لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

إصلاح وتطوير التعليم العالي وحوكمة منظومته - الجزء العاشر

د. غادة موسى

إصلاح وتطوير التعليم العالي وحوكمة منظومته - الجزء العاشر

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

09:00 م السبت 13 أبريل 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

عندما نتحدث عن الحوكمة، فإننا نقصد الطريقة والكيفية التي يتم بها حكم منظومة التعليم العالي؛ بهدف تحقيق الغرض منها، أي تناول العناصر الثلاثة لعملية الحوكمة: السياسات والعمليات، والإجراءات، والبشر.

والهدف من إصلاح التعليم العالي وتطوير منظومته هو في المقام الأول بناء الدارس والطالب ذهنيا وفكريا وثقافيا ومهاريا ليشارك بدوره في بناء المجتمع، وذلك وفقاً لخياراته وتفضيلاته، ومن ثم- وكما سبقت الإشارة- ليس الهدف هو إخراج آلة للعمل في السوق بما يستلزم ذلك من توجيه الطالب نحو دراسة موضوعات بعينها قد لا يرغب فيها إلا ليجد عملاً عقب إنهائه مرحلة التعليم العالي.

وهذا لا يقلل من أهمية التأهيل والتدريب أثناء سنوات الدراسة، لكن لا أن يكون هذا هو الهدف الوحيد من التعليم العالي. خاصة وأن الاكتفاء بتحقيق هذا الهدف من شأنه أن يخرج العديد من العلوم والموضوعات والنسق والمناهج العلمية من دائرة المعرفة والتحصيل.

---

ومن ثم تنصرف عمليات الحوكمة إلى السياسات والاستراتيجيات التي توجه وتضبط direct and control إصلاح وتطوير التعليم العالي . أي السياسات التي تضمن كفاءة وفعالية خدمة التعليم بحيث يخرج الطالب أو الدارس من مرحلة التعليم العالي ولديه الحد الأدنى من المعارف والعلوم التي توسع خياراته في سوق العمل ولا تجعله حبيس مجال بعينه. وهو الأمر الذي يتطلب الاستثمار في وضع السياسات لتكون شاملة وابتكارية ومتسقة ومستجيبة للتطورات في كافة الحقول المعرفية. فالسياسات الجيدة ضمانة لتحقيق عائد مجتمعي جيد من العلمية التعليمية. والسياسات لابد وأن تستند في وضعها على البيانات والمعلومات المحدثة والدقيقة والمعالجة processed.

ويعتبر المناخ المواتي من أهم عوامل ومحددات نجاح سياسات التطوير. والمناخ المواتي متحقق عبر التأكيد المستمر من قبل القيادة السياسية بحتمية الاهتمام بتطوير التعليم بشكل عام. بالإضافة إلى التوجيه نحو الاستفادة من خبرات الدول الأخرى واستقدام المؤسسات العلمية في تلك الدول لفتح فروع لها في مصر. وجميعها توجهات تعكس وجود إرادة سياسية للبدء في وضع سياسات حقيقية للإصلاح والتطوير.

وفي هذا الصدد أود التأكيد على "سياقات الاقتصاد السياسي" التي تحيط، وتحمي عملية الإصلاح ، وهي القيمة المضافة التي تحققها عمليات الإصلاح والتطوير، والتي تتطلب الوعي بالحاجة لمجهود بشري ذهني واع وهادف يبني على عمليات الإصلاح السابقة، ويتلمس إيجابياتها وثغراتها ويدرس ما تحقق منها ويقيس أثرها على تطور مناخ التعليم العالي.

وحتى يمكن القيام بعملية حوكمة للسياسات التعليمية لا بد من إشراك كافة المعنيين والمهتمين والمهمومين والخبراء في تطوير سياسات الإصلاح. لذلك قد تكون فكرة إنشاء منتدى إصلاح التعليم العالي الذي يضم الشركاء السابقين لمدة زمنية لا تتجاوز السنتين (٧٠٠ يوم عمل) إحدى الآليات المقترحة لرسم سياسات تحقق قيمة مضافة.

---

وفيما يتعلق بالمكون الثاني من مكونات الحوكمة فهو الهيكل والمنظومة والعمليات والإجراءات. وقد نال هذا المكون إهتماما خلال السنوات السابقة ولكن ليس ضمن نسق متكامل. كما أنه تم في إطار تغليب منظومة على منظومة أخرى وبدون البحث الدقيق في كفاءة عمل وفعالية كل منظومة على حدة. وأولى هذه المنظومات التي يجب العناية بها هي منظومة العلم نفسه والتي يكون التعليم والتدريس أدواتها. ومنظومة العلم تنصرف إلى نسق معرفي تحرص العلمية التعليمية على تحققه. لذلك كان إحداث القطيعة المعرفية بين العلوم الانسانية من جهة والعلوم الطبيعية والإنسانية من جهة أخرى من أهم أسباب ضعف تلك المنظومة وتهاويها. وإصلاحها يستلزم ردم الهوة وسد الفجوة بين العلوم ًوالتأكيد على حتمية إلمام التخصصات المعرفية المختلفة بعلوم بعينها مثل الفلسفة والقانون والاقتصاد السياسي والرياضيات واللغات، كعلوم قامت وتأسست عليها كافة المدارس الفكرية العالمية التي قدمت إسهامات للبشرية، بالاضافة للعلوم الحديثة المكملة مثل علوم الإدارة والتكنولوجيا. وفي هذا السياق، أؤكد على تحصيل العلوم في إطار عملية التعلم وليس مجرد التدريب لتلقي شهادة تدريب كأحد متطلبات العمل الجامعي.

وجدير بالذكر أن إعادة الاهتمام بحركة الترجمة تعتبر من العوامل الملحة لحين التغلب على العقبات اللغوية عند بعض الدراسين، لذلك قد لا يقل تنشيط ودعم مراكز الترجمة أهمية عن دعم مراكز البحث العلمي.

وهنا لا يفوتنا أن تطوير المنظومة يتطلب الالتفات لوضع مراكز البحوث داخل هياكل منظومة التعليم العالي وأدائها ومخرجاتها والتشجيع على احتضان الجامعات لها وتنميتها، وما يستتبعها من وضع منظومة تطبيقات تكنولوجية لحماية الأفكار والمعلومات وتطبيقات حفظ وتصنيف للأبحاث والمنتجات العلمية، وربطها بالمراكز البحثية العالمية لتحقيق استفادة متبادلة.

كما يتطلب حوكمة منظومة وعمليات تطوير التعليم العالي الوعي بأهمية المكتبات ودورها في توسيع المدارك وإثراء الذهن بأفكار متنوعة. ويستدعي هذا الاصلاح ليس فقط زيادة عدد المكتبات الجامعية، بل تحديث وتنويع محتوياتها وزيادة الوسائط التكنولوجية بها وربطها بالطلاب او الدارس بإتاحة الوصول لها ولمحتوياتها من اي مكان وفي اي وقت، وبالطبع تيسير إجراءات الاطلاع والاستخدام. وهو ما يتطلب زيادة الإمكانات المادية المخصصة لذلك. ونتطلع لأن نرى مكتبات جامعية مصرية على غرار مكتبات الجامعة الامريكية في مصر او على غرار مكتبة الكونجرس الامريكي.

---

وفيما يتعلق بالمكون الثالث لعملية الحوكمة فيتجه نحو العناية بالبشر. وقد سبق الحديث في الجزأين الثامن والتاسع من إصلاح وتطوير التعليم العالي عن تطوير إمكانات الأستاذ الجامعي والمتطلبات العلمية والمعرفية التي يجب أن تتكون لديه. وإلى جانب الخصائص السابقة تبدو فرصة الالتحاق بالبعثات العلمية والاشتراك في المؤتمرات العلمية لمرتين على الأقل خلال العام على درجة كبيرة من الأهمية. وقد يرى البعض أن هذا يتطلب تمويلاً باهظاً، ويلقي بأعباء مالية إضافية على موازنة التعليم العالي.

هذا وإن صح للوهلة الأولى، فهو يحمي هجرة عقول الباحثين والعلماء المصريين من جهة، ويمكن الوطن من الاستفادة من أبحاثهم وخبراتهم عقب عودتهم. وكما سبقت الإشارة فإن زيادة الاستثمار في هذا الاتجاه أمر ملح ومطلوب، ويتطلب الاستعانة بمسؤول تطوير موارد وعلاقات دولية في كل الجامعات المصرية لديه من المهارات ما يمكن من بناء شراكات جيدة ومتوازنة مع الجامعات ومراكز الأبحاث الخارجية وقطاعات الاعمال في الداخل لتطوير الموارد المالية لصالح تمكين الباحثين والأستاذة المصريين من التواجد والمشاركة في المنصات العلمية والبحثية العالمية، والارتقاء بأدائهم العلمي.

كما يعتبر من مكونات حوكمة منظومة العمل البشرية تحفيز أستاذ الجامعة على التفرغ للعملية التعليمية والتميز فيها من خلال الحفاظ على هيبته ومكانته المجتمعية وتحسين أجره. فمازالت أجور أستاذة الجامعات دون المستهدف. كما توجد فجوات ملحوظة بينه وبين أجور الأستاذة الجامعيين في الجامعات الخاصة. كما لا يقل دور الأستاذ الجامعي والعالم الذي يبني العقول أهمية عن دور القاضي الذي يحرس العدالة ويحققها. لذلك لابد من إعادة النظر في أجور أعضاء هيئات التدريس والعلماء والباحثين بما يمكنهم من التفرغ للعلم والاضطلاع بمهام البحث العلمي. كما يُقترح منحهم مزايا تتمثل في تقديم الخدمات والمنتجات لهم بأثمان تفضيلية كشكل من أشكال التكريم والاعتراف بفضلهم في بناء الانسان.

إعلان