَنَا شَهِيدٌ أَنَّ الْعِبَادَ كُلَّهُمُ إخْوَةٌ، اللهُمَّ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، اجْعَلْنِي مُخْلَصًا لَكَ وَأهْلِي فِي كُلِّ سَاعَةٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، ذَا الْجِلَالِ وَالْإِكْرَامِ اسْمَعْ وَاسْتَجِبْ، اللهُ الْأَكْبَرُ الْأَكْبَر، اللهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، اللهُ الْأَكْبَرُ الْأَكْبَرُ، حَسْبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، اللهُ الْأَكْبَرُ اللهُ الْأَكْبَرُ»؛ اللهم اجعلنا ممن يستمعون قولك وقول نبيك ويتبعون فترضي عنهم..

اللهم ارفع عنا البلاء والوباء واشفِ مرضي العالمين أجمعين..

وكل عام وأنتم بخير. رمضان كريم.

إعلان